النادمون على تأييد مجزرة فض رابعة.. ضمائر تصحو ضد الانقلاب

على الرغم من بشاعة المواقف السياسية والحقوقية التي التصقت ببعض القوى المدنية أو الإسلامية التي انحازت للسيسي، في انقلابه العسكري وصولا إلى مجازر عساكر السيسي ضد المصريين في الشوارع والميادين، سواء كانت تلك المواقف مبنية على كراهية للإخوان المسلمين، أو طلبا لمصالح مع العسكر، أو مواقف مبدئية، إلا أن رؤية دماء المصريين التي تراق أمام أعين العالم حركت الضمائر التي طُمست بين الكراهية والمصالح أو الأفكار المبدئية، وتحققت المعجزة التي ضمنتها دماء المصريين وخابت السياسة في تحقيقها.

وجاءت الصدمة قوية، ولم يفق من هولها الكثيرون حتى رغم مرور 5 سنوات كاملة. مشهد الدم كان فارقا لدى البعض، ولكنه كان عاديا بل ومستحبا من آخرين، انجرفت مشاعرهم وراء عدد من الإعلاميين الذي صوروا “رابعة والنهضة” كأنها بؤر شيطانية يجب استئصالها مهما كانت النتائج، فتمنّى هؤلاء أن يُقتل كل المعتصمين حتى تستقر الأوضاع، وتهدأ البلاد بعد اضطرابات شديدة أدى إليها الانقلاب.

ومنذ يوم “الفض” وحتى الآن، كان البعض مقتنعًا بأن فض رابعة والنهضة هو الخطوة الوحيدة الباقية حتى تتهيأ الأمور لمصر، وتقفز إلى صفوف العالم المتقدم، إلا أن ما حدث بعد ذلك كان كافيا لتأكيد أن الاستقرار والتقدم لم يكونا إلا سرابا تمناه مؤيدو الانقلاب فتخيلوه.

ومع استمرار جرائم السيسي، بدأت مشاعر البعض تقودهم إلى أن ما حدث كان جريمة، وبدأت عقول آخرين تدرك أن خطأهم في تأييد فض رابعة، والرقص على جثث الضحايا، فأعلن عدد من الذين تسابقوا إلى تأييد مليونية التفويض، وضغطوا على الحكومة لإنهاء الأزمة مهما كان عدد القتلى، ندمهم على ذلك التأييد، وتلك الفرحة التي أظهروها عقب تداول أخبار وصور الفض، التي تضمنت قتلى وجرحى ومحروقين، كما اشتملت على لوعة أبناء وبنات وآباء وأمهات على ذويهم، وهي ذات المشاهد التي أظهرت للجميع صورة “الكاسحة” التي لا تبقي ولا تذر مهما كان الذي في طريقها، واصطياد العزل من فوق البنايات، ومطاردة آخرين في العمارات المحيطة التي لجئوا إليها للاحتماء من رصاص القناصة ورشاشات الجنود “الأشداء”.

عصام حجي

الدكتور عصام حجي، العالم المصري بوكالة ناسا الفضائية، صاحب مبادرة الفريق الرئاسي لانتخابات 2018، والذي دخل عالم السياسة في وقت حرج؛ حين فاجأ الجميع بقبوله منصب المستشار العلمي للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، في وقت كانت الأمور ضبابية إلى أقصى الحدود، وترك المنصب وسط جلبة واسعة، حين رفض أن يكون جزءا من منظومة تروّج الأكاذيب حول جهاز العلاج من فيروس سي والسرطان، الذي عرفه المصريون بـ”جهاز الكفتة”، يأتي مع الذكرى الثالثة ليترحم على “شهداء اعتصامي رابعة والنهضة، وكل من استشهدوا في شوارعنا دفاعا عن وطن يحترم حق الجميع في حرية التعبير”.

مضيفا أنه “لن يعيد أي ترحم أو حزن من فقدوا، ولكن اليوم علينا أن نتذكر أن من قاموا بتعبئة الشعب مستغلين الأذرع الإعلامية الكاذبة للترويج لهذه المذبحة وتبريرها ما زالوا في قلاع محصنة، ينشرون منها الجهل والكره، ويفرقون الصفوف بين مختلف أطياف المجتمع”. مؤكدا أنه تولى منصبه بعد الأحداث بأسبوعين، وطلب أن “يكون عملي في خدمة قضايا التعليم والعلم، بعيدا عن المشهد السياسي تماما، كالطبيب الميداني لا يفرق بين من يعالج في أرض المعركة”.

6 أبريل

وعبّرت حركة 6 أبريل عن اعتذارها عن “عدم نصرة ضحايا رابعة والنهضة”، مؤكدةً أنه “برغم الاختلاف لم نشارك في التفويض، ووقفنا ضده بكل قوتنا، لم نكن مع إراقة الدماء وانتهاك الكرامة والحريات والإنسانية، ولكن عذرا إن أخطأنا، عذرا إن كنا وقفنا مكتوفي الأيدي ولم نستطع فعل شيء آخر يحول دون وقوع هذا الجُرم”.

