حدث في 25 رمضان

حدث في 25 رمضان

معركة عين جالوت:

تعدُّ من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ العالم الإسلامي، انتصر فيها المسلمون بقيادة المجاهد المؤمن سيف الدين قطز في المعركة الخالدة انتصارًا ساحقًا على المغول، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُهزم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان، أدَّت المعركة إلى انحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيًّا وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية، كما أدت المعركة إلى تعزيز موقع دولة المماليك كأقوى دولة إسلامية في ذلك الوقت لمدة قرنين من الزمان – أي: إلى أن قامت الدولة العثمانية.

وقعت المعركة في منطقة تُسمَّى عين جالوت بين مدينة جنين والناصرة وبيسان، في شمال فلسطين.

قام التتار بالزحف على بلدان العالم الإسلامي، فبدؤوا بقتال الخوارزميين في أفغانستان وإيران، ثم دخلوا العراق وأسقطوا الخلافة العباسية، بعد أن قتَلوا آخر خليفة لبني العباس “المُستعصم”، ثم انتقل التتار إلى دمشق واستولوا عليها، ثم استولوا على نابلس في فلسطين، وتقدَّموا بعد ذلك إلى غزة، دون مقاومة تُذكَر، فوصلوا إلى حدود الدولة المملوكية المصرية في وقت قصير، وكان هولاكو يقود الجيوش بنفسه، فأرسل رسالة تهديدية إلى حاكم مصر وقتئذٍ وهو سيف الدين قطز، سلطان المماليك، تضمَّنت الرسالة التهديد والويل وعظائم الأمور إن قاوم قطز جيوش التتار، ثم وقع حادث في الصين؛ إذ توفي أخو هولاكو وهو منكو خان، وتنازَع أخواه قبلاي خان وأريق باه على العرش، فرحل ليؤيِّد أخاه قبلاي خان، وقد عقد اللواء لقائده كتبغا لمهاجمة مصر.

وعلى الفور أمر قطز بجمع الجيوش بمعونة من كبار العلماء؛ كالعالم المجاهد عز الدين بن عبدالسلام – رحمه الله – فسارت القوات الإسلامية صوب الشام لمُلاقاة التتار، ولم تنتظِر مصيرها في بلدها كالبلاد الأخرى، “وبلَغ ذلك كتبغا نائب هولاكو على الشام، فجمع مَن بالشام مِن التتر، وسار إلى قتال المسلمين ومعه صاحب الصبيبة السعيد بن العزيز بن العادل بن أيوب، والتقوا في الغور يوم الجمعة 25 رمضان عام 658هـ، فانهزمت التتر هزيمةً قبيحة وأخذتهم سيوف المسلمين، وقُتل مقدمهم كتبغا وأُسر ابنه، وتعلق من سلم منهم برؤوس الجبال، وتبعَهم المسلمون فأفنوهم، وهرب من سلم إلى الشرق، وجرد قطز بيبرس البندقداري في أثرهم، فتبعهم إلى أطراف البلاد، وكان أيضًا في صحبة التتر الأشرف موسى صاحب حمص ففارقهم وأمَّنه قطز، وأقرَّه على حمص ومضافاتها، وأما صاحب الصبيبة فأُحضر أسيرًا بين يدي قطز، فضُربت عنقُه؛ لما اعتمد من السفك والفسق، وأحسن قطز إلى المنصور صاحب حماة، وزاده على حماة وبارين المعرَّةَ، وكانت بيد الحلبيين من سنة 635هـ، وأخذ سَلَمِيَّة منه وأعطاها أمير العرب، وأتم المظفر قطز السير بالعساكر وصحبتَه المنصور صاحب حماة إلى دمشق، وتضاعف شكر العالَم لله تعالى على هذا النصر العظيم من بعد اليأس من النصرة على التتر؛ لاستيلائهم على معظم بلاد الإسلام، ولأنهم ما قصدوا إقليمًا إلا خرَّبوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ويوم دخوله دمشق شُنق جماعة من المنتسبين إلى التتر، منهم حسين الطبردار مُوقع الملك الناصر في أيدي التتر”[1].

موقعة ملاز جرد (ملاذكرد):

وقعت في رمضان سنة 463هـ بين المسلمين ممثَّلين في دولة السلاجقة بقيادة السلطان ألب أرسلان السلجوقي، وبين الإمبراطورية الرومية في قسمها الشرقي بقيادة رومانوس الرابع، وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى وأضعفَت قوتها.

تولى ألب أرسلان حكم دولة السلاجقة خلفًا لعمه طغرل بك، كان ألب أرسلان لديه تطلُّع في توسيع رقعة الفتوحات فقام بضمِّ المناطق المسيحية المجاورة لدولته ليؤمِّن حدود دولته وحتى لا تكون حدوده مصدر إزعاج.

وأزعج ذلك إمبراطور الروم رومانوس ديوجينس، وأدرك أن التوسع السلجوقي لا يقف عند هذا الحد، وأن خطره سيهدِّد بلاده، فعزم على تحويل أنظار السلاجقة عن بلاده بالإغارة على بلاد الشام الشمالية، فهاجم مدينة “منبج” ونهبَها وقتَل أهلها.

جهَّز الإمبراطور البيزنطي رومانوس جيشًا ضخمًا يتكون من مائتي ألف مقاتل من الروم والفرنجة والروس والبلغاريين واليونانيين والفرنسيين وغيرهم، وتحرَّك بهم من القسطنطينية عاصمة دولته، مُمنيًا نفسه بنصر حاسم يقضي على خطر السلاجقة؛ فقد أطمعته قواته الغفيرة وعتاده الكثيف بأن النصر آتٍ لا ريب فيه، واتجه إلى ملاذكرد؛ حيث يعسكر الجيش السلجوقي[2].

كانت قوات جيش السلاجقه ضعيفة؛ حيث لم تتجاوَز أربعين ألفًا، فقام بمهاجمة مقدمة جيش الروم لتحقيق انتصار خاطف على الروم، وفي الوقت ذاته أرسل مبعوثًا إلى الإمبراطور يعرض عليه الهدنة، ولكن الإمبراطور رفض بشدَّة، فعلم السلطان أنه لا مفرَّ من قتال الروم فأخذ يُشعل في نفوسهم روح الشهادة والجهاد.

بدأت المعركة فهجم المسلمون كالأسود الضواري تفتك بمَن يُقابلها، وما هي إلا ساعة من نهار حتى تحقق النصر، وانقشع غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال.

ووقع الإمبراطور البيزنطي أسيرًا في أيدي السلاجقة، وسيق إلى معسكر السلطان ألب أرسلان الذي قال له: ما عزمتَ أن تفعل بي إن أسرتَني؟ فقال: أفعل القبيح، فقال له السلطان: فما تظنُّ أنني أفعل بك؟ قال: إما أن تَقتُلني، وإما أن تشهِّر بي في بلاد الشام، والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبًا عنك، فقال السلطان: ما عزمت على غير هذا.


[1] تاريخ ابن الوردي: (2 / 201).

[2] ملاذ كرد… الطريق إلى القسطنطينية؛ قصة الإسلام.