بل شرعيات كثيرة


أبسط مفهوم للشرعية هي وصف سياسي اجتماعي للإرادة الجماعية ، والتجلي الأبرز لها هو الاختيار الحر أو الانتخابات النزيهة التي تفرز قائداً يعد رمزاً للإرادة الجماعية للشعب، الذي يفوض لهذا القائد المنتخب بموجب هذا الاختيار الحر إدارة شئونه ورعاية مصالحه؛ فهذا القائد لا يعدو كونه وكيلاً عن الشعب، مفوضاً منه بعقد محدد مشروط، وللشعب خلال مدة العقد مراقبته ومحاسبته، فإما جدد فيه الثقة في انتخابات تالية، أو نزع منه هذه الثقة؛ فالشعب هو صاحب السيادة، وهو مصدر السلطات.
وهذه الألية التي استقر عليها العمل في الأمم الديمقراطية هي أفضل ضمانة للاستقرار الاجتماعي، وأكبر حصانة ضد الاستبداد والفساد من ناحية، وضد الفوضي والكوارث التي تجلبها الآليات غير الديمقراطية من ناحية أخري؛ مثل الاستيلاء علي السلطة عبر انقلاب عسكري يفرض نفسه علي الشعب بالحديد والنار، ويهدر مصالح الشعب من أجل تثبيت موقعه وحماية نفسه، والبحث عن شرعية زائفة يستحيل الحصول عليها.
لقد جمع الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي -الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطياً بإرادة حرة نزيهة في تاريخ مصر- شرعيات كثيرة، فلم تكن له فقط شرعية الإرادة الشعبية والاختيار الحر التي أفرزتها الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة التي شهد لها العالم، وإنما جمع إلي جانبها الشرعية الثورية، وشرعية النجاح، وشرعية الثبات علي المبدأ، وأخيراً شرعية الموت واقفاً.
الشرعية الشعبية:
فأما الشرعية الانتخابية والإرادة الشعبية؛ فلا يختلف أحد أن الرئيس مرسي هو رمز هذه الشرعية؛ لأن الشعب المصري هو الذي اختاره، ومنحه هذه الثقة، ولا يستطيع أحد أن ينزعها عنه إلا من منحها له في انتخابات تالية، ولا يمكن التعويل علي أي آلية أخري يزعم أصحابها أنها يمكن أن تكون بديلاً عن الانتخابات، وقد كان رحمه الله وفياً لهذه الشرعية، ويعرف قيمتها ويوصي الجميع بعدم التفريط فيها؛ لأنها الطريق الوحيد لتصحيح المسار.
وقد تمسك الإخوان بشرعية الرئيس مرسي؛ لأنها تمثل الإرادة الشعبية؛ وهذا لم يكن في الحقيقة تمسكاً بمكاسب حزب، أو مصالح جماعة، ولم يكن تحيزاً لشخص الرئيس، أو تعصباً له بسبب الانتماء للجماعة، وإن كان الدفاع عن الرئيس المنتخب المظلوم ليس عيباً ولا سبة بل مكرمة ومنقبة، وموقف الإخوان هنا موقف مبدئي لا يمكن أن يتغير سواء كان الرئيس من الإخوان أو من غيرهم؛ فلو تم الانقلاب علي أي رئيس منتخب فإن موقف الإخوان من ذلك هو نفس الموقف.
وسيظل الرئيس مرسي بعد استشهاده رمزاً للحفاظ علي الشرعية والإرادة الشعبية، ومبدأ التداول السلمي للسلطة، ورفض التغيير بالقوة، ورفض الانقلاب علي الاختيار الشعبي، وستظل جماعة الإخوان رأس حربة الأمة في الحفاظ علي هذه القيم، وترسيخها في المجتمع، خاصة بعد أن تنكر لها الكثير ممن عاش زمناً يُنَظّر لها، ويتيه بها علي الدنيا كلها.
لقد أعاد تمسك الرئيس مرسي بالشرعية إلي الأذهان موقف الخليفة الممتحن الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، الذي رفض أن يفرط في إرادة الأمة التي منحتها له في بيعة شرعية صحيحة، ورفض الرضوخ لقوة السيف، وأرسي بذلك مبدأ سياسياً مهماً، هو أن الرضي الشعبي لا يمكن استبداله بفرض الأمر الواقع، تحت أي ذريعة من الذرائع، وأن التمسك بالإرادة الشعبية يستحق تضحية القائد بنفسه لترسيخ هذه القيمة.
