حواء أم البشرية

تعدّ حواء أم البشريّة قاطبة، فهي زوجة سيدنا آدم -عليه السلام-، وقد خُلقت من أحد أضلاع سيدنا آدم -عليه السلام-، بعد أن خلق الله -تعالى- حواء صارت هي الأنيس والمُسلّي لآدم في الجنّة، وكانا يعيشان حياة هادئة لا يعكّر صفوها شيء، فكانا يمرحان في الجنة ويتناولان من ثمارها، وكانت حياتهما حياة رغيدة كما وصفها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}، [البقرة:35]
فقد أُبيحت لهما الجنة كلها يأكلان ممّا شاءا وينزلان في المكان الذي يشاءان.

وقد سميت بهذا الاسم لأنها خلقت من جسم حيٍّ بأمر الله تعالى دون حدوث حمل أو ولادة، ويُقال بأن هذا الاسم أتى من الاحتواء الذي قامت به لزوجها آدم -عليه السلام-، وقد أسكنهما الله تعالى الجنة كي يعيشا في نعيم غير زائل، فيأكلا من ثمار الجنة، ويستظلان بظلالها الوارفة، وقد جاءَ الأمر من الله تعالى للملائكة بأن يسجدوا لسيدنا آدم -عليه السلام-، فسجد الجميع إلا إبليس، فقد تكبر على أمر الله تعالى؛ لأنه الله خلقه من نار، وخلق آدم من طين. وهنا جاء تحذير سيدنا آدم -عليه السلام- وزوجته من قبل الله تعالى على أن إبليس هو العدو الأول لهما، وأنه سيسعى جاهدًا لإخراجهما من جنة الله، قال تعالى: {فَقُلنا يا آدَمُ إِنَّ هـذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقى* إِنَّ لَكَ أَلّا تَجوعَ فيها وَلا تَعرى* وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فيها وَلا تَضحى}

وقد نهى الله تعالى سيّدنا آدم -عليه السلام- وزوجته عن الاقتراب من إحدى أشجار الجنة، فعمل إبليس على الوسوسة لسيدنا آدم -عليه السلام- وزوجته حواء كي يأكلا منها، وقال لهما بأن هذه الشجرة هي شجرة الخلد التي مُنِعْتُمَاها كي لا تكونا من الخالدين، قال تعالى: {وَيا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِن حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ* فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ}

‏وهنا قرّر آدم وحواء معًا أن يأكلا من هذه الشجرة، فبدت لهما سوءاتهما وأصبحا عاريين تمامًا، فقد أُذهب عنهما لباس الجنة وزينتها، وجاء بعد ذلك أمر الله تعالى بالهبوط من الجنة إلى الأرض، كما عاتب الله تعالى سيدنا آدم -عليه السلام- وزوجته حواء، فقد نهاهما عن الأكل من هذه الشجرة، وحذرهما أشد التحذير من سلوك سبيل الشيطان، فهو عدوهما الأول، وسيبقى عدوًا لبني آدم إلى يوم الدين، فإبليس من المُنظرين إلى يوم القيامة، وسيبقى يكيد لبني آدم، ويوسوس لهم كي يبعدهم عن دين الله، ويدعوهم إلى أبواب جهنم، ليحرموا من جنته -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: {فَدَلّاهُما بِغُرورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ}، وبعد ذلك شعر آدم -عليه السلام- وزوجته بالندم الشديد على ذلك، واستغفرا ربهما على ما اقترفته يداهما.