تعرف على “ثالوث السيسي” لتأميم المنصة وتركيع القضاة

مع بدء العد التنازلي لانتخابات نادي القضاة، يبدو أن المشهد لا ينذر بخير يمكن أن ينتشل العدالة المكبلة من كابوس الانقلاب، أو يحرر قيودها من قبضة عبد الفتاح السيسي، الذي نجح على مدار السنوات الست المنصرمة في بسط نفوذه كاملا على تلك المنصة، ووأد أي محاولة لاستعادة هيبة سلطة يمكنها أن تنازعه الملك.

النادي الذي طالما كان حصنا لأصحاب المنصة من توغل السلطة التنفيذية، وحارب كثيرا للتمسك باستقلاليته، فصمد أحيانا ورضخ في أحايين كثيرة، يعيش واحدة من أكثر تقلباته سوداوية، تحت بطش سلطة عسكرية، لا تعرف سوى طريق الاستبداد وتكميم العدالة ولغة الدم.

إلا أن انتخابات 20 ديسمبر المقبل، تأتي محملة بالكثير من المعطيات التي توثق استيلاء العسكر تماما على صوت القضاء، لضمان التلاعب بمسارات التقاضي وتسييس الأحكام، وتمرير قرارات السيسي الفاشية التي تفرط في تراب الوطن وتعبث بمقدراته.

سيسي القضاء

ولأن القضاء دائما ما يمثل جناحًا موازيًا لرأس السلطة، كان لزامًا على السيسي أن يضع أذنًا ترصد كل كبيرة وصغيرة داخل هذا الكيان، وبطبيعة الحال لم يجد قائد الانقلاب أفضل من شقيقه “أحمد” لتسليطه على رقاب القضاة، والقيام بدور البوسطجي لتوصيل رسائل العسكر إلى المنصة.

ولم يشفع انبطاح ناجي شحاتة ومحمد شيرين فهمي وأمثالهم لإرضاء السيسي، بل تعمد تهميش المؤسسة بالكلية، وقرر إهانتها على رؤوس الأشهاد برفض المشاركة في احتفال اليوبيل الفضي للمحكمة الدستورية العليا، وحصار رئيس نادي القضاة محمد عبد المحسن بالأزمات، وأفسح الطريق أمام شقيقه للعب دور البطولة المطلقة لشامخ الانقلاب.

وسرت همهمة ساخطة بين القضاة على مدار الأيام الماضية، من تعاظم نفوذ أحمد السيسي نائب رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحسب مصادر قضائية، اعترفت في تصريحات نقلها “العربي الجديد”، أن شقيق قائد الانقلاب أصبح المتحكم الأوحد في شئون القضاة.

توريث العسكر

وكشفت عن أن “سيسي القضاء” يعقد اجتماعات أسبوعية منفصلة مع رؤساء هيئات قضائية، ونائب عام العسكر حمادة الصاوي، يقف خلالها على كافة التفصيلات المتعلقة بحركة المحاكمات المسيسة والشئون القضائية، ومن ثم ينقل إليهم تعليمات وأحكام النظام الفاشي.

ولم يكتف “سيسي القضاء” بالتلصص والتسلط على القضاة، بل تخير بنفسه أكثرهم خنوعا لتولي المناصب الحساسة على رأس مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض، وواصل استغلال نفوذه بتعيين نجله عبد الرحمن أحمد السيسي، مطلع أكتوبر الماضي، بمكتب نيابة أمن الدولة العليا، وهو القرار الذي سبقه تعيين نجلته “هاجر السيسي”، ضمن الدفعة الجديدة لمعاوني النيابة الإدارية.

تصدير الأزمات

وعمل السيسي طوال الفترة الماضية على حصار القضاة، وإرهاق كاهلهم بالأزمات ليجبر من خرج منهم عن القطيع على الرضوخ والإذعان، عبر إشعال الصراع بين محكمة النقض والمجلس الاستشاري لنادي القضاة، حول مركزية محكمة النقض، وتبعها إقرار برلمان العسكر تعديلات قانون السلطة القضائية لدق المسمار الأخير في نعش استقلال القضاء.

واستمرت ألاعيب الانقلاب بإقرار وزارة المالية تطبيق “ضريبة الدخل” على القضاة وفقًا لمفردات راتب درجاتهم القضائية، واستخدم السيسي مجلس القضاء الأعلى لوأد أي محاولة لعقد جمعية عمومية طارئة للقضاة لمواجهة الأزمات المتلاحقة، ما دفع القضاة إلى اللجوء لشقيق السيسي من أجل تخفيف الضغط.

استقلال القضاء

أمام كل تلك الممارسات الفاشية، قرر تيار استقلال القضاء استمرار مقاطعة انتخابات نادي القضاة المصري، والامتناع عن الترشح أو الدعم، في ظل المناخ الفاشي السائد في الدولة، والذي ألقى بظلال قاتمة على كافة مناحي الحياة، وفي القلب منها استقلالية العدالة.

وقرر التيار الامتناع عن ترشيح أحد من أعضائه لمقعد الرئاسة أو العضوية، ورفع القضاةض دعم أي عضو أو قائمة، مع ترك الحرية الكاملة لكل عضو بالمشاركة في التصويت أو المقاطعة الكاملة، وأن يختار ما يراه مناسبًا في حالة مشاركته في الانتخابات.

وجاء قرار “استقلال القضاة”، بحسب تصريحات أعضاء التيار، على خلفية المناخ غير الموائم، ومخطط النظام العسكري لتكبيل المنصة والنيل من استقلال القضاء، والاستمرار في محاربة القضاة طوال السنوات الماضية، باختلاق الأزمات، وتكريس الانقسامات بين مكونات السلطة القضائية، وهو ما دفع التيار لمراقبة المشهد من بعيد، والعمل على علاج الجراح النافذة التي تركها العسكر في جسد القضاء.

ويعد تيار استقلال القضاء الدرع الأخير لأصحاب المنصة، والكيان الوحيد الذي عجز العسكر عن اختراقه، وشكل أكثر عناصر تيار “قضاة ضد الانقلاب”، لذلك عمل الانقلاب على استخدام آلته الإعلامية لتشويه رموزه، وملاحقته باتهامات فاشية، وإجراءات قمعية، ويبقى المستشار هشام جنينة نموذجًا صارخًا على استبداد السيسي وعصابة الدم.