رشاد البيومي.. أكاديمي مصري سجنه عبدالناصر ويقتله السيسي بالإهمال

منظمات حقوقية حذرت مما يتعرض له رشاد البيومي وزملاءه من إهمالٍ طبي في ظل الانتشار المستمر لفيروس كورونا

فور إعلان الانقلاب العسكري في مصر 3 يوليو/ تموز 2013، شنت أجهزة الأمن حملة اعتقالات بحق قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم أعضاء مكتب الإرشاد، ومن بينهم الدكتور رشاد البيومي (86 عاما) نائب المرشد العام للجماعة.

مطلع مارس/آذار 2021، وجهت مؤسسة “عدالة لحقوق الإنسان” ومركز “الشهاب لحقوق الإنسان” (مصريتان) نداء عاجلا إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

النداء طالب المفوضية الأممية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لإلزام حكومة نظام عبد الفتاح السيسي باحترام الحق في الحياة للسجناء ووقف كافة الانتهاكات الجسيمة داخل السجون، خاصة الحرمان من الرعاية الصحية والطبية اللائقة للسجناء السياسيين.

وطالبت المنظمتان، على وجه التحديد، بتحقيق عادل وشفاف حول حالة محمد رشاد البيومي، وما يتعرض له من إهمال طبي مُتعمَّد، قامت على إثره السلطات المصرية بتحويله إلى أحد المستشفيات الحكومية، نتيجة تفاقم حالته.

كما حذرت المنظمتان مما يتعرض له الكثير من السجناء السياسيين من إهمال طبي في ظل الانتشار المستمر لفيروس كورونا، وما يُشكله من حالة طارئة تتطلب المزيد من اتخاذ التدابير اللازمة في مثل تلك الحالات.

على مدار نحو 8 سنوات تعرض خلالها أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة القاهرة للتنكيل، وتدهورت حالته الصحية داخل سجن العقرب شديد الحراسة وسيء السمعة، في ظل مخاوف من أن يلقى البيومي نفس مصير قادة ورموز الجماعة الذين لقوا حتفهم داخل السجن وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد مرسي، والأستاذ محمد مهدي عاكف مرشد الجماعة السابق.

“معركة القنال”

في 8 يوليو/ تموز 1935، ولد رشاد محمد علي البيومي، في قرية الحريزات الغربية، مركز المنشاة، بمحافظة سوهاج جنوبي مصر، وفيها التحق بمراحل التعليم المختلفة من الابتدائية إلى الثانوية، وأبدى تفوقا ملحوظا بين أقرانه.

تعرف البيومي على دعوة الإخوان المسلمين في مقتبل عمره (13 عاما)، حيث التحق بشعبة سوهاج، أثناء استعدادهم للمشاركة في حرب فلسطين عام 1948.

وقتها، هاله مشهد حشود المتطوعين من الجماعة وهم يتزاحمون على تسجيل أسمائهم في كشوف المجاهدين، وتعرف البيومي على أحد كوادر الإخوان محمد العدوي، الذي غرس في الفتى رشاد تعلقه بقضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين.

العدوي روى للبيومي ما اقترفته العصابات الصهيونية من مجازر ومذابح بحق الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، وحاول حينها البيومي أن يلتحق بمتطوعي الإخوان، لكن حداثة سنه حالت بينه وبين مراده.

ومع ذلك استمرت أفكار التحرر من الاحتلال والاستبداد راسخة في نفس البيومي، وترجم ذلك عمليا عندما شارك في “معركة القنال” ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1951، رفقة محمد مهدي عاكف، وحسن دوح، وعبد الرحمن البنان.

اندلعت المعركة عقب إلغاء رئيس وزراء مصر آنذاك مصطفى النحاس باشا، معاهدة 1936، من طرف واحد باعتبارها معاهدة إخضاع وإذلال، وانخرط شباب الإخوان في القتال على طول خط القناة.

ملامح قيادية 

في عام 1951، التحق البيومي بكلية العلوم جامعة القاهرة، قسم الجيولوجيا، وظهرت ملامحه القيادية عندما عينه الإخوان مسؤولا عن أنشطة الجماعة في الكلية.

أثناء الدراسة تعرض البيومي للاعتقال عقب حادثة المنشية عام 1954، وهي المرحلة التي عرفت تاريخيا في أدبيات جماعة الإخوان بـ(المحنة الأولى)، حيث قضى في سجون نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرابة 18 عاما، تنقل خلالها في مختلف معتقلات الجمهورية.

مكث سنوات في ليمان طرة ثم رحل قبل “مذبحة طرة” الشهيرة عام 1957، إلى سجن الواحات وقضى به فترة، إلى أن تم ترحيله إلى سجن أسيوط، ثم سجن المحاريق بالوادي الجديد، وروى رشاد البيومي عن تعذيبه على يد عناصر الأمن قائلا: “لقيت تعذيبا لا يتحمله بشر”.

