حكاوى دمياطية :السباح شمائل وحصار دمياط

حكاوى دمياطية :السباح شمائل وحصار دمياط
من تاربخ #دمياط هنحكى كل يوم حكاية ..مكان أو علم من الأعلام أو محطة من محطات تاريخها الحافل بالحكايات
حكايتنا اليوم عن السباح شمائل وحصار دمياط .فى عصر الملك الكامل حدث حصار لمدينة دمياط وجائوا الصلبين وبدءوا يحاصرون دمياط، ولكن أهلها صمدوا للقتال وقاوموا مقاومةً مجيدةً عنيفة، وخضعوا إبان هذا الحصار لشدائدَ مريرةٍ، فقلَّت الأقوات عندهم، وكان بالمدينة — غير أهلها — عشرون ألف مقاتل، فلما طال بهم الحصار أنهكتهم الأمراض وغلت الأسعار حتى بيع رطل السكر بمائة وأربعين دينارًا، والدجاجة بثلاثين، وراوية الماء بأربعين درهمًا، واحتال السلطان للاتصال بأهل دمياط لتشجيعهم وتقوية روحهم المعنوية؛ فانتدب لذلك رجلًا من جنوده يدعى شمائل، فكان يسبح في الماء بعيدًا عن أعين الفرنج حتى يصل إلى أهل دمياط فيعدهم بوصول النجدات.

وطال الحصار بالمدينة ستة عشر شهرًا واثنين وعشرين يومًا، حتى اشتد بهم الضيق وعدمت لديهم الأقوات، وامتلأت الطرقات والمساكن بالموتى، وتسوَّر الفرنج المدينة أخيرًا ودخلوها في يوم الثلاثاء لخمسٍ بقين من شعبان سنة ٦١٦ (نوفمبر ١٢١٩م)، فوضعوا السيف في الناس وأسرفوا في قتلهم، وجعلوا جامع المدينة كنيسة، وانبثُّوا في القرى المحيطة، وأخذوا يحصنون المدينة وأسوارها، ليتخذوها قاعدة يتقدمون منها نحو الجنوب تقدم الصليبيون — بعد تحصين دمياط — وبعد أن وصلتهم أمدادٌ وفيرة العدد نحو الجنوب في حدِّهم وحديدهم، ونزلوا قبالة جيش المسلمين شمال بحر أشموم طناح، ولا يفصل بين المعسكرين غير هذا البحر.

واشتد القتال بين الفريقين، وأبلى المسلمون بلاءً حسنًا، فاستولوا على نحو تسع سفن كبيرة من سفن الفرنج التي تحمل إليهم الميرة من دمياط، وأسروا منهم ألفين ومائتين، ثم احتال الكامل فأرسل سفنًا من أسطوله بقيادة الأمير بدر الدين بن حسون في بحر المحلة، وهو فرع كان يخرج من النيل قرب بنها الحالية، ويتصل به ثانية شمالي المنصورة؛ فحالت هذه السفن بين مراكب الفرنج الآتية من الشمال بالميرة وبين الوصول إلى معسكرهم عند المنصورة، ثم عبر جماعة من المسلمين في بحر المحلة هذا إلى الأرض التي يعسكر عليها الفرنج «وحفروا مكانًا عظيما في النيل، وكان في قوة الزيادة؛ فركب الماء أكثر تلك الأرض، وصار حائلًا بين الفرنج ومدينة دمياط، وانحصروا فلم يبقَ لهم سوى طريق ضيقة، فأمر السلطان في الحال بنصب الجسور عند أشموم طناح؛ فعبرت العساكر عليها، وملكت الطريق التي يسلكها الفرنج إلى دمياط إذا أرادوا الوصول إليها، فاضطربوا وضاقت عليهم الأرض.»

وفتَّ ذلك كله في عضد الفرنج، واضطربت أحوالهم وبدءوا يفاوضون الكامل، ويعرضون أن يتركوا دمياط مقابل أن تعاد إليهم القدس وعسقلان وطبرية وجبلة واللاذقية والكرك والشوبك وغيرها من المدن الكثيرة التي كان قد استعادها منهم البطل صلاح الدين، وقَبِل الكامل أول الأمر أن يسلِّم لهم هذه المدن جميعًا عدا الكرك والشوبك لمكانتهما الحربية، ولكنهم أصرُّوا على طلباتهم، فلما أحيط بهم من الشمال، وأصبحوا محاصرين بالمسلمين من كل الجهات، أدركوا أنهم هزموا فهدموا خيامهم ومجانيقهم وألقوا فيها النار، وهمُّوا بالزحف على المسلمين ومقاتلتهم للعودة إلى دمياط «فحال بينهم وبين ذلك كثرة الوحل والمياه الراكبة على الأرض، وخشوا من الإقامة لقِلَّة أقواتهم، فذلُّوا وسألوا الأمان على أن يتركوا دمياط للمسلمين» دون قيد أو شرط.