6اكتوبر

بعد قرار مجلس الامن الدولي وقف اطلاق النار يوم 25 اكتوبر 73 حرب أكتوبر نصر أم هزيمة؟!

حرب أكتوبر نصر أم هزيمة؟!

أروى العلي :

اعتاد الشعب المصري الاحتفال بذكرى السادس من أكتوبر كل عام تخليدا لانتصار الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي في هذا اليوم عام1973. فدعونا نتساءل: هل حقاً انتصر الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب؟
بالطبع إن من سيقرأ عنوان مقالنا هذا سيتهمنا بأننا أعداء للوطن ونريد هدمه، ووابل من التهم والكلمات لا طائل لها. ولكن قبل أن نبدأ في إثبات أن حرب أكتوبر كانت هزيمة عسكرية ساحقة بشهادة القادة الميدانيين في هذه الحرب، نحب أن نوضح أن معنى كلمة الانتصار: هي الغلبة والقهر والإنتقام من العدو، وقديماً كان الجيش المنتصر من جيوش العرب ينتظر في أرض الموقعة بعد انتهائها ثلاثة أيام لإثبات انتصاره، وتأكيداً أن العدو لن يعود ثانية. ولأن العبرة بالنهايات وليست بالبدايات اعتبر التاريخ غزوة أحد هزيمة للمسلمين رغم الإنتصار الساحق لصالح المسلمين في بداية المعركة وفرار المشركين تاركين أموالهم ونسائهم خلفهم، لكن تغير الأمر تماماً بعد ذلك بسبب الثغرة التي فطن لها سيدنا “خالد بن الوليد” وكان مشركاً وقتها، فتحول الموقف تماماً وانتصر المشركون في النهاية. كانت حرب أكتوبر كغزوة أحد انتصار في البداية في يوم ٦و ٧ أكتوبر، ثم في الأيام من ٧ حتى ١٤ أكتوبر اكتفت القيادة المصرية بالمحافظة على الوضع الذي كانت عليه، ولم تحاول تنفيذ الجزء الثاني من الخطة كما ذكر هذا المؤرخ العسكري “جمال حماد” في كتابه ( المعارك الحربية على الجبهة المصرية ) والحقيقة أني سأعتمد علي هذا الكتاب بشكل كبير فى هذا المقال يقول “جمال حماد”: (والأمر الذى يمكن إدراكه بوضوح من تحليلنا لسير الوقائع والأحداث خلال الأيام الأولى من الحرب، أن القيادة المصرية بعد نجاحها في تحقيق المرحلة الأولى من الخطة “بدر” وهى اقتحام قناة السويس وتحطيم خط بارليف وإنشاء منطقة رءوس الكباري على منطقة ١٠ -١٢ كم شرق القناة، لم تفكر جدياً في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الهجومية الموضوعة، إذ لو كان هذا الأمر موضع تفكيرها حقاً، لسارعت باغتنام فرصة تركيز إسرائيل لمجهودها الرئيسي ضد الجبهة السورية في الشمال، وفرصة ما صادفه الهجوم المضاد الرئيسي لإسرائيل أمام قوات الجيش الثاني المصري يوم الاثنين ٨ أكتوبر من فشل ذريع، وما منيت به القوات المدرعة الإسرائيلية من خسائر فادحة في الدبابات في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، لتقوم بتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة بدر، ولبادرت بإصدار الأمر لقواتها بالتقدم يوم ٩ أكتوبر على أكثر تقدير باتجاه الشرق للاستيلاء على خط المضايق الجبلية الاستراتيجية؛ إذ أن هذا كان أفضل توقيت ممكن لتنفيذ هذه العملية خلال أيام الحرب كلها. أما القرار السياسي الذي صدر بتطوير الهجوم شرقا يوم ١٤أكتوبر، فعلاوة على ما شابه من خطأ من ناحية التوقيت كما أوضحنا، فإن خطة التطوير ذاتها التي أصدرتها القيادة العامة لتنفيذ هذا القرار كانت تختلف تماما عن خطة التطوير الأصلية التي كانت تضمنها الخطة جرانيت المعدلة “بدر” والتي أجريت على أساسها عملية تنظيم التعاون على جميع المستويات، والتي أطلق عليها اسم المرحلة الثانية).