الشرعية الثورية:
وأما الشرعية الثورية، فهي فرع عن الشرعية الشعبية، وليست بديلاً عنها، لأن الشعب هو صانع الثورة، وهو صاحبها، والثورة لا تعمل في فراغ، وإنما في المجتمع الذي قام بها، واحتضنها، وهي فعل مستمر وليست فورة عابرة، ولذلك فإن الثورة مستمرة سواء في مرحلة المد الثوري، أو مرحلة تغيير النظام ومرحلة بناء النظام الجديد، وما تليها من مراحل حتي تتحقق أهداف الثورة كاملة.
وقد كان الرئيس مرسي رمزاً للشرعية الثورية لعدة اعتبارات: أولها أنه ساهم مع جماعته في تهيئة المجتمع للثورة خلال العقود السابقة، من خلال توعية المجتمع بحقوقه وواجباته، وتربية الشباب علي الحرية والعزة، ومعارضة الأنظمة القمعية المتعاقبة ودفع الثمن المستحق لذلك، وغير ذلك من الممارسات التي أحدثت أثراً تراكمياً أدي مع غيره من جهود المخلصين إلي لحظة الثورة في الخامس والعشرين من يناير 2011م.
وثاني هذه الاعتبارات أن الرئيس مرسي هو أول رئيس منتخب بعد الثورة المصرية المجيدة، وقد كان من أول المعتقلين مع عدد من قيادات الجماعة علي خلفية التصريح بالمشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير 2011م، ثم خرج من السجن ليكون في قلب الميدان مع الثوار، وعندما جلست القوي الثورية والسياسية مع عمر سليمان قبيل تنحي المخلوع مبارك كان معهم ممثلاً للإخوان، ولما أدرك بحسه السياسي أن هذه مماطلة ومراوغة من النظام أعلن ذلك للشعب، وقاطع هذا الحوار، ومن ثم توقف.
وقد كان رحمه ممثلاً للثورة فعمل علي بناء المؤسسات التي تعبر عن الثورة وعن اختيار الشعب بحرية؛ فكان في عهده حصول الشعب المصري علي أول دستور مستفتي عليه يمنحه الشعب لنفسه، وكان حريصاً علي حماية المؤسسات المنتخبة وعودتها إلي عملها بأسرع وقت بعد أن تم التآمر لحل مجلس الشعب، ثم كان ثورياً في إقالة قادة المؤسسة العسكرية والنائب العام الذين يمثلون رموز السلطة في نظام المخلوع، لكن الدولة العميقة والمخدوعين بدعايتها عوقت مسيرته.
وقد كان وفياً لمبادئ الثورة وهي العيش والحرية والكرامة الإنسانية؛ فقد كان العام الذي حكم فيه بمثابة نقطة بيضاء في الثوب الأسود، فلم يعرف المصريون الحرية ولم يتذوقوا طعمها كما حدث في هذا العام، فأطلق الحريات، بل وتجاوز عمن أساءوا استخدامها أملاً أن تصحح التجربة نفسها، وقناعة أن الصبر علي بعض التجاوز أفضل من السقوط في فخ القمع، وأن الشعب الحر أفضل في جميع الأحوال من الشعب الخانع.
ومن مبادئ الثورة التي عمل جاهداً علي إقرارها في الواقع مبدأ العدالة الاجتماعية؛ فقد كانت سياساته الاجتماعية كلها تسير في هذا الطريق، ومن ذلك رفع المعاشات، والرعاية الصحية للمرأة المعيلة، ورفع الحد الأدني للأجور، وتحسين أجور المعلمين والأطباء وأساتذة الجامعة وغيرهم من الفئات، وإسقاط ديون الفلاحين، وزيادة الدعم للفئات المهمشة، وتحسين نوعية المواد التموينية التي يعتمد عليها الفقراء، وقد قام وزير الفقراء باسم عودة بنقلة كبيرة في هذا المجال شعر بها الجميع، ولم يستطع حتي أعداء الثورة إنكارها.
ثم كانت سياسة أخذ الضرائب من الأغنياء خلافاً لكل الأنظمة السابقة التي تحالفت مع رأس المال الفاسد لسحق الفقراء، فأول من أخذ منهم الرئيس مرسي الضرائب المستحقة التي تهربوا منها مستندين إلي علاقتهم بأنظمة الحكم المستبدة هم ناهبو المال العام أمثال ساويرس وغيره، حتي جاء الانقلاب فعادت العلاقة معهم سيرتها الأولي. لقد كانت السياسة الضريبية للرئيس مرسي تحقق عملياً مع غيرها من السياسات الاقتصادية قوله تعالي في المال: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾(الحشر: من الآية 7) أما سياسات ما قبله وما بعده فهي إعلان الحرب علي الطبقات الكادحة لصالح المترفين.
