حركة النهضة التونسية.. هل الانفتاح هو الحل؟

مدون منير محفوظ

إن الدارس للحركات الإسلاميّة عامة وحركة النهضة التونسية خاصّة ليرى أنّ هذه الأخيرة تمثّل ظاهرة جديدة في الممارسة السياسية بإعتبار أنّها قطعت مع الحركات الإسلاميّة الكلاسيكية التي تنظر إلى معركتها بينها وبين الدولة ماهي إلاّ معركة بين الحق والباطل.

غير أنّ حركة النهضة من خلال الوقوف على الأخطاء بعد تجربة الترويكا 2012-2013 قامت بمراجعات في فكرها وفي سياساتها وأصبحت تنظر إلى طبيعة الصراع بين مشروع الحرية ومشروع الاستبداد، بين الفعل السياسي الايجابي الذي يعتبر تونس للجميع والفعل السياسي الاقصائي المتقوقع على تكلساته الايديولوجية، لقد أصبحت النهضة من خلال مراجعاتها الفكرية تنظر للمختلف عنها سياسيا شريكا أساسيا في بناء الوطن ولعلّ تجربة التوافق خير دليل على ذلك والذي أنقذ تونس من السيناريو الليبي والسوري بغضّ النّظر عن تقييمنا لهذه التجربة في ديمقراطيّة ناشئة عودها طريّ وأعدائها متربّصون.

لقد قالها الغنوشي يوما: “أينما كانت مصلحة تونس كانت النهضة”، وهو ما يؤكد أن النهضة مستعدّة للتوافق والحوار مع أعدائها فكريّا أو بصريح العبارة مع من يعادونها وهو ما يؤكد أن النهضة تجاوزت فكرة التصادم مع الدولة إلى قناعة التصالح معها والحفاظ عليها بإعتبار الحفاظ على الدولة يساعد على توحيد المجتمع بكلّ أطيافه، لقد أصبحت النهضة من أولى إهتماماتها التشبث بالحرية وتكريس الديمقراطية والمحافظة على الوحدة الوطنية والسّلم الأهلي حتى لو ضرّ ذلك مصلحة الحركة.

ما نستطيع أن نميزه اليوم بين النهضة وباقي التيارات أن النهضة نقدت رؤاها السياسية وأصبحت تتعامل بمنطق الحوار ولا شيء غير الحوار بإعتبار أنّه سبيلنا لنحسن إدارة اختلافاتنا

فرغم الحرب الإعلامية المحليّة والخارجيّة على هذا الحزب منذ الثورة إلاّ أنّه مازال صامدا وشامِخًا فالحرب المعلنة عنه تسقط دول لكنّها لم تسقطه وإن دلّ هذا على شيئ فإنّه يدلّ عن قوّة تنظيم هذا الحزب الذي تمرّد على الفكر الكلاسيكي للحركات الإسلامية والذي مثّل وقوفه وقفة ثبات ونقده لأفكاره نقطة تحوّل في تاريخ الحركات الإسلاميّة من خلال الإنتقال من الإسلام السياسي إلى الإسلام الديمقراطي الذي لا يحتاج من خلاله “الإسلام” ﺇﻟﻰ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺗﺘﺒﻨﺎﻩ ﻭﻻ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﻋﺎﺩﻝ ﺧﻴﺮ ﻳﻌﺘﻨﻘﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻤﺤﻆ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﻢ ﺑﺤﺐ ﺑﺪﻭﻥ اﻗﺼﺎء.

إن الناظر في أدبيات حركة النهضة وسلوكها السياسي قبل الثورة وبعدها يتبين أنّها طوّرت من فكرها عبر مراحل ففي مرحلة الدكتاتورية وحكم الشخص الواحد في عهد الحبيب بورقيبة ومن بعده في عهد بن علي تمسّكت النهضة بطابعها الدعوي، خاصّة في مرحلة النشأة وبدايات التأسيس، وأكّدت في بياناتها أن من أبرز مهامّها بعث الشخصيّة الإسلاميّة لتونس وهو ما مكّنها من استقطاب عدد كبير من الأنصار والمتعاطفين الذين ضاقوا من تهميش السلطة للشأن الديني ومن حرصها على هرسلة المتديّنين، وتضييقها على الحرّيات العامّة والخاصّة.

وفي مرحلة ثانية بعد الثورة أدركت النهضة أن الناس لم يثوروا من أجل إقامة دولة دينية، بل ثاروا احتجاجا على الاستبداد وهيمنة الحزب الواحد، والمحسوبية، والظلم، والتوزيع غير العادل للثروة، لذلك خاضت الحركة معترك الحياة السياسية بعد الثورة محاولة التخفّف من إكراهات الجمع بين الدعوي والسياسي فرفضت التنصيص على الشريعة في الدستور، وأقرّت حرية الضمير والمساواة بين المرأة والرجل، ودعت إلى تحييد المساجد وإبعادها عن التجاذبات السياسية واتّجهت الحركة في مؤتمرها العاشر سنة 2016 إلى التخلّي عن العمل الدعوي والتفرّغ لممارسة الشأن السياسي، وفي هذا التوجّه نقلة مهمّة في مستوى نقد الذّات والفكر للحركة فبفصلها الدعوي عن السياسي تكون النهضة قد تمردت على الفكر الكلاسيكي والتقليدي للحركات الإسلامية وهي، إذا تتجدّد ذاتيّا، تستجيب موضوعيّا لدينامية المجتمع التونسي، وحركية القوى المدنية فيه.اعلان

ما نستطيع أن نميزه اليوم بين النهضة وباقي التيارات أن النهضة نقدت رؤاها السياسية وأصبحت تتعامل بمنطق الحوار ولا شيء غير الحوار بإعتبار أنّه سبيلنا لنحسن إدارة اختلافاتنا، في المقابل مازالت التيارات اليسارية والعلمانية حبيسة سياقاتها الإيديولوجيّة وحبيسة عقدة التيار الاسلامي وينظر إليه على أنه قوة رجعية وهي رؤية تستنبط في أعماقها النظرية القائلة بأن الدين أفيون الشعوب، وإلى يومنا هذا لازالت هذه التيّارت تسعى إلى استئصال حركة النهضة وإقصائها من المشهد السياسي متناسيين أن تونس دخلت مرحلة جديدة لا يمكن فيها للإسلاميين أن يقصوا اليساريين والعلمانيين الذين هم بدورهم لن يقدروا على إزاحة الاسلاميين فقدرهم أن يتعايشوا مع بعضهم ويحسنوا إدارة اختلافاتهم ليستطيعوا الرقيّ بهذا الوطن.