وكما كانت “ثغرة الصعود على الجبل مكان رماة المسلمين ” نقطة تحول في سير غزوة أحد لصالح المشركين كذلك كانت “ثغرة الدفرسوار ” نقطة تحول في حرب أكتوبر لصالح إسرائيل ولننقل هنا كلام الفريق “عبد المنعم خليل” -الذي كلف بقيادة الجيش الثاني الميداني في هذه الفترة الحرجة خلفاً للفريق “سعد مأمون” بعد إصابته بأزمة قلبية، يقول الفريق:

“فمنذ صباح هذا اليوم -يقصد يوم 16 أكتوبر- وصلتنا أنباء تفيد بتسلل 7 دبابات للعدو غرباً من عند منطقة الدفرسوار، ولم أصدق نفسي ساعتها، فبعد النصر الكبير الذي حققناه ابتداء من يوم 6 أكتوبر 1973 وأيام 7 و 8 إلى فترة الوقفة التعبوية -والتي طالت بلا داعي- مروراً بقرار تطوير الهجوم شرقاً والذي جاء بأوامر من الرئيس السادات شخصياً وكان قراراً سياسياً محضاً ولم يكن عسكرياً في شيء، والذي تسبب في تدهور الموقف ابتداءاً من ليلة 13 أكتوبر 1973 ويوم 14 و 15 حتى صباح 16 أكتوبر فقد كان الموقف حرجاً”.

ومن عجيب الأمر أنه تم إرسال الفريق “عبد المنعم خليل” لقيادة الجيش الثاني دون إعطاءه معلومات كافية عن الوضع هناك. فقد صرح: “وبالطبع لابد أن يكون للعدو في اللحظات الأولى من صباح 16 أكتوبر 1973 قوة لا تقل عن لواء مشاة ميكانيكي مدعم بالدبابات كما أن سيطرة العدو الجوية في منطقة الدفرسوار كانت كاملة ولم يشر الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة لي عنه شيئاً، ولا حتى نائب رئيس هيئة العمليات، وحتى ما حدث من قوة اللواء 116 مشاة ميكانيكي في الكمين لم تعلم القيادة العامة به إلا بعد مدة طويلة وتساءلت ساعتها ..أين نشاط قواتنا الجوية ؟”

اقتراحات للسيطرة على الثغرة لكنها قوبلت بالرفض لأسباب غير معلومة:

ثغرة الدفرسوار

“ثغرة الدفرسوار”

يقول: “وتأكد لي ما اعتبرته سابقاً أن القيادة والسيطرة في منطقة الثغرة مفقودة تماماً، وكذلك في القطاع الغربي كله جنوب الإسماعيلية حتى فايد وفى العمق حتى طريق الإسماعيلية -أبو سلطان-القصاصين، رغم وجود قائد الفرقه 23 مشاة ميكانيكية بالمنطقة، ولكن لم يكن لديه أي أجهزة اتصال وقيادة وسيطرة تمكنه من احتواء الموقف بالمنطقة، فقررت نقل قيادة الفرقة 23 مشاة إليه من أماكنها شمال ترعة الإسماعيلية، وأصدرت أوامري بذلك فعلاً مساء يوم 16أكتوبر 1973م، ولكن حدث تأخير في تنفيذ الأوامر، لم يُمكن قيادة الفرقة من الوصول إلى المكان الجديد في الوقت المناسب؛ فقد تطور الموقف واتسعت الثغرة وازداد عمق الاختراق المعادي”.

