خليك واعي:معركة دون هدنة (1)

ما هو السؤال الأكثر دقة:
هل المعركة مستمرة؟ أم هل هناك معركة أصلًا؟!

إن بمجرد سماعك للسؤال تعرف مَن هو السائل، وما درجة اهتمامه بما يحدث، فسؤاله عن وجود المعركة من عدمه هو سؤالٌ يدل على جهله التامِّ بما حوله، ولا مبالاته بما يراه، وضيقِ نظرته الواقعية!

أما السؤال عن استمرارية المعركة، فهو سؤال جيد، فهو يدرك أن هناك معركةً ما، قد لا يراها ولا يعرف أطرافها، قد لا يفهم ماهيتها وشدَّتَها، لكنه على يقين بوجودها.

المعركة بين (جند الشيطان) و(جند الرحمن) مستمرةٌ في كل زمان وكل مكان، تختلف شدتها وخطورتها وقسوة أثرها من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، لكنها بالفعل موجودة.

إنه إبليس يحشد جنده، ويجيِّش جيوشه، فقد أعلن النَّفير العام منذ أن أخرجه الملِكُ الأعظم “الله تعالى” من رحمته، وحكَم عليه باللعنة والخلود في جهنم هو ومَن اتبعه من الغاوين، يتكاثر أتباعه في كل وقت؛ هم يُحيطون بك، بل هم معك في كل همسة، وكل لمسة، وكل كلمة، هم في داخل رأسك، قد يتحكمون في نفسِك، وباستسلامك للجهل قد تسلمهم روحك، وفي النهاية قد تكون أنت مِن جند إبليس دون أن تشعر!!

هو الشيطان يحشد أشياعه: من الإنس؛ فأكثر أهل الأرض هم جنده، ومن الجن وأكثرهم من حزبه، مشركون، كافرون، سحرة، مجرمون، قتلة…، إلخ.

أنت في قلب المعركة، الدماء التي تسقط في بقاع الأرض كلها أتظنها من إرث قابيل وحسب؟! ومَن الذي أغوى قابيل بقتل أخيه هابيل أصلًا؟!

بل مَن الذي أخرج أباه آدم من الجنة؟!

دماء المؤمنين تجري في الأرض أنهارًا، بل كادت أن تفيض بها البحار، وتزداد على البحار بحار! وأي حزب – برأيك – يتبع السفاحون في شتى البقاع الطاهرة الجريحة؟ هم مِن أي جند؟ جند الرحمن أم جند الشيطان؟!

إن المعركة مستمرة، شئت أم أبيت، لاحظت أو عنها انشغلت، بصرتها أو عنها عميت، هي معركة مستمرة، شئت أو أبيت، علمت أو جهلت.

ليس فيها دبلوماسيون، لا توجد هدنة فيها أبدًا، وليس هناك حل سلمي، ولا اتفاق تسوية، إنها المعركة الباقية بقاءَ السماء والأرض، بقاء الدنيا إلى زوالها.

قد يتغير أسماء جند إبليس من مكان إلى آخر، من دعاة الحرية في مكان، إلى دعاة التحرر، إلى حفظ سلام ما، إلى مجابهة التطرف!

هم هم في كل مكان، يتبعون نفس القائد، علموا ذلك أم جهلوا، هم جند إبليس أجمعون!

:point_left: لكنهم مهما استعظموا، وملكوا من بقاع، وتحكموا في جند أو جيوش، سيظل الوعد الرباني والحكم الإلهي العظيم: ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173].

فقط لا تكن من جند الشيطان، وكن أنت من جند الرحمن في كل مكان؛ حتى تكون من الغالبين.

إن مسألة الانحراف عن فطرتك السويَّة، وترك معاداة العدوِّ الأزلي، والاتجاه لنصرته بشعور أو لا شعور – لهو الخسران بعينه، ﴿ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: 38].

إن أرض المعركة الأولى لم تكن هنا، وإنما كانت طلقة البداية وشرارة الحرب الأولى، كانت في السماء، وكانت الضربة الأولى من إبليس، وأصاب جدَّنا الأكبر فيها إصابةً خطيرة كادت أن تودي به لولا لطفُ ربه سبحانه، فكانت أول جولة في الجنة في دار الخلود، خرجنا بسببها من الجنة إلى دار الفناء، ولكن المعركة لم تنتهِ؛ وإنما كانت البداية!

والمعركة مستمرة ما بقي الإنسان، وباقية بقاء السماء والأرض، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

وأخذ الشيطان وجنده بنواصي كثيرٍ من الناس يقودونهم مقاد الأنعام، فأخذ جند الشيطان من الإنس والجن يتزايدون، ويبتكرون كل يوم مصطلحًا جديدًا “تجديد الدين، تنقية التراث،…”؛ لهزيمتك وفتنتك، لتكون من حزبهم البغيض، أو جنديًّا من جيشهم الذليل، يقودهم الحقدُ، وتتحكم فيهم الضغينة، ويسيطر عليهم الحسد!

#خليك_واعي