خمس سنوات على النكبة

خمس سنوات مرت على نكبة يونيو 2013، هى أسوأ سنوات عمرى، وأظنها كذلك بالنسبة لمصر والمصريين.. لقد ضاع البلد وأوذى أهله، ولو كان احتلالاً أجنبيًا ما وصلنا إلى تلك الحال من التبعية والهوان، وما ابتلينا بهذا القمع والاستبداد، وما رأينا هذا التردى على المستويات كافة حتى صار يُضرب بنا المثل فى التراجع والسقوط..

من كان يظن أن يقع هذا البلاء بعد تجربة ديمقراطية رائعة، أعقبت ثورة شعبية مجيدة؟ وكان أسوأ تقدير أن تحدث انتكاسة تعيدنا إلى أجواء ما قبل الثورة -وكانت تسمح بهامش من الحرية- إلا أن ما جرى يشيب من هوله الولدان، ومن فعلوه لا يمكن أن نعترف بأنهم مصريون؛ فإن المصرى لا يخون بلده، ولا يقتل مواطنيه، ولا يبيع الأرض ويهتك العرض، بل هؤلاء قلة مارقة رضيت لنفسها العمالة، ووضعت أيديها فى أيدى الخصوم والأعداء..

لو سألت مصريًا الآن: كيف حالك؟ لرد عليك ردًا لا يسرُّك. لا يختلف مصريان فى ردهما؛ إذ لاحقت الجميع منذ هذا اليوم الأغبر لعنة لا زالت تطاردهم فى نفوسهم ومعاشهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولا أظنها سوى لعنة الدماء، وقد هلل بعضهم شماتة فى أصحابها، والله حق عدل، والدماء لا تنام، والعقاب فى مثل هذه الحالات يعم الجميع؛ الجانى والمشارك والمحرض حتى الساكت عن الحق، قال الله تعالى (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
مرت خمسة أعوام والانهيار لا يتوقف، بل يزداد يومًا بعد يوم، والديون تزداد كل دقيقة، والغلاء يشعل الشوارع والبيوت بصنوف الخلافات والمشكلات، والفقراء يسقطون جوعًا، والمرضى لا يجدون دواء، فضلًا عن مأوى فى مشفى يقدم لهم العلاج.. ورغم كل هذا لا زالت العصابة تقتل وتسجن وتطارد، وتصادر الأموال وتلفق التهم وتختلق المعارك؛ كأن المطلوب منهم هو تسليم المحروسة كما سلم الخائن ابن الخائن بلده سوريا أطلال مدن وبلدات، وكأن الغرض إيقاع حرب أهلية يفنى على إثرها المصريون وتُفتح مصر أمام اليهود من دون مقاومة..

ولا زال العالم يرقب ما سوف يحل بنا؛ لما يرى من آثار تلك النكبة، ما بين طامع فينا ومشفق علينا وقد مرت خمس سنوات ملأى بالأحداث والتطورات، والملاحم والمحن، استخدمت مصر خلالها محللاً للصهاينة لتنفيذ صفقة القرن، وداعمًا للشيعة للاستيلاء على أكبر عدد من العواصم العربية، حتى طمعوا فى إدارة الحرمين وأملاك أهل السنة والجماعة.

والأمور على هذه الصورة يتوقع الخبراء أن يقع بمصر حدث كبير يقلب الموازين، ويفسد الخطط، ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل هذه السنوات، وهذا الحدث لن يكون سوى الثورة الشعبية الهادرة التى ظهرت مقدماتها جراء ما وقع على رءوس المصريين من إحن وبلاءات لا يحتملها إنسان..

والأحرار على وعد بمقاومة هذا المحتل بكل سبل المقاومة والنضال المشروع، بدءًا من فضحهم والتشنيع عليهم وحتى التصدى لهم فى كل موطن، ولا عذر لقاعد، فالمقاومة لا تقتصر على المواجهة المباشرة، وإنما كلٌ ميسر لما خلق له، والجهاد أنواع أهمه الآن جهاد القلم واللسان، وجهاد المال، والسعى بين الناس لتغيير الوعى وتبيين الحقائق، ودحض الافتراءات ويكون بفضح المنتفعين المأجورين داعمى هذه العصابة، وإعداد قوائم يطلق عليها (قوائم العار) للتحذير من هؤلاء الخونة الذين آذوا البلاد والعباد، ولتكون هذه القوائم دليل اتهام ضدهم عندما يحين موعد القصاص من هؤلاء المجرمين..

وثقتنا فى الله تطمئننا وتربط على قلوبنا، وتبث فى داخلنا الأمل بأن لكل إجرام نهاية، ولكل خيانة جزاء وفاقًا؛ وأن الله -فى المقابل- لا يضيع أجر المصلحين. وعلى قدر المعاناة سيكون العطاء؛ فمن يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولعلها تكون سببًا فى تحول بلدنا ومنطقتنا من حال التخلف والتبعية إلى حال الحضارة والاستقلال، وهى كذلك إن شاء الله؛ فلقد قُدِّم الشهداء، وجاهد الشباب وصبروا، والكل يرجو ثواب الله ورحمته، وهو ولى الذين آمنوا، ولن يخلف الله وعده.