لم يستكمل البيومي دراسته إلا بعد أن خرج من السجن عام 1972، عندما سجل بالفرقة الثانية، وتخرج من الجامعة بتفوق عام 1974، وتم تعيينه معيدا بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم.

أنهى البيومي رسالة الماجستير عام 1977، وحصل بعدها على درجة الدكتوراه عام 1980، بإشراف مشترك بين جامعتي القاهرة و”لندن أونتاريو” بكندا.

بعد حصوله على الدكتوراه سافر إلى دولة الإمارات العربية، وقضى بها 5 سنوات، أشرف فيها على عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير، ونشر 12 بحثا عن جيولوجية الإمارات.

أثناء وجوده بالإمارات نشط البيومي في مجال الدعوة، حتى تدخل وزير الداخلية المصري الراحل زكي بدر، المعروف بقسوته ضد الإسلاميين، وطالب بإنهاء إعارته بعد أن رقي أستاذا مساعدا. 

عاد البيومي إلى جامعة القاهرة، وأشرف على 16 رسالة دكتوراه و14 رسالة ماجستير، ورُقي إلى درجة أستاذ عام 1992، ثم أستاذا متفرغا عام 1995، ثم أستاذا غير متفرغ منذ عام 2005. 

شغل البيومي منصب عضو الجمعية الجيولوجية المصرية، ووكيل أول نقابة العلميين عام 1991، وأصبح عضوا بالجمعية الجيولوجية الأميركية، وسافر إلى كندا وألمانيا عدة مرات في مهام بحثية علمية، فضلا عن مشاركته في العديد من المؤتمرات الدولية المتعلقة بمجال الجيولوجيا.

وبسبب نشاطه الدعوي داخل الجماعة كانت له رحلة أخرى مع السجون عام 1996، إذ قُبض عليه على ذمة القضية العسكرية المعروفة بتأسيس “حزب الوسط”، وقضى 4 أشهر داخل المعتقل، ثم اعتُقل عام 2002، وقضى شهرين ثم اعتُقل مرة أخرى عام 2006، لمدة 5 أشهر.

مسيرة دعوية

مطلع الثمانينيات من القرن الماضي انتقل البيومي بين الإمارات وألمانيا لمشاركة المرشد العام للجماعة الأستاذ مصطفى مشهور، تأسيس المركز الإسلامي بألمانيا، وفي عام 1989، تولى مسؤولية قسم الطلبة بجماعة الإخوان، إلى أن تم اختياره عضوا بمكتب الإرشاد منذ عام 1995.

في 27 يناير/ كانون الثاني 2010، بعد اختيار الدكتور محمد بديع، مرشدا للجماعة، تم تعيين البيومي، والدكتور محمود عزت (معتقل)، والأستاذ الراحل جمعة أمين والمهندس خيرت الشاطر (معتقل)، كنواب للمرشد العام.

مع اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، انخرطت جماعة الإخوان في الثورة، حيث شارك ودعم البيومي الثورة في طليعتها، وفي 23 يوليو/ تموز 2011، تحدث البيومي بوضوح عن علاقة الإخوان بالمجلس العسكري الحاكم للبلاد آنذاك.

البيومي قال: “القبول بالمؤسسة العسكرية كان البديل للفراغ وكلاهما أمران أحلاهما مر، ولم يكن هناك خيار غير هذا، لا سيما وأن (الرئيس الراحل) حسني مبارك لم يكن وحتى آخر لحظة يريد أن يتنحي، فكانت الظروف تحتم وجود أي سلطة تستطيع أن تقوم بهذا العمل في هذه الفترة الانتقالية”.

وأضاف: “لكن أؤكد على أن الشعب أبلغ رسالته للعسكر وهو أنه لن يرضى بحكم عسكري إلى الأبد”.

وحينما سُئل البيومي عن شباب الإخوان، قال: “هؤلاء الشباب ما كان لهم أن ينضموا لصفوف الإخوان إلا بعد قناعة كاملة وتفكير عميق سيما وأن هناك أهوالا تقابلهم، وتهديدات بقطع أرزاقهم وإعاقة مسيرتهم الحياتية أو العلمية أو الدراسية. ولو كان الأمر على هذا النحو لما تمكنت الجماعة من المضي قدما عبر مراحلها الطويلة وحتى الساعة”. 

1الدكتور رشاد البيومي … والكتابة على جدران الزمن
2د. رشاد البيومي.. البروفيسور المجاهد تلميذ سيد قطب
3تدهور الحالة الصحية للدكتور رشاد البيومي نائب المرشد العام
4نتطلع لتقديم مفهوم جديد عن السياسة للعالم

منقول ( صحيفة الاستقلال )