رمضان

الوداع الشرعي لشهر الخير


رضوان بن أحمد العواضي :

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الحق جل وعلا في كتابه الكريم: ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) البقرة ( 185 ).

في الآية بيان ما ينبغي ان يكون عليه حال العبد عند إتمام صوم شهر رمضان، وذلك برؤية هلال شهر شوال؛ من شكر الله بتكبيره على توفيقه وعونه بإتمام الصيام، ومقتضى هذا ان يفرح العبد بهذه النعمة، وهل شرع العيد عقب رمضان الا لذلك؟!. قال الحق سبحانه وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58]، وفي الحديث الذي اخرجه الامام مسلم وغيره، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(للصائم فرحتان: فرحه حين يفطر، و فرحه حين يلقى ربه).

وعليه فان تباكي بعض الناس على رحيل شهر رمضان، وانتشار ذلك بينهم على مواقع التواصل الاجتماعي برسائل الحزن وعبارات المواساة، حتى تحول الحال الى مأتم بينهم؛ خلاف ما كان عليه هدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وان كان في القلب شيء من الحزن على فراق هذا الشهر الفضيل، الا أن الأولى للعبد ان يفرح بإتمام الشهر، وان يدعو ربه قبول عمله، ثم فعل ما امره الله به من تكبيره على اعانته وتوفيقه على صوم شهر رمضان، وللمسلمين تبادل التهاني وعبارات الفرح فيما بينهم على إتمام هذه الشعيرة العظيمة كما ثبت ذلك عن سلف الأمة.

وفي الآية دليل على ان التكبير هو المشروع للعبد في كل ما يسره ويبهج قلبه وفؤاده، فان حصل له ما يسره، او سمع ما يسعده، فله ان يكبر الله على ذلك، شكرا له على ما أنعم عليه من الخير، او على من يحب، وهنا عُلل التكبير بقوله: (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) فجعل التكبير دليل شكر العبد لربه على نعمة توفيقه وهدايته في إتمام عبادة الصوم، وفي كل خير يمن به عليه.

وحقيقة التكبير هنا، لا تقتصر على مفردات اللفظ وحسب، بل لابد ان يكون باللفظ والعمل والإعتقاد، قال الإمام الفخر الرازي – رحمه الله – في تفسيره (5/ 259): ( وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ هَذَا التَّكْبِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ، والاعتقاد، والعمل، أما القول: فالإقرار بصفاته العلى، وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَتَنْزِيهُهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ نِدٍّ وَصَاحِبَةٍ وَوَلَدٍ وَشَبَهٍ بِالْخَلْقِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ. وَأَمَّا
الْعَمَلُ: فَالتَّعَبُّدُ بِالطَّاعَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ،
وَالْحَجِّ) انتهى.

فحين يردد العبد تكبيرات العيد، او تكبير الفرح شكرا لربه على نعمة الهداية والتوفيق، ينبغي ان يكون جنانه مدركا لما يقوله؛ من اعتقاد وحدانية ربه في حق العبودية والطاعة المطلقة، واعتقاد انه دون احد سواه من له الفضل المطلق في توفيقه وعونه لكل خير وصل اليه، ولهذا فهو من يستحق ان يعبد بحق في الوجود.

كما على العبد ان يثبت بجوارحه صدق تكبيره لخالقه الدال على شكره له، وذلك بلزوم طاعته وفق طاقته وجهده، واجتناب نواهيه وزواجره، فانه ان فعل ذلك فقد أدى حق شكره لربه على نعمته وهدايته، وهذا ما بينه الحق سبحانه وتعالى في كتابه ، وارشد العباد اليه فقال جل وعلا : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، وفي السنة المطهرة يبين المعصوم صلى الله عليه وسلم ان جوهر الشكر لله؛ صلاح عمل العبد، ولزومه طاعة ربه، والمسابقة الى مراتع رضوانه، في الصحيحين: أنه قام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه! فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا) متفق عليه.

والصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم ان وقت تكبير الفطر يبدأ بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وقيل بالخروج لصلاة العيد لفعل ابن عمر ذلك، واجيب على هذا: أنه انما يبدأ بغروب شمس آخر يوم من رمضان لأن المسلم يكون بغروبها قد أنهى عدة رمضان التي يشرع بعدها التكبير.

واختلف في آخر وقته، والذي يرجحه أهل العلم انه ينتهي بتكبيرة الإحرام لصلاة العيد، وهو قول الامام الشافعي، وجماعة من أهل العلم، قال الشافعي

  • رحمه الله – كما في الأم (1/ 275) : (يكبر الناس في الفطر حين تغيب الشمس ليلة الفطر فرادى وجماعة في كل حال، حتى يخرج الإمام لصلاة العيد، ثم يقطعون التكبير) انتهى.

