د. الباهي جاد : يكتب ( الأذكياء المحرومون )

مقالتي الشهرية بمجلة جنى اللبنانية.
#مقالاتي_المنشورة_عالمياً
الأذكياء المحرومون!
صنوفٌ من الذكاء (المنقوص) عشت بعضه ببعض عمري!وأصدقاء أعزاء عليا عاشوا البعض الآخر..وتلاميذ لي عاشوا البعض الثالث..وكانت الطامة الكبرى أن عاش في بعضه أساتذة لي!
1. المنشغل بغيره: نمط تفكيره (الآخر مركز تفكيري) فالآخر باع واشترى..الآخر جاء وذهب..الآخر ازدهر وآخر غربت شمسه! وهذا الانشغال قد يكون تحت دعوى الاهتمام الزائد أو التنافس الأخرق..ولأمثال هؤلاء نقول :عليكم أنفسكم..ثقوا بها..وتمنوا الخير لغيركم..وأطلبوا معايبكم من الآخرين نصحاً خالصاً لتكونوا سادة على (أقوياء) لا سادة على من يتتبعون مواطن (عجزكم)!
2. عاجز النية: فلا هو ترك الفعل فلم يمسه لكيلا يفقد الفعل روحه وأثره في النفوس فيتقادم..ولا هم أتقنوا العدة وأوقدوا الرغبة وأشعلوا الروح الباعثة في فعلهم نوراً..فيأتي الفعل مسخاً لا روح فيه ..وأمثال هؤلاء نذكرهم أنه بالنية تحل البركة بالدنيا والقبول بالآخرة.
3. مدعى الخبرة : الذكاء أحد دعامات بناء الخبرة ؛ لكنه ليس بديلاً عنها..وبناءاً على جملة من الدراسات العلمية لغالوب وغيرها فالخبرة أو القوة تتشكل فقط بخطوات محسوبة من الاستثمار المدروس والغرس المخصوص لمواهبنا المدركة ؛والذي يمثل (الزمن) أحد رجالاتها ..لذا فلبس عباءة تكبر عبائتك وادعاء مستوى من الخبرة يفوق حقيقتك ؛فضيحة مؤكدة مستجلبة..لا ننفك عنها إلا بنموٍ متدرج وتصدر لما نحن أهلٌ له وتدرج طبيعي في مقامات الرجال ارتكازاً على هممهم العاليات.
4. الموهوب غير مكتمل الأدوات: فلا هو التزم مقاعد التعلم برفقة أستاذ معلم..ولا هو استكمل العدة..ومن قال أنها ستُستكمل فيما بعد؛ موهوم! أو أنها ستُكتمل مع الزمن من تلقاء نفسها!موتور! أو أننا في غني عن اكتمالها لأصيل موهبتنا!ساذج! فهناك حد أدنى من الأدوات لا بد من امتلاكه ليبعث في الموهبة روحها ويرفع في النفس راياتها ولا اكتمال لتلك الأدوات إلا بثلاث :أستاذ معلم وبحث دؤوب ورؤية كبيرة تنصهر فيها المعارف والمواهب والأدوات والممارسات.
5. فاقدوا الأصول : (من حُرَم الأصول حرم الوصول) هكذا تعلمناها على يد (العلماء) و(المربين) ..فالقليل الدائم أصلٌ للوصول..وتوقير الكبير أصلٌ للوصول..والرحمة بالصغير أصلٌ للوصول ..وصحبة الكبار أصل الأصول..فوقفة صادقة لاستكمال الذات والتعرف على أصولها التي تحميها وتبنيها تعني صرحاً للذات مشيد خالي من العثرات والعورات.
6. فاقدوا الرؤية : يبقي المنجز (بالقطعة) منشغلاً بمهام هو ينجزها؛ لا بقطعة بازل كبيرة سيركبها. .وكم مشاريع عملاقة اختفت بالكلية لانعدام الرؤية الكبيرة الشاحذة للهمم..لذا فعليك بصناعة الرؤية ومناقشتها مع فريق يتبناها وتوزيع عادل للأدوار يعني حماية للبناء وصيانة للذكاء.
7. المشغولون بالإنتقام : وشتان ما بين (القصاص) و(الانتقام)! قال لي أحد كبار تجار خشب (القشرة) التي تدخل في صناعة الموبليا ، عن شخص ترك العمل لديه! عندما سألته : ما انطباعه ؟! فأجابني : سأفعصه! دلالة على التحقير! هكذا منطق (التجار) ومن على (شاكلتهم) ممن لم يتربوا في جامعة (عبد الرحمن بن عوف) فيتعلموا خصال الكبار مقاماً ومقالاً! ممن يفخرون بعدد تلاميذهم الذين صاروا أساتذة وتصدرهم المشهد بأوقات صدقٍ قضوها كمعلمين للمعلمين.
8. البخلاء: فعلى الرغم من امتلاكه من الذكاء ما يفيض عن حاجته، فقد بخل بتوريث ذكائه وتداوله وتعليم الجمال الذي لديه! متذرعاً بوهم الصبر والكتمان والحيطة والحذر..ولم يعي جيداً أن في إفاضته بالذكاء مجلبة للزيادة وتحقيقاً للريادة.
9. متمني الخير فقط لنفسه: فإذا نزل الخير على غيره اقتضب! وإذا ذهب رزقٌ لأقرانه انفعل وافتعل! وكأن رزق غيره مُنقصاً من رزقه! ولم يعي أن رزقه سيأتيه وسيكفيه وبأشرعة الإيثار سيفيض عليه ويُرضيه.
10. الظانون أنهم الأهم: بقريتهم..بمدينتهم..بحيهم..بجماعتهم..بشركتهم..بدولتهم ..بأمتهم! فيرحلون تاركي وراءهم (لا فراغ) فقد ظنوا في حياتهم أنهم (كعبة العالم) وظنوا في مماتهم أن الكون ستتعطل مسيرته لفقدهم! فلا هم الأولى ولا الثانية بحادثة..أفيقوا يرحمكم الله فما أنتم إلا بعضٌ من قدرة الله.
(الذكاء) كلمة السر في المسيرة الإنسانية بصنوفه المختلفة لغةً وإبداعاً..إنجازاً وإتقاناً..ويبقى (الحرمان) نصيب من اختل فهمه ومن لَبْس ثوباً أكبر من قدره ..وتعلو في الأفق (الحكمة) درة منشودة تحمى ذكائنا وتشكل وعينا وتشكل سهاماً متجهة بقوة نحو المعالي. فدمتم أذكياء حكماء.
د. الباهي جاد.
رئيس مجلس إدارة مركز سمارت الدولي للتنمية البشرية
(مصر-لبنان-تركيا -السعودية).