حماقات “ترامب”!

من أعجب الأمور، والتى ربما كانت سببًا فى تغيير عالمى متوقع، أن يتولى “ترامب” قيادة الولايات المتحدة، وهو بهذه الدرجة من الحمق والاضطراب والعنصرية، فى آن واحد. فالرجل منذ توليه السلطة (فى يناير 2017م) لم يتوقف عن إثارة الجدل، وقلب الطاولات، وسلوك الجهَّال؛ ما أوقع حزبه وبلده فى مشكلات كبيرة، وأظهر أمريكا بوجه غير الذى كانت عليه؛ باعتبارها دولة المؤسسات والقوة التاريخية المتحضرة. فى المظاهرات الحالية بدت أمريكا كواحدة من دول العالم المتخلف، أو أقل شأنًا، وبدت “على كف الرحمن”؛ أى فى لحظة يمكن أن تتلاشى الفكرة المتأصلة حول هذا البلد القارى المتسع الذى يمتلك أكبر الاقتصادات وأحدث التقنيات وأضخم الإمكانات العسكرية والصناعية؛ فيصير فى عداد البلاد المأزومة أو ما يطلق عليها إعلاميًّا “مناطق الاضطرابات”.

ومن يزعم أن “المؤسسية الأمريكية” وإمكاناتها تمنع ذلك فقد أخطأ الزعم؛ إذ للشعوب، كما اتضح، الكلمة الأولى والأخيرة، وأن ليس لها حسابات الحزب أو الجماعة السياسية التى تكون ذات قدرات جماهيرية وزمنية محدودة، لا تمتد إلى هذا العدد الكبير من الولايات، ولا تفصح عن هذا الكم الهائل من الكبت والعنف، الذى يدل على أن الحرية مطلب فطرى يتخطى حواجز الجغرافيا والتاريخ والجنس، وأن الدول لا تُدار بالمضطربين، ولا تقوم على التوتر وافتقاد الأمن، وأن تطرف السلطة وهوسها يورد الشعوب المهالك. ومن الطرائف التى تطلق الآن: “أن العالم قبل كورونا غير العالم بعدها، وأنه قبل ترامب غيره بعده”، كأنه “وباء” أو”محنة” أصيبت به الدنيا لأربع سنوات، وقد انتشى العالم لما بدأ مجلس النواب الأمريكى فى إجراءات عزله (سبتمبر 2019م) لشبهة فساد سياسى مع أطراف خارجية؛ إلا أن إجراءات العزل توقفت بعدما لم تصل إلى شىء حاسم؛ فحلَّت الكآبة ثانية بعدما عُلم أنه سيستكمل فترته التى تستغرق العام الحالى تقريبًا.. وأيضًا فأمريكا قبل “ترامب” مختلفة عما هى عليه الآن؛ فأمريكا العلم يوصى رئيسها الحالى بشرب المطهرات لعلاج “الكورونا”، وأمريكا الحرية يُقتل فيها المواطن بيد الشرطة جهارًا نهارًا، وبدلًا من أن ينصفه “الرئيس” يخرج مهددًا بسحق “المتمردين” تارة، ومتوددًا إليهم تارة أخرى بزيارة الكنيسة ورفع الإنجيل طلبًا للسلام!

وفي أمريكا المؤسسات يطلب الرئيس من الجيش الاستعداد للنزول لمواجهة المظاهرات، فيوقع نفسه فى الحرج الشخصى والدستورى حتى يعنفه رئيس هيئة الأركان فى “البنتاجون” مؤكدًا أن هذا الأمر يحسمه الدستور ولا يخضع لقول مسئول ولو كان الرئيس، وكذلك يعارضه بعض رؤساء الولايات الذين تخطاهم هذا الرئيس “المتهور” فى ذلك الإجراء. ولذلك نتوقع تغييرات كبيرة فى سياسة الولايات المتحدة بعد “ترامب”؛ لما قام به من إجراءات قسرية أهدرت قيمًا كثيرة تتعلق بقوانين وأعراف هذا البلد الكبير؛ اتقاء للتوترات الحاصلة الآن، داخليًّا وخارجيًّا، جراء تطرفه وعنصريته؛ فقد كان للإجراءات التى اتخذها –مثلًا- فى نوفمبر 2018م بخصوص قوانين الهجرة وقعًا سيئًا على سمعة بلده، بعدما حظر دخول المهاجرين وخصوصًا المسلمين الذين قال فيهم: (سأجعلهم محل الشبهة)، ورغم أن القضاء أبطل قراراته فإنه عاد للمرة الثانية وأعلن -فى أبريل الماضى- أنه سيصدر مرسومًا لوقف الهجرة، وسيضع وثيقة للعمال الأجانب اعتبرها الكثيرون عنصرية ومخالفة لدستور البلاد.

وكان للمسلمين نصيبٌ كبيرٌ من هذه العنصرية؛ فهو من نقل سفارة بلده إلى القدس، وهو صاحب “صفقة القرن”، ومن وضع “خطة السلام” فى -يناير الماضى- ولبى فيها كل المطالب الصهيونية، وجعل للفلسطينيين سيادة محدودة فى دولة منزوعة السلاح، وغيرها من شروط “البلطجة” مثل نزع سلاح حماس، ومن ثم إيقاع حرب أهلية، وفرض سيادة الصهاينة على غالبية أرض الضفة، وهو من انحاز –صراحة- إلى حكام العرب المستبدين، ثم لم يتورع عن فضحهم بعدما ابتزهم ماديًّا.