شرعية النجاح والإنجاز: 
وأما شرعية النجاح أو شرعية الإنجاز كما يسميها البعض، فقد حازها الرئيس مرسي بجدارة رغم العراقيل الضخمة التي وضعتها أمامه الثورة المضادة، ورغم الدعاية السوداء التي استخدمها إعلام الفتنة لإهالة التراب علي نجاحات الرئيس وإظهاره زوراً بمظهر الفاشل في إدارة الدولة، ورغم الأزمات المصطنعة التي صدرتها له الدولة العميقة لخداع البسطاء، نعم لقد حقق نجاحات هائلة علي كل الأصعدة.
فعلي صعيد السياسة الخارجية؛ أعاد لمصر مكانتها الإقليمية والدولية بعد أن تقزمت علي أيدي الأقزام؛ ويكفي مواقفه المشرفة من ثورات الربيع العربي، ودعمه للشعوب في حراكها نحو الحرية؛ ودعمه للحق الفلسطيني، ووقوفه ضد العدوان الصهيوني علي غزة، وقولته المشهورة: “لن نترك غزة وحدها” التي تجسد أسمي معاني الأخوة العربية والإسلامية، وتجسد الإدراك العميق لأبعاد الأمن القومي المصري والعربي، وتحدد بدقة الصديق والعدو في ضوء ثوابت الأمة وتاريخها ومصالحها الاستراتيجية.
ويكفي أيضاً تعبيره عن ضمير المسلمين في قلب الأمم المتحدة، وأمام قاد العالم، بالصلاة والسلام علي رسول الإسلام صلي الله عليه وسلم، والإعلان في صراحة ووضوح: “نعادي من يمسه بسوء من قول أو عمل”. ويكفي أيضاً أنه عبر عن ضمير أهل السنة والجماعة عندما تَرَضّي علي الصحابة الكرام في قلب إيران، قائدة المشروع الشيعي، وأعلن أن إقامة علاقات متوازنة مع إيران لن يكون علي حساب عقيدة الأمة وثقافتها وتراثها وإرثها الحضاري.
وعلي صعيد السياسات الاقتصادية، تكفي رؤيته الواضحة لتحرير القرار الاقتصادي من براثن مراكز العولممة؛ وقد تمثل ذلك في شعاره الذي ردده كثيراً، وهو أن امتلاك الإرادة يعني إنتاجنا لغذائنا وصناعتنا لدواءنا وسلاحنا، ولم يكن ذلك شعاراً أجوف، بل حوله إلي خطة عمل، وأعلن عن خطة الاكتفاء الذاتي من القمح خلال أربع سنوات، وقد حقق خلال العام الأول 30% زيادة في إنتاج القمح، ولو قدر له أن يستمر إلي نهاية السنوات الأربع لتحقق الاكتفاء الذاتي قبل نهايتها.
ثم كانت سياسته النقدية، وخطته لسد عجز الموازنة مبنية علي رفض الاقتراض الخارجي، الذي يرهن الاقتصاد ويأكل ثمرته، ويكبل القرار الاقتصادي ويربطه بالدائنين، فرفض الإذعان لشروط صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض بأربعة مليارات دولار، لأن هذه الشروط تناقض السياسات الاجتماعية التي تحقق مطلب العدالة الاجتماعية، وهو أحد أهداف الثورة. 
ثم كانت المشروعات الكبري التي أطلقها مثل تنمية سيناء، وتنمية الصعيد، وتنمية محور قناة السويس، وتوطين التكنولوجيا مثل مصنع سامسونج ومصانع السيارات وغيرها، وإجمالاً أصبحت مؤشرات الأداء الاقتصادي كلها إيجابية، فقد حقق الميزان التجاري أول فائض له منذ عقود، وحافظ علي قمية العملة رغم الضغوط، وبدأ الاحتياطي النقدي في النمو لأول مرة منذ الثورة بعد انهياره علي يد المجلس العسكري، وبدأت السياحة في التعافي، وهذه الإنجازات تحتاج إلي دراسات علمية لتوثيقها لتكون منارة للأجيال، بعيداً عن مزايدات الإعلام ومكايدات السياسة.
وعلي صعيد السياسات المجتمعية، فقد حافظ علي التماسك المجتمعي، وكان حقاً رئيساً لكل المصرين، خلافاً لما يحاول الانقلابيون وإعلامهم تصديره زوراً وبهتاناً، واهتم بكل فئات المجتمع، فاهتم بالفئات المحرومة والمهمشة، وكذلك بالقوة العاملة، ولم يهمل العقول والمواهب والإبداع والمبدعين، ولم ينفذ أي سياسة منحازة لفئة دون فئة، فكان متوازنا في تعامله مع المسلمين والمسيحيين، وفي تعامله مع أبناء الحركة الإسلامية وغيرهم، وبين الأحزاب الإسلامية والعلمانية. فالجميع عنده أبناء الوطن، ولا يمكن للوطن أن يرتقي إلا بجهودهم جميعاً.
