بين الجبالي والدكروري.. “تيران وصنافير” عنوان العدل والحقيقة

كتبه رانيا قناوي :

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “القضاة ثلاثة قاضيان في النار، وقاض في الجنة، قاض قضى بالهوى فهو في النار، وقاض قضى بغير علم فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة”.

لا تجد قاضيا يحكم بما يتبع من هوى، حتى تجد نتائج هذا الهوى الذي يحكم به لصالح السلطة، التي يعمل في بلاطها، فإذا أردت أن تعرف عنوان حكمه وكيف بناه، فانظر إلى المكاسب التي تحصل عليها هذا القاضي. هكذا يتضح الفرق بين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار حنفي جبالي الذي تم تعيينه خلال هذا الأسبوع من قبل سلطة الانقلاب، ليكون على رأس أعلى محكمة في مصر، وبين قاض آخر هو المستشار يحيى الدكروري الذي تم تحويله بقرار مجلس الدولة، إلى المعاش، كما قامت سلطات الانقلاب بمخالفة الدستور وتعمدت تخطيه في التعيين رئيسًا لمجلس الدولة، رغم كونه أقدم الأعضاء والمرشح الوحيد للمنصب من جانب الجمعية العمومية.

عنوان الفارق والحقيقة

ولعل عنوان الحقيقة والفارق بين القاضيين، تكشفه قضية تيران وصنافير.. تلك الجزيرتان اللتان فرط فيهما قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي للصهاينة بوكالة سعودية مقابل منحة ملياري دولار، وكشفت قضيتهما للرأي العام المتاجرين بالتراب الوطني من الخائنين وبائعي الهوى، وبين الذي دافعوا عن أرضهم ورفضوا صفقة العار.

ولم تتوقف الحقيقة على السياسيين والإعلاميين في كشف معادن كل منهم للرأي العام خلال قضية تيران وصنافير، بل امتدت لتكشف معادن القضاة، وتفضح دولة الظلم والجور، حينما تعمدت دولة الانقلاب، مقايضة رئيس المحكمة الدستورية الجديد حنفي جبالي على تراب الوطن، واشترت ذمته، بحكم نسف فيه بالمخالفة للدستور الذي يحكم به، كل الأحكام الي صدرت وصرخت بأن تيران وصنافير مصرية، ليكون المقابل هو تعيين حنفي الجبالي رئيسا للمحكمة الدستورية العليا.

وبنفس الطريقة تعمدت دولة الانقلاب محاربة مستشار أخر قال إنه لن يلوث تاريخه بالتنازل عن تراب الوطن، وحكم بما رضي له ضميره ودينه، بأن الجزيرتين مصريتان، فما كان من قائد الانقلاب إلا أن احاله على المعاش، وتعمد تخطيه في رئاسة مجلس الدولة بالرغم من احقيته وأقدميته.

هذا هو الفارق بين حنفي الجبالي الذي أصدر حكما لصالح قائد الانقلاب الذي قبض ثمن الجزيرتين، ونسف كل الأحكام الصادرة من مجلس الدولة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية “تيران وصنافير”، لصالح حكم أخر من محكمة غير مختصة هي محكمة الأمور المستعجلة بتأييد الاتفاقية، ونقل تبعية الجزيرتين للمملكة السعودية.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-03-03 10:18:42Z | | ÿÿÿÿV‘|

لينتهز السيسي الفرصة ويقرر في دقيقة واحدة نقل الجزيرتين للتبعية السعودية، الباب الخلف للمصالح الصهيوني، والسيطرة على البحر الأحمر.

ليكتشف المصريون لماذا نصب قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي من نفسه واليا على القضاة، وأعطى لنفسه حق اختيار كل رؤساء الهيئات القضائية، ليبدأ حنفي علي جبالي رئيس المحكمة الدستورية العليا الجديد، الذي أدى اليمين الدستورية، الثلاثاء الماضي، يبدأ مهام منصبه الجديد، من أول أغسطس، وحتى 13 يوليو المقبل، موعد بلوغه سن التقاعد، 70 عامًا.

وتم  اختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا، حنفي جبالي لخلافة المستشار عبدالوهاب عبدالرزاق في رئاسة المحكمة، بوصفه أقدم مستشاري المحكمة بعد عبدالرازق، وحق أعضاء الدستورية في اختيار رئيسهم من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة، على عكس باقي الجهات والهيئات المتمثلة في: مجلس القضاء الأعلى، و«مجلس الدولة»، والنيابة الإدارية، و«قضايا الدولة»، التي أصدر السيسي في 27 أبريل 2017، قانونًا يجبر المجالس العليا بها على تخطي قاعدة الأقدمية، نكاية في المستشار يحيى الدكروري، وترشيح ثلاثة مستشارين من بين أقدم سبعة نواب لرئيسها،  ليكون للسيسي الحق في اختيار أي منهم للمنصب.

وبرز اسم جبالي، مؤخرًا، عندما ارتبط بقضية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية «تيران وصنافير»، والتي مرت بعدة مراحل في التقاضي، وحازت اهتمامًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا، وترأس المحكمة بعد تنحي رئيس المحكمة السابق، عن نظر دعوى تنازع الأحكام المقامة من هيئة قضايا الدولة، ممثلة للحكومة وبرلمان العسكر، لتحديد أي الجهات القضائية محاكم مجلس الدولة أم محكمة الأمور المستعجلة، المختصة بالفصل في صحة إجراءات الاتفاقية.

ليعلن جبالي عن تصديه لمهمة السيسي التي كلفها إياه مقابل تعيينه رئيسا للمحكمة، وقضى جبالي بعدم الاعتداد بكافة الأحكام الصادرة من القضائين «الإداري» و«المستعجل» بشأن الاتفاقية، مستخدمًا لمصطلح «أعمال السياسة» بدلا من «أعمال السيادة» المقترن بالقضايا التي تمس العلاقات الدولية بين مصر والدول الأجنبية، وقاصرًا سلطة الرقابة على إجراءات توقيع الاتفاقيات الدولية على الحكومة والبرلمان قبل التصديق عليها، وعلى المحكمة الدستورية العليا بعد سريانها، مما يرجح بتنحى جبالي عن نظر أي طعون قضائية ستعرض على المحكمة خلال فترة رئاسته لها في دستورية قانون اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تنازلت بموجبه مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة.

وبدأ رئيس المحكمة الدستورية العليا الجديد، حياته معاونًا بالنيابة العامة، عام 1976 ثم انتقل منه إلى مجلس الدولة، الذي تدرج فيه على مدار أربع سنوات قضاهم به من درجة مندوب إلى مستشار مساعد، قبل أن يلتحق بالمحكمة الدستورية العليا عام 1983، ويعين رئيسًا لهيئة المفوضين بها عام 1996، ثم نائبًا لرئيسها منذ عام 2001، أعير خلال مسيرته القضائية مرتين، الأولى عام 1988 إلى دولة قطر، كخبير قانوني في شركة البترول الوطنية للتوزيع لمدة ست سنوات، والثانية إلى مملكة البحرين، كمستشار في محكمتها الدستورية في الفترة من 2004 حتى 2011.