انتبهوا.. أين يذهب المختفون قسريًا إذا فقدوا عقولهم من التعذيب؟

تداول نشطاء ومراقبون صورة قيل إنها لشاب مصري تم اختطافه من جهة سلطات الانقلاب، وظهر شبيه له تمامًا من المشردين في الشوارع فاقد العقل، وفي حالة مذرية حتى إنه يأكل من القمامة وينام بجوار أسوار المباني دون ملجأ يأوي إليه، ويؤكد المراقبون أنه في بعض الحالات التي لا يوجد جدوى من قتل المختفي قسريا في مسرحية من مسرحيات الحرب على الإرهاب، تقوم الأجهزة الأمنية بتسريبه إلى الشارع بعد تأكدها من أنه فقد عقله وذاكرته تماما جراء التعذيب الوحشي.

وبحسب مصادر حقوقية، فإن اختفاء أكثر من فرد من عائلة واحدة قسريا بات منهجية جديدة للانقلاب في استهدافه لمعارضيه، وقد تزايدت حالات الاختفاء القسري الأسري بعد انتهاء مسرحية الانتخابات الرئاسية، حيث رصدت المصادر أكثر من عشر حالات ما بين إخفاء والد وابن له أو أكثر، أو أشقاء، أو أبناء عمومة.

وتقول الناشطة بسمة بركات: “حسبنا الله ونعم الوكيل.. الصورة الموجودة على الشمال ده شاب مختفي من ٢٠١١ اسمه “علي” عمره ٢٨ سنة.. أهله لما شافوا صورة الشاب اللي موجود في بني سويف اللي صورته على اليمين عندهم أمل يطلع هو ابنهم (علي).. ادعولهم يكون هو.. الإخفاء القسري جريمة”.

الشر الأول

ويشير مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، عزت غنيم، إلى أن هذا الأمر يتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في عدد المختفين قسريا، حيث وصل متوسط عددهم في اليوم الواحد إلى أربعة أفراد خلال الأيام الأخيرة، وهو ضعف ما كان عليه الحال عام 2017 الذي بلغ فيه عدد المختفين قسريا 762 حالة.

تزايد هذه الأعداد يضع الانقلاب في مراكز متقدمة عالميا في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري، حسب مدير المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف، الذي يرى أن هذه الممارسات تأتي في إطار إصرار الانقلاب على تحقيق مُبتغاه بشتى الوسائل أيا كانت، ويصف عبد المنصف الاختفاء القسري بأنه “الشر الأول” في مصر، حيث “يتعرض له جميع من يوقعه حظه العاثر في يد الأجهزة الأمنية، ويشترك في ذلك من يظهرون في أوقات لاحقة على ذمة قضايا مختلفة ومن تتم تصفيتهم جسديا”.

والسؤال الآن: كيف سيلاقي هؤلاء الأشرار ربهم بكل هذه الذنوب الغارقين فيها حتى النخاع؟ كيف يعود هذا الجزار من عمله في جهاز الأمن الوطني وملحقاته إلى منزله في المساء وينام مرتاح الضمير بعد أن عذب ضحاياه حتى الموت؟ كيف يمكن لزوجة أن تعيش آمنة مطمئنة مع مثل هذا الزوج السفاح وكيف لا تخشى أن يقتلها؟.

إلى العباسية أو الشارع

المشردون في القاهرة العاصمة، وخصوصًا الذين فقدوا عقولهم بسبب التعذيب في مقرات سلطات الانقلاب، لا يجيبون عن الأسئلة، يمارسون الهروب والخوف، وشائعات كثيرة ينسجها الأهالي حول جنونهم وحياتهم، كل مصري في زمن الانقلاب مشروع مجنون، لأنه كان مشروع معتقل بتهمة سياسية أو بتهمة غير سياسية، تودي به إلى فروع الأمن الوطني، تبدأ بالتعذيب، وتنتهي بالجنون، هناك طعم خاص للجنون تحت حكم العسكر، جنون يختلف عن أي بقعة دموية في العالم.

يقول الناشط الحقوقي هيثم أبو غنيم: “وأنا عندي 17 سنة زرت مع أصدقاء مستشفى الأمراض النفسية في العباسية، من الحاجات إلي لفتت انتباهي وجود شباب محترم أوي ولاد ناس وميبنش عليهم إنهم مرضى، ولما سألنا عنهم عرفنا إنهم معتقلين سياسيين اتعذبوا في أمن الدولة وفقدوا عقولهم من التعذيب. كل ما افتكرهم بلعن كل ضابط أمن دولة مات”.

وترى مسئولة الملف المصري بمنظمة “هيومن رايتس مونيتور”، سلمى أشرف، أنه مع كل حدث كبير بمصر يبتدع الانقلاب أسلوبا جديدا في إرهاب المصريين ومحاولته تحجيم معارضته، حيث “اعتمد مؤخرا منهجية الإخفاء الجماعي لأكثر من فرد بالأسرة الواحدة”.

وتضيف سلمى أن الاعتقال بتصريح وإذن من النيابة العامة ومعرفة أماكن الاحتجاز التي يُؤخذ إليها المقبوض عليه، بات من “ذكريات الزمن الجميل التي يشير الواقع إلى صعوبة عودتها في ظل النظام القائم”، وتقول إن الاختفاء القسري بات آلية عادية في تعامل سلطات الانقلاب مع أي معتقل سياسي.

ومع صباح كل يوم، يُنَغّص أملَ الأهالي في معرفة أماكن احتجاز أبنائهم، ورودُ أخبار عن تصفية عدد ممن سبق اختفاؤهم قسريا، وقد بات منتهى أملهم الاطمئنان على حياتهم، وأن تكون نهاية فصول هذا “الكابوس” إحالتهم إلى المحكمة “حتى إن افتقدت العدالة والنزاهة، فإنها تطيل أمد الحياة وتجدد أمل الحرية”.