وكان صلى الله عليه وسلم كما صحح الألباني ذلك في الصحيحة: يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة؛ قطع التكبير.

والمراد بتكبيره حتى انقضاء الصلاة: التكبير المشروع بعد تكبيرة الإحرام، وبعد القيام للركعة الثانية.

وقيل ينتهي بانتهاء خطبة العيد، وقيل: بمجيء الإمام للصلاة، ولعل هذا القول مشابه للقول الأول: وهو الإحرام لصلاة العيد، لأن الإمام اذا دخل شرع بالصلاة، وعليه فالقول الأول هو الراجح كما ذكرنا.

وهل يسن التكبير دبر الصلوات الثلاث ( المغرب والعشاء والفجر ) ليلة الفطر ويومه ؟ الذي يظهر ان ذلك لا يسن وانما يكون التكبير في عيد الفطر مطلقا في جميع الأوقات، ولا يأتي به المصلي دبر صلواته، كما هو الحال في عيد الأضحى، وان اتى به بعد انصرافه من الصلاة فالسنة ذلك.

قال المرداوي – رحمه الله – في الإنصاف (2/ 304): (لا يسن التكبير عقيب المكتوبات الثلاث في ليلة عيد الفطر، على الصحيح من المذهب) انتهى.

واما صيغة التكبير، فالصحيح ان تكبير العيدين، لم يثبت فيه شيء معين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلزم اتباعه، والعمل به، وما اعتاده الناس من التكبير فالأظهر انه مجزئ، قال الامام النووي رحمه الله كما في
الاذكار(ص: 289) : ( إن قال ما اعتاده الناس فحَسَن، وهو “اللَّهُ أكْبَرُ كَبيرًا، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلًا” وكل هذا على التوسعة، ولا حَجْرَ في شيء منه) انتهى.

وقال محدث اليمن، وعلامة الأمصار؛ الامام الصنعاني رحمه الله، كما في سبل السلام (2/ 72): ( وفي الشرح صفات كثيرة واستحسانات عن عدة من الأئمة، وهو يدل على التوسعة في الأمر وإطلاق الآية يقتضي ذلك) انتهى.

واختار جمع من أهل العلم ما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين من صيغ التكبير، كقول: الله أكبر الله أكبر، لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

قال الشافعي والأصحاب: (إن زاد فقال: الله أكبرُ كبيراً، والحمدُ للَّه كثيراً، وسُبْحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلاً، لا إلهَ إلا اللهُ، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، مخلصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون، لا إله إلا اللهُ وحدَهُ، صدَقَ وعده، ونصرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده، لا إله إلا الله واللهُ أكبرُـ كان حسناً) الأذكار: (ص: 288) انتهى.

وصحح الألباني – رحمه الله – في الارواء، من صيغ التكبير ما يلي :

الأولى: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.

الثانية: الله أكبر، الله اكبر، الله اكبر ولله الحمد، الله اكبر واجل، الله أكبر على ما هدانا.

وحاصل ما سبق، ان الامر واسع – ولله الحمد – والأولى للعبد التنويع في صيغ التكبير الواردة ، وان اقتصر على شيء منها فلا مانع من ذلك كما أسلفنا القول .

والسنة ان يكبر كل واحد بنفسه، بصوت يسمعه، مستقلا عن غيره، لا ان يردد الجميع التكبير بلفظ واحد، فهذا مما لا أصل له في دين الإسلام، اما ان توافق تكبير الجميع دون قصد فهذا لا شيء فيه، اذ الممنوع قصد التوافق والترديد باللفظ والصوت الواحد.

قال العلامة ابن الحاج كما في المدخل (2/ 290): (يكبر لنفسه ولا يمشي على صوت غيره على ما وصف من أنه يسمع نفسه ومن يليه، فهذه هي السنة. أما ما يفعله بعض الناس اليوم من أنه إذا سلم الإمام من صلاته كبر المؤذنون على صوت واحد، والناس يستمعون إليهم ولا يكبرون في الغالب، وإن كبر أحد منهم فهو يمشي على أصواتهم فذلك كله من البدع إذ أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده) انتهى.

واما ما يراه بعض الناس من ان التكبير الجماعي فيه تعليم الناس لصيغته ، فيرد عليه بأن التكبير لا يلزم منه تعلم صيغة معينة منه كما اسلفنا ، وانما يجزئ فيه أي صيغة كانت.

وأما رفع التكبير بمكبرات الصوت في المساجد، وغيرها، فمما لا مانع منه، لما فيه من اظهار لهذه الشعيرة العظيمة، وتذكير الناس بها.

والحمد لله رب العالمين،،،