وأضاف أيضاً: “وفكرت في سحب قيادة الفرقة 21 المدرعة من الشرق لتعود إلى مكانها القديم غرباً، حيث يستطيع قائدها السيطرة على الموقف في منطقة الاختراق لمعرفته الجيدة بالأرض فيها، ولكن رفض اقتراحي هذا أيضاً، كما رُفضت كل اقتراحاتي لتكوين احتياطي أو إعادة التوازن في قطاع الاختراق”.
ثم يتابع القول: “بعد ذلك قررت القيادة العليا توجيه ضربة قوية للعدو الإسرائيلي في قطاع الاختراق غرب قناة السويس، على أن تكون الضربة صباح  17 أكتوبر 1973م، ولكن حدث اختلاف بين وزير الحربية ورئيس الأركان عن اتجاه الضربة. وللتاريخ فقد كنت أوافق الفريق الشاذلي على وجهة نظره هذه، وأضيف عليها ما قررته ساعتها بعودة اللواء 15 المدرع من رأس الشاطئ للفرقة 18 بالقنطرة شرق إلى الغرب، ليكون الاحتياطي الوحيد لدي، وكالعادة لم يتصدق على قراري هذا أيضاً.
وأصر القائد العام على رأيه وأصدر أوامره بها، وللأسف فقد تعرضت قوات الألوية التي تم الدفع بها حسب خطته إلى كمائن من قوات العدو المدرعة والتي تغطيها وتحميها الطائرات الإسرائيلية مع التركيز المدفعي والصواريخ، فلم يستطع مواصلة التقدم وتكبدت القوات خسائر كبيرة وارتدت إلى رأس شاطئ الجيش الثالث. من ضمن محاولاتي المستميتة لتكوين احتياطي لقائد الجيش، طلبت من هيئة عمليات القوات المسلحة بعد غروب شمس يوم 16 أكتوبر 1973م، دفع لواء مظلات لتكليفه بمهمة حماية وتأمين الضفة الغربية للقناة، ما بين جنوب الدفرسوار وحتى جبل مريم، وهو موقع يسيطر سيطرة تامة على المنطقة حوله لمسافات واسعة شرق وغرب قناة السويس، واحتلاله بقوة يؤمن مدينة الإسماعيلية، وللأسف لم يتصدق على طلبي السابق. كما اتخذت قرار بسحب اللواء 15 المدرع المستقل الموجود فى قطاع الفرقة 18 مشاه بالقنطرة شرق؛ ليقوم بواجبه القديم في الخطة الدفاعية السابقة لقرار العبور، وهى مهام كان مكلفاً بها من قبل ومدرباً عليها تدريباً واقعياً، وبالطبع لم يتصدق على قراري هذا أيضاً، بل وقد خطرني الفريق أول “أحمد إسماعيل” بأن هذا ضد رغبة رئيس الجمهورية، وأنه لا يوافق على سحب أي وحدات من الشرق إلى الغرب وإنه زعلان مني!”
ويتساءل الفريق عبد المنعم ونحن نتساءل معه أيضاً:

“كيف أقود قوات وأتحمل مسئولية تطهير ثغرة الدفرسوار وتأمين قواتي وصد هجمات العدو بدون احتياطي في يدي كقائد جيش؟”

ويقول “جمال حماد “: (وتم التخطيط لتصفية الثغرة بخطة شاملة حاسمة، ولكنها مع الأسف لم تنفذ إذ استمر الحال على ما هو عليه حتى قرار إيقاف إطلاق النار يوم  22 أكتوبر 1973م -إذا التزمت إسرائيل به- إلا أنها في صباح 23 أكتوبر1973م، بدأت تتجه اتجاه فنارة السويس؛ لاكتساب أرض جديدة، كما حاولت الإيقاع بنا في فخ الانسحاب لتتقدم القوات المصرية للوقوع في كمائن وأفخاخ -كانت قد أعدتها مسبقاً-، واستمرت حالة المناوشات هذه حتى يوم 27 أكتوبر 1973م، توقف إطلاق النيران بين مصر وإسرائيل تماماً).

استمرار الهزيمة:

url

عن يوم 18 أكتوبر يقول الفريق “عبد المنعم خليل”:
“مع الأسف، فقد نجح العدو في إيقاف هجوم اللواء 23 مدرع وكذا أعمال قتال اللواء 116مشاه ميكانيكي، وتكبدت قواتنا خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وفقدنا عدداً كبيراً من دبابات اللواء المدرع، واستغل العدو الموقف ونجح في تطوير واقتحام طريق أبو سلطان-الإسماعيلية، وواصلت قواته تقدمها تجاه تقاطع طريق أبو صوير- الإسماعيلية، كما وصلت مفارز منها إلى الجنوب تجاه مطار فايد وشمالاً تجاه واحة المنايف، وتمر ساعات نهار يوم 18 أكتوبر 1973م في قتال عنيف مرير وساعات قلق أعنف”.
أما عن يوم 20 أكتوبر يقول: (والحقيقة كان يوم 20 أكتوبر 1973م من أخطر أيام القتال فى الحرب؛ فكانت ضربات العدو مركزة في مناطق عديدة من الجبهة، وخسائر قواتنا تزداد وارتداد لقواتنا في مناطق رأس شاطئ الفرقة 16مشاه وغرب القناة).

يقول “جمال حماد “: (عند منتصف ليلة 23/ 24 أكتوبر، كانت القوات الإسرائيلية -التي اندفعت في اتجاه الجنوب فجر 23 أكتوبر- قد أكملت في ظل وقف إطلاق النار حلقة الحصار حول مدينة السويس، وفي نفس الوقت الذي تم فيه عزل السويس عن العالم الخارجي، نجح العدو في إحكام حصاره للجيش الثالث الميداني شرق القناة. وعلاوة على ذلك، أصبحت هذه القوات كلها هي ومدينة السويس خارج نطاق شبكة الدفاع الجوي، ولم تكن لدى القيادة العامة المصرية وقتئذٍ أي قوات احتياطية غرب القناة سواء على المستوى التعبوي أو الاستراتيجي؛ للقيام بهجوم مضاد رئيسي أو للقيام بضربة مضادة، يمكن عن طريقهما إنهاء عزلة السويس وفك الحصار عن وحدات الجيش الثالث).

