شخصية اليوم : محمد بن امية

بطلنا اليوم بطلٌ تخرج من مدرسة بني أمية بن حرب، وسرّ عظمة هذا البطل يكمن في أنه قد ظهر وقتٍ من أصعب أوقات المسلمين في التاريخ على الإطلاق، فقد ظهر هذا القائد الإِسلامي العظيم في الأندلس.

عاش العرب المسلمون فى الأندلس أكثر من ثمانمئة عام، لكن بعد ذلك استطاعت أوروبا المسيحية أن تتفوق عليهم وتنتصر وتعود البلاد إلى مسيحيتها مرة أخرى، لكن ظلت هناك مشكلة اسمها الموريسكيين وهم الذين رفضوا الخروج وفى الوقت نفسه يحتفظون بدينهم الإسلامى، وقد ظل حكام إسبانيا يضيقون عليهم ويسعون طول الوقت إلى طردهم، وفى هذه الظروف ظهر محمد بن أمية.

كانت إسبانيا تجبر أطفال الموريسكيين على التعميد فى الكنيسة لذا كان اسمه المسيحى هو فيرناندو دى بالور، لكن التاريخ يحفظ له اسمه العربى محمد بن أمية، عاش فى الفترة بين (1520 ـ 1569م) وقد قاد ثورة مسلمى الأندلس ضد الملك فيليب الثانى، والتى عرفت بحرب البشرات.

وبالفعل اندلعت ثورة إسلامية مسلحة خطط لها فرج بن فرج (سليل بنى الأحمر، آخر من حكموا غرناطة من المسلمين) ومحمد بن عبو .

وفى ليلة عيد الميلاد سنة 1568، اجتمع سرًا ممثلون عن مسلمى غرناطة والبشرات وغيرهما وأعلنوا تبرؤهم من المسيحية، وبايعوا “فرناندو دى بالور” ملكا لهم، واختار اسم ابن أمية كونه ينحدر من سلالة أموية، فتلقب به.

ويومها خطب ابن أمية فى الناس يقول “لقد أصبحنا مطرودين من رحمة الجميع، فلا النصارى يعاملوننا كنصارى، ولا المسلمون ينظرون إلينا كإخوان لهم ويساعدوننا، فلا يكلمنا أحد، ولا يعاشرنا أحد. يمنعوننا من أن نتكلم لغتنا، ونحن لا نعرف القشتالية، وبأى لغة يا ترى يمكن أن نتفاهم ونتعامل مع الناس، إنهم يمنعوننا أن نخاطب حتى الحيوانات بلغتنا، يعلمون أبناءنا فنونا قد حرم كبراؤنا منها، ويجعلون من يتبع القانون جريمة، وكل ساعة يهددوننا وينزعون أبناءنا من أيدى أمهاتهم وآبائهم، ويرسلونهم بعيدين عنا لينسوا نوع المعيشة التى نعيشها ويتعلمون بأن يصيروا أعداء لآبائهم، ويعلمونهم فى مدارسهم، ويمنعون حتى لباسنا العربى، ويجبروننا على استعمال اللباس الفرنجى مع أنهم يلبسون ألبسة مختلفة، فالألمانى والفرنسى يتزيى بزيه، والرهبان والشباب والشيوخ كل واحد بزيه الخاص، وكلهم نصارى، ونحن الموريسكيون نحتفظ بعقيدتنا فى القلب لا فى اللباس”.

اتخذت الانتفاضة التى قادها ابن أمية شكل حرب عصابات ضد القوات القشتالية فى جبال البشرات، وتزايد عدد الثوار من أربعة آلاف رجل سنة 1569 إلى 25 ألف رجل فى العام التالى

وتتجلي بطولة محمد بن أمية في وقت سقطت فيه الأندلس منذ أكثر من 75 سنة! بل إن هذا القائد الإِسلامي العظيم سليل الشرفاء من بني أمية، استطاع أن يشعلها انتفاضة إسلامية في ربوع إسبانيا سميت في التاريخ بـ “انتفاضة جبال البشرات”، فاضطر الملك الإسباني “فيليبي الثاني” أن يطلب العون من “إمبراطورية النمسا” لإنقاذ إسبانيا من ذلك الصقر القرشي، وفعلًا استطاعت هذه القوات الإمبراطورية أن تقمع هذه الإنتفاضة الشعبية، ليُستشهد البطل الأموي العظيم محمَّد بن أمية في سبيل اللَّه، ليطوي بذلك صفحة مشوقة في سجل أبيض كتبه رجالٌ من قريش ينتمون إلى آل أمية بن حرب، فيضيف بذلك اسمه إلى أسماء أجداده.