د.عادل عامر يكتب : الأمن الاجتماعي للمجتمع

إن أمنَ المُجتمع لن يتحقَّق ويسُود بين جميعِ شرائِحِه إلا إذا كانت شريعةُ الله هي الحاكمةُ والمُهيمِنة، وكان لها من قُوَّة السُّلطان والدولة ما يجعلُ لها الثَّباتَ والشُّمولَ والهيبَة، فتطمئنُّ النفوسُ وتهدأُ الخواطِرُ، ويشعرُ كلُّ فردٍ أنه آمِنٌ على دينِه ونفسِه وأهلِه، فيعيشُ بحريَّةٍ وكرامةٍ وعزَّة. فالأمن الاجتماعي يعني ” سلامة الأفراد والجماعات من الأخطار الداخلية والخارجية التي قد تتحداهم كالأخطار العسكرية وما يتعرض له الأفراد والجماعات من القتل والاختطاف والاعتداء على الممتلكات بالتخريب أو السرقة “.

في حين يرى فريق من علماء الاجتماع أن غياب أو تراجع معدلات الجريمة يعبر عن حالة الأمن الاجتماعي ، وأن تفشى الجرائم وزيادة عددها يعني حالة غياب الأمن الاجتماعي إن جوهر الأمن، هو التحرر من الخوف من أي خطر أو ضرر قد يلحق بالإنسان في نفسه أو عرضه أو ممتلكاته، ويكون في مقدوره التنقل بكل حرية داخل وطنه دون خوف، وأن يكون بإمكانه أن يفكر ويدلي برأيه دون تسلط أو إرهاب من قبل الآخرين.

إن المسؤولية الأمنية مسؤولية جماعية ومجتمعية. إزالة عوامل الخوف من الإجرام والانحراف والشعور بعدم الأمن، يحقق الرغبة الأكيدة في التعاون من أجل تحقيق الوقاية والتخلص من مثل هذه الأحاسيس من خلال تطبيق مضامين الأمن الشامل.

فالإنسان لا يكفيه أن يتوافر على هذه المقومات لنفسه دون أن تكون كمفهوم عام لأمن المجتمع ككل، فإن حصل وأن افترقت هذه الحقوق وتم التعدي عليها حيال غيره اليوم، فيسنتقل إليه غدًا، ولذلك فإن برامج الوقاية من الجريمة والتصدي لها يجب أن يتم في إطار تخطيط شامل وتكامل وسياسة صائبة علمية وموضوعية وعقوبات رادعة تمثل ضمانًا كافيًا لتأمين الوطن والمواطن على السواء.

فمعيار الأمن منوط بقدرة المؤسسات الحكومية والأهلية في الحد من الجريمة والتصدي لها وأن حماية الأفراد والجماعات من مسؤوليات الدولة من خلال فرض النظام ، وبسط سيادة القانون بواسطة الأجهزة القضائية والتنفيذية،واستخدام القوة إن تطلب الأمر؛ذلك لتحقيق الأمن والشعور بالعدالة التي تعزز الانتماء إلى الدولة بصفتها الحامي والأمين لحياة الناس وممتلكاتهم وآمالهم بالعيش الكريم . بأن الأمن مسئولة اجتماعية بوصفه ينبع من مسؤولية الفرد تجاه نفسه وأسرته، فنشأت أعراف القبيلة وتقاليدها لتصبح جزءًا من القانون السائد”.

لقد زادت نسبة الطلاق إلى درجة مخيفة، باتت تهدد المجتمع كله. وكنا نتغنى بالاستقرار إلى عهد قريب، هناك أكثر من جانب فيه خلل ضمن المنظومة الاجتماعية؛ فهناك عنوسة مرتفعة ولها أسبابها المتنوعة، ونسبة طلاق عالية كما أشرنا، وهي حالة تفضي إلى شر عظيم إن غابت تقوى الله، إضافة إلى الشر والنكد على الأطفال إن وجدوا.

وهناك خيانة زوجية من الطرفين مقلقة، خاصة إن تفاقمت المشكلات، أو كان هناك بون شاسع في العمر بينهما. وهناك عنف أسري متزايد، امتدت آثاره لينتقل إلى عنف مجتمعي، بل وجامعي في البيئات الأكاديمية التي تقدس العلم وتبني الفكر، حيث يحل مكانها الاعتزاز بالنسب،أو الاقتتال على إثر اختلاط الجنسين بطريقة تنافي الدين والأخلاق والعادات. وهناك ظلم في الحقوق بين أفراد الأسرة الواحدة، فضلا عن حقوقهم المجتمعية.

ويعتبر الأمن الاجتماعي الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات الحديثة وعاملًا رئيسًا في حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيهّا وتقدمها لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة في النفوس ويشكل حافزًا للإبداع والانطلاق إلى آفاق المستقبل ويتحقق الأمن بالتوافق والإيمان بالثوابت الوطنية التي توحّد النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يبرز الهوية الوطنية ويحدد ملامحها.

حيث يكون من السهل توجيه الطاقات للوصول إلى الأهداف والغايات التي تندرج في إطار القيم والمثل العليا لتعزيز الروح الوطنية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار.