قرارات مجلس الأمن وإنهاء الحرب:

campdavid-accords

في يوم 22 و 23 أكتوبر، أصدر مجلس الأمن قراران بوقف إطلاق النار وأعلنت إسرائيل استجابتها، لكنها سرعان ما خرقت هذا الوقف، ثم أصدر قراراً آخر يوم 25 أكتوبر بوقف إطلاق النار، خاصة بعد تأزم الموقف بين روسيا وأمريكا بسبب خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار تحت سمع وبصر أمريكا.
يقول “جمال حماد “: (وهكذا في فجر يوم الخميس 25 أكتوبر، تم تصعيد الموقف بين الدولتين العظيمتين -روسيا وأمريكا- حتى وصل إلى حافة المواجهة النووية، بسبب الأعمال العدوانية الإسرائيلية غرب القناة عقب وقف إطلاق النار، ولم يكن في مقدرة إسرائيل بالطبع بعد أن بلغتها كل هذه التطورات الخطيرة، أن تغامر يوم 25 أكتوبر وسط تلك الأنباء المثيرة عن احتمال نشوب حرب عالمية نووية؛ بسبب تصرفاتها بالقيام بأي عمل عسكري على نطاق واسع ضد مدينة السويس).
وما من تعليق هنا سوى: (إن تكلم الكبار فليصمت الصغار)؛ لأن من ردع إسرائيل ليست مصر ولا الجيش المصري -الذي نكلت به إسرائيل- وإنما الدولتين العظيمتين روسيا وأمريكا.

ويتابع: (وفي ليلة 25/26 أكتوبر أصدر مجلس الأمن أمراً رسمياً بتشكيل قوة الطوارئ الدولية على أن تتكون من 7 أّلاف رجل، وأن تسند قيادتها إلى الجنرال الفنلندي “إنزيو سيلاسفو” -كان يتولى قيادة قوة الطوارئ الدولية في قبرص- وبصفة عاجلة تم سحب 900 ضابط وجندي من قوات الطوارئ الدولية العاملة في قبرص وتحريكها فوراً إلى جبهة السويس، وعند ظهر يوم 28 أكتوبر, وصلت طلائع قوة الطوارئ الدولية إلى السويس وهدأت الأوضاع).

وختاما:

أخر ما نختم به هو كلام الفريق “سعد الشاذلي” في مذكراته: (لقد طالبت حقاً بسحب جزء من قواتنا من الشرق إلى الغرب، وكانت مطالبتي بهذه العملية يوم 19 أكتوبر هي خامس محاولة لإنقاذ الموقف. إن شرف القوات المسلحة المصرية وتاريخها الرائع الذي كتبته بدمائها في أكتوبر 1973 يتطلبان منا أن نحدد من هو المسئول الحقيقي عن حدوث الثغرة، ولماذا لم تدمر في حينها؟ ومن هو المسئول الحقيقي عن حصار الجيش الثالث؟ إن حصار الجيش الثالث جريمة لا تغتفر، وإني أتهم السادات بأنه هو المسئول الأول عنها. لقد رفض السادات وقف إطلاق النار عندما كنا في موقف قوة، وطلب وقف إطلاق النار عندما أصبحنا في موقف ضعف، لقد كان اقتراحي الخاص بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق ليلة 19/20 أكتوبر، هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ الشرف العسكري المصري، لقد فقدنا المبادرة نهائياً بعد ذلك وحتى نهاية الحرب).
ونكتفي هنا بكل ما أوردناه من كلام القادة الذين شاركوا في الحرب والمؤرخ العسكري “جمال حماد” عن إثبات أن حرب أكتوبر كانت هزيمة لا انتصاراً؛ فنهايتها ليست بأيدينا، ولم ننتصر فيها، ولعل المعاهدات التي تلت هذه الحرب ووضع سيناء إلى الآن خير دليل أنه يستحيل أن يكون شخصاً منتصراً ويقبل بمثل هذه المعاهدات والأوضاع. وهناك كلام وروايات كثيرة لقادة آخرين شاركوا في حرب 1973، تثبت أيضاً أن هذه الحرب كانت هزيمة، كالفريق “عبد المنعم واصل” وأيضاً “السادات” نفسه، لكن المجال لا يتسع لذكرها هنا وأترك هذا الأمر للقراء ليبحثوا ويعلموا الحقائق. فمهما زور التاريخ فلابد أن تظهر الحقيقة يوماً ما.