جمال عيد

ورغم أن الحقوقي جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، أحد أكبر المناهضين لحكم الرئيس محمد مرسي، إلا أنه اعتبر أن “قتل المئات في بضع ساعات لا اسم له سوى مذبحة، حتى المحاكمة لا تضم القتلة”، في إشارة إلى عدم فتح تحقيقات حول ضحايا الفض، وفق تصريحات سابقة لمحاميهم.

طارق العوضي

وكذلك المحامي الحقوقي طارق العوضي، الذي أكد أنه “سيكتب التاريخ أن مصريا قتل مصريا بدم بارد، وكان هناك مصري يؤيد ويهلل للقتل، ومصري آخر يتاجر بالقتل، ومصري ثالث وقف ساكتا عاجزا، لكننا في النهاية جميعا نتحمل مسئوليتها، اللهم إني أبرأ إليك من تلك الدماء”.

يسري فودة

أما الإعلامي يسري فودة، الذي كان أحد أبرز مهاجمي الرئيس محمد مرسي، والذي أخذ النظام يضيّق عليه إلى أن اختار المنفى الاختياري في ألمانيا، فاعتبر أن ما حدث في رابعة “جريمة ومذبحة”.

محمد غنيم

كما اعتذر منسق تيار الكتلة المصرية سابقا، الدكتور محمد رؤوف غنيم، عن تبنيه وجهة نظر الدولة عقب فض رابعة، قائلا: “أنا آسف، كنت فاهم غلط”.

وكان غنيم قد نشر تدوينة، ثاني أيام الفض، دافع فيها عن تصرف القوات الأمنية المصرية، وهاجم تدخل الأجانب في الشأن المصري.

وفي مناسبة الذكرى الثالثة للمجزرة، نشر المنسق السابق لتيار الكتلة المصرية تدوينة مغايرة تماما، قال فيها: “من غير لف ودوران أنا باعتذر، أنا آسف.. كنت فاهم غلط، فكلامي طلع غلط.. عدائي مع الإخوان خلاني أصدق القصة الرسمية، ما كانش عندي معلومات حقيقية عن اللي حصل”.

وأضاف “ماكنتش عارف إن اللي حصل مذبحة وحشية.. ماكنتش عارف إن كان ممكن جدا فض الميدان من غير الخسائر البشرية الفادحة دي.. ماكنتش عارف إن القناصة كانوا بيصطادوا الضحايا وهما مستخبيين أو بيحاولوا يهربوا.. ماكنتش عارف إن فيديو المدرعة اللي بتعلن عن فض الميدان دي اتصورت بعد المجزرة”.

واستطرد “ماكنتش عارف كمية الضحايا المهول بالنسبة لعدد قطع السلاح الهزلي، وشوية بشوية من بعد اليوم ده ابتدت تبان الحقيقة، من خلال صور وفيديوهات ومعلومات مؤكدة، وشهادات موثوق فيها بالنسبة لي بدرجة مليون في المائة، والنهاردة أنا ما عنديش ذرة شك إن كل اللي بيحصل لنا في مصر من بعد اليوم ده نوع من أنواع العقاب الجماعي على اللي إحنا كلنا سكتنا عليه يوميها”.

وواصل اعتذاره: “مهما اختلفت مع الإخوان، أو عاديتهم، أو كرهتهم، حتى الإنسانية مش وجهة نظر، الدم عمره ما يبني بلد، والحق عمره ما ييجي بالباطل.. رابعة مذبحة، وأنا آسف لكل الضحايا وأسرهم، ولكل واحد ساهمت بكلامي في تضليله”.

حسام فودة

ورغم أنه كان من أبرز داعمي فض رابعة، إلا أن حسام فودة، عضو حزب المصريين الأحرار، اعتبر أحداث الفض بأنها “اليوم الأسود”، معتذرا عن تأييد الفض بالقوة بعد سقوط كل هؤلاء القتلى.

كاتب بيانات تمرد

وربما كان اعتذار وندم الصحفي “حسام الهندي” الأبرز في ذلك الإطار؛ باعتباره- وفقا لاعترافه- أحد الذين كانوا يكتبون بيانات “تمرد”، والذين كانوا في غاية السعادة حين تم الانقلاب، ثم التفويض، والفض.

ثم جاءت كلمات الهندي- بعد 3 سنوات- لتكشف عن هروبه خارج مصر خوفا من الاعتقال، وعمله في أحد المطاعم بعد أن كره الصحافة التي لم تمنعه من اتخاذ ذلك الموقف المخزي الذي أيد فيه القتل، وكان أحد داعميه.

الصحفي الشاب دوّن اعترافه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلاً: “نعم يدي ملطخة بدماء الجميع، لا يمكن أن أتغافل أني شاركت في الطريق لتلك المذبحة (رابعة)، وما تبعها من تجاوزات، وما سبقها من مذابح، فلا يمكن أن أنسى أن من أحببتهم اختفوا بين شهيد، ومطارد، ومعتقل، ومجذوب، لمجرد أنني قررت أن أنساق