تفاصيل تقرير «مفوضى الدستورية» ببطلان المواد العقابية بـ«التظاهر»

تفاصيل تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية فى شأن عدم دستورية المادتين 7 و 19 المطعون عليهما والمعروفة بالمواد العقابية فى القانون.

 

الغموض والالتباس بعبارات «الإخلال بالأمن وتعطيل مصالح المواطنين وحركة المرور» فتح الباب أمام التحكم والأهواء والتفاوت فى التطبيق من قبل رجال الشرطة والقضاة

التقرير الذى أعده المستشار حسام فرحات، الرئيس بهيئة المفوضين، برئاسة المستشار طارق شبل، رئيس هيئة المفوضين، فى القضية رقم 234 لسنة 36 قضائية دستورية، التى أقامها حسن صالح المحامى، ضد الانقلابيين عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء ووزير العدل والنائب العام، انتهى إلى عدم دستورية المادتين 7 و19 فيما تضمنتاه من تجريم المشاركة فى تظاهرة أخلت بالأمن أو عطلت مصالح المواطنين أو حركة المرور، ومعاقبة كل من خالف ذلك بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التى لا تقل عن 50 ألف جنيه.

أهمية هذا التقرير تأتى من كونه يتعلق بقانون أصدره الانقلابي المستشار عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، وذلك أثناء توليه رئاسة البلاد بشكل مؤقت عقب تظاهرات 30 يونيو 2013، وبالتالى فإن «مفوضى الدستورية» أبطلت القانون الذى أعده رئيس المحكمة. 

 

«الحبس والغرامة» فى القانون عقوبة شابها الغلو وعدم التناسب والبعد عن العدالة

الأهمية الثانية لهذا التقرير أنه دفع الحكومة إلى استباق إصدار حكم بعدم الدستورية، وإجراء تعديلات على القانون ألغت منه عقوبة الحبس بعد توصيها المفوضين بعدم الدستورية.

الأهمية الثالثة أنه على الرغم من أن الرأى الوارد فى التقرير استشارى ولا يلزم المحكمة عند تصديها للقضية، فإنه فى حال أخذت المحكمة بما انتهى إليه سيترتب على حكمها إخلاء سبيل جميع المحكوم عليهم أو المحبوسين على ذمة هذا القانون، وفقاً لمصدر قضائى.

وتنص المادة السابعة من قانون التظاهر على أن: «يحظر على المشاركين فى الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البرى أو المائى أو الجوى أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر».

وتنص المادة التاسعة عشرة من القانون على أن: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين وبالغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف الحظر المنصوص عليه فى المادة السابعة من هذا القانون».

عرض المستشار حسام فرحات التقرير فى 123 ورقة، تناول فيها جميع الآراء الدستورية بشأن المواد المطعون عليها، وكان من أبرز ما تضمنه التقرير فى شأن عدم دستوريتهما رده على ما ذكره الطاعن لمخالفة المادتين 7 و19 للمواد 92 و95 من الدستور.

وقال فى هذا الشأن إن المبادئ المستقرة للمحكمة الدستورية العليا أكدت أن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها.

وأضاف التقرير أن القيود التى تفرضها القوانين الجزائية على الحرية الشخصية تقتضى أن تصاغ أحكامها بما يقطع كل جدل فى شأن حقيقة محتواها لبلوغ اليقين بها حداً يعصمها من الجدل، وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية وفق معايير شخصية تخالطها الأهواء وتنال من الأبرياء لافتقارها إلى الأسس الموضوعية اللازمة لضبطها.

وأوضح التقرير أن المشرع نظم جريمة الاشتراك فى تظاهرة أخلت بالأمن أو عطلت مصالح المواطنين أو عطلت حركة المرور فى المواد (4 و7 و19) متخذاً من تلك الأفعال الركن المادى لهذه الجريمة، على الرغم من أن هذه العبارات غير واضحة بذاتها وغير قطعية فى دلالتها وتحمل فى طياتها معانى مختلفة وتحتمل تفسيرات متباينة، فضلاً عن أن المخاطبين بتلك العبارات المتميعة الواردة فى النصوص السابقة لا يملكون ولا يعلمون -مسبقاً- حقيقة وذاتية الأفعال التى يتعين عليهم تجنبها، ومن ثم افتقدت قاعدة التجريم شرط الإنباء بها وبمحتواها وهو شرط يقع فى المدارج العلا لحماية الحرية الشخصية.