ومن الجدير بالذكر أن استتباب الأمن يساهم في الانصهار الاجتماعي الذي يساهم في إرساء قواعد المساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والعرق والمذهب مع الإبقاء على الخصوصيات الثقافية التي تجسد مبدأ التنوع في إطار الوحدة وفي هذا صون للحرية واحترام لحق الإنسان في الاعتقاد والعبادة بما لا يؤثر على حقوق الآخرين في هذا السياق يأتي البعد الاجتماعي والذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء، والعمل على زيادة قدرة مؤسسات التوجيه الوطني لبث الروح المعنوية ، وزيادة الإحساس الوطني بانجازات الوطن واحترام تراثه الذي يمثل هويته وانتماءه الحضاري واستغلال المناسبات الوطنية التي تساهم في تعميق الانتماء، والعمل على تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني لتمارس دورها في اكتشاف المواهب ، وتوجيه الطاقات ، وتعزيز فكرة العمل الطوعي لتكون هذه المؤسسات قادرة على النهوض بواجبها كرديف وداعم ومساند للجهد الرسمي في شتى المجالات.

الأمن قيمة عظيمة، تمثل الفئات الذي لا يعيش الإنسان إلا في ظلاله، وهو قرين وجوده وشقيق حياته، فلا يمكن مطلقا أن تقوم حياة إنسانية، تنهض بها وظيفة الخلافة في الأرض، إلا إذا اقترنت تلك الحياة بأمن وارف، يستطيع الإنسان الحياة في ظله وتوظيف ملكاته وإطلاق قدراته، واستخدام معطيات الحياة من حوله لعمارة الحياة، والإحساس بالأمن يسمح للإنسان أن يؤدي وظيفة الخلافة في الأرض، ويطمئنه على نفسه ومعاشه وأرزاقه.

الأمن أساسي للتنمية: فلا تنمية ولا ازدهار إلا في ظلال أمن سابغ، فالتخطيط السليم والإبداع الفكري والمثابرة العلمية، هي أهم مرتكزات التنمية، وهي أمور غير ممكنة الحدوث إلا في ظل أمن واستقرار يطمئن فيه الإنسان على نفسه وثرواته واستثماراته. الأمن غاية العدل: والعدل سبيل للأمن، فالأمن بالنسبة للعدل غاية وليس العكس، فإذا كان العدل يقتضي تحكيم الشرع والحكم بميزانه الذي يمثل القسطاس المستقيم، فإن الشرع ذاته ما نزل إلا لتحقيق الأمن في الحياة، وغياب العدل يؤدي إلى غياب الأمن، ولذا فإن الحكمة الجامعة تقول: “ إن واجبات الدولة تنحصر في أمرين هما: (عمران البلاد وأمن العباد).

إن صناعةَ الأمن الاجتماعيِّ من الضَّرورات التي لا تقبلُ المُساومَة والمُراجعَة، وهي ليست مسؤوليَّةَ جهةٍ دون جهةٍ، ولا فردٍ دون فردٍ؛ بل هي مسؤوليَّةُ الجميع؛ لتتضافَرَ جهودُ الأفراد والمُؤسَّسات، والعلماء والمُصلِحين، وذوِي الرأي والمكانة، والمُثقَّفين والإعلاميِّين، وأصحابِ الأقلام في الصحافة وشبكَات التواصُل الاجتماعيِّ، خاصَّةً في ظلِّ التحديَّات الداخلية والخارجية التي تمرُّ بها الأمة.

وتبقى الأسرة الحاضن الأول وحجر الأساس في البناء التربوي ، فالتربية الصالحة المسئولة تقدم للجميع أفرادًا أسوياء قادرين على المشاركة في بنائه بكفاءة ، واقتدار ، وإما إذا ما أخلّت الأسرة بواجبها،وعانت من التفكك ، فإن المجتمع بكاملة سيدفع الثمن.

وتكمّل المدرسة والجامعة ما بدأت به الأسرة من الأعداد والصقل وغرس القيم والفضائل ، وتزويد الأجيال بالمعرفة والخبرة ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمع صالح تسوده العدالة والمساواة تحت مظلة الأمن والأمان. على الرغم من تعدد جوانب مفهوم الأمن،واختلاف أركانه، إلا أن كل واحد منها مرتبط ارتباطًا وثيقًا ومباشرًا بالآخر.

وهذا يعني استنفار الطاقات المجتمعية متمثلة في الأفراد والجماعات والهيئات والمنظمات والجمعيات المجتمعية. لتأمين الأرواح والأعراض والممتلكات عن طريق دعم ومساندة الأجهزة الأمنية الرسمية والنظامية لتحقيق الأمن والأمان للجميع، وبجهود الجميع، باعتبار أن مهمة ضبط المجتمع وتوفير الأمن ليست مهمة الأجهزة الأمنية وحدها، وإنما هي مهمة المجتمع ككل. والضبط المجتمعي يتم من خلال: الوقاية من الجريمة، خلق مجتمع قوي ومتماسك، اتصال وتنسيق وتعاون وتكامل ومشاركة في تحمل تبعات الأمن المتمثلة في أعباء ومسؤوليات الوقاية والمكافحة للإجرام والانحراف.