شرعية الثبات والوفاء:
فالشرعية ليست صكاً علي بياض، وإنما هو عقد له شروط، ومن شروطه الوفاء ببنود هذا العقد، من النصح للأمة، والسهر علي مصالحها، وبذل أقصي الجهد من أجل إسعادها، وهذا ما فعله الرئيس مرسي، فلم يدخر وسعاً في الحفاظ علي مصر الإنسان والأرض والتاريخ والحضارة والثروات والمقدرات، وعاش وفياً لعهده مع الله، وعهده مع الناس، وما أصدق مقولته الشهيرة: “لن أخون الله فيكم” وعاش وفياً لبيعة الأمة واختيار الشعب؛ فلم يفرط فيها، ولم يقصر في شروطها.
وعندما وقع الانقلاب العسكري استباقاً لنجاحات الرئيس مرسي حتي لا تترسخ، وتصبح أكثر ظهوراً، وأصعب اقتلاعاً، كان الرئيس الشهيد أثبت من الجبال الرواسي، وأعلن يوم 2 فبراير 2013م في خطابه الشهير – وقد تيقن وقوع الانقلاب- أنه لن ينزل أبداً علي رأي الفسدة، ولن يعطي الدنية أبداً في دينه أو وطنه أو شرعيته. وكان باستطاعته لو تنازل للانقلابيين أن يعيش منعماً هو وأهله بقية حياته، ولكنه آثر ما عند الله عز وجل ﴿وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾(الأعلي: 17).
ولم يثبت فقط أمام الإغراء، ولكنه ثبت أيضاً في مواجهة الضعوط المستمرة، والتهديد بالقتل والتصفية، والتهديد بأهله وإخوانه وجماعته، فالرؤية أمامه كانت واضحة، وصارح أهله أنه سيسير الطريق إلي نهايته، ولن يتخلي عن حلم الشعب المصري في الحرية، ولن يخون الأمانة التي قلدها له الشعب، وهكذا تكسرت كل محاولات الترغيب والترهيت أمام الإرادة الفولاذية للرئيس المؤمن الذي يستمد قوته من ثقته بالله تعالي وحسن توكله عليه، ثم حسن ظنه بالشعب المصري الذي عول عليه كثيراً في استكمال ثورته، وحراسة مكتسباته، وانتزاع حريته.
شرعية الخاتمة الملهمة:
ثم كانت هذه الخاتمة العظيمة الملهمة التي ادخرها الله تعالي له، واختاره شهيداً صابراً صامداً، مقبلاً غير مدبر، ثابتاً علي مبادئه التي عاهد الله تعالي أن يكون وفياً لها، وأن يعيش لدينه ووطنه، وأن يدافع بدمه عن شريعة ربه، وحقوق شعبه، فلما علم الله تعالي منه الصدق والإخلاص والتجرد، منحه هذه الهبة العظيمة، ورفعه هذه المنزلة الكريمة، واختاره شهيداً ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾(آل عمران: من الآية 140).
لقد عاش يهتف مع إخوانه: “الموت في سبيل الله أسمي أمانينا” فأعطاه الله ما تمني، ورفعه إلي درجة الشهداء، بعد أن أوفي عهده، وأبرأ ذمته، وأقام الحجة علي الجميع، فقد وقف ينافح عن قضيته العادلة، وعن حق الشعب المصري في الحرية والكرامة الإنسانية، حتي النفس الأخير، وكانت آخر كلماته قبل أن يسقط مغشياً عليه، ويرفع السبابة بالشهادة مسلماً روحه الطاهرة لبارئها، هو قول الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة وقومي وإن ضنوا علي كرام
وقول الشاعر:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
لقد أكسبته هذه الخاتمة الملهمة، المفجرة لينابيع الكفاح من أجل الحرية والكرامة التي أرادها الله لعباده، أكسبته شرعية جديدة هي شرعية الرمز والنموذج والقيادة الأدبية والأبوة الروحية لكل مشروعات التحرر في العالم، وغدا الرئيس الشهيد نشيداً من أناشيد الحرية، وأسطورة من أساطير الإنسانية، ومشعلاً من مشاعل الكرامة الإنسانية، ونموذجاً من نماذج العدالة، ومثالاً حياً لقيم الحق والخير. 
لقد أصبح بذلك حياً في القلوب، وقد أراد أعداؤه قتله، وأصبح صوته مدوياً في الضمير الإنساني، وقد أراد أعداؤه أن يسكتوه، نعم لقد سكن القبر لكنه حرك وجدان الدنيا، وتوشك هذه الحركة أن تثمر ثورة تكسر شوكة الاستبداد، وتقتلع جذور الفساد، وتمطر علي الدنيا ماء الحياة من غمام الحرية. 
أما هو فإلي جوار رب كريم قد نزل، وحط رحاله عنده: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(آل عمران: 169 – 175).