كما أنه ترتب على صياغة النص على النحو السالف، فتح الباب أمام التحكم والأهواء والتفاوت فى التطبيق من قبل القائمين على تطبيق النصوص المطعون فيها، سواء كانوا رجال الضبط أم القضاة، فمنهم من يقدر أن فعلاً ما يمثل إخلالاً بالأمن، ومنهم من يرى غير ذلك، وكذلك الحال بالنسبة لأفعال تعطيل مصالح المواطنين وتعطيل حركة المرور، وهو ما يصِم المادتين السابعة والتاسعة عشرة بالغموض والتجهيل والالتباس على أواسط الناس بصورة ينحسم بها كل جدل حول حقيقتها وبما يفقدها الوضوح واليقين ويجعلها تقع فى حومة المخالفة الدستورية لأحكام المواد (54 و94 و95 و96 من الدستور)

وعرض التقرير للمادة التاسعة عشرة، فيما تضمنته من عقوبة على كل من شارك فى مظاهرة أخلت بالأمن أو عطلت مصالح المواطنين أو عطلت حركة المرور، حيث أكد التقرير أن العقوبة التى وضعها المشرع قد شابها الغلو وعدم التناسب والبعد عن العدالة، كما أنها أوقعت القاضى فى الحرج والمشقة.

واستند التقرير فى عدم دستورية تلك المادة إلى أن المشرع قرر عقوبتين متمايزتين، وهما الحبس والغرامة أو أيهما، وبذلك سلب المشرع القاضى الجنائى كل قدرة على النزول بعقوبة الحبس إلى ما دون السنتين، أو النزول بعقوبة الغرامة إلى ما دون الخمسين ألف جنيه، وأصبحت يده مغلولة، وبالتالى اختل التعادل بصورة ظاهرة بين العقوبة المقررة ومداها وطبيعة الجريمة التى تعلقت بها، فانتفى بالضرورة مناط مشروعية العقوبة من ناحية دستوريتها، وانتفى كذلك التفريد الذى يجريه القاضى للعقوبة وفقاً لظروف الجريمة والجانى، فيتدرج بها تخفيفاً وتشديداً فى الحدود المقررة قانوناً، وذلك جوهر الوظيفة القضائية التى قيدها المشرع وسلبها واحدة من أهم خصائصها.

التقرير أشار أيضاً إلى تجاهل الحكومة توصية قسم التشريع بمجلس الدولة عند مراجعته لمشروع قانون التظاهر، وهى مراعاة تخفيف العقوبات الواردة بالمشروع، وذكر قسم التشريع فى توصيته للحكومة أن «العقوبات الواردة فى المشروع مغلظة، كما يصعب تنفيذ الغرامة بالنسبة لصغار السن المشاركين فى التظاهرات، فهم لا يقدرون على تحملها، كما أن بعض الأفعال والجرائم قد وردت لها عقوبات لا تتفق وجسامتها، كما أن بعضها خففت عقوبتها رغم خطورتها، ومن ثم يجب التناسب فى العقوبة مع الجريمة المقررة لها».

وأوضح التقرير أن مسلك المشرع فى العقاب على المشاركة فى تظاهرة ترتب عليها الإخلال بالأمن أو تعطيل مصالح المواطنين أو تعطيل حركة المرور، جاء مفتقداً تلك الموازنة الدقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحقوق وحريات الأفراد من جهة أخرى، الأمر الذى يصم نص المادة التاسعة عشرة المطعون فيها بمخالفة نصوص المواد (54 و65 و73 و92 و94 و9 و96 و184 و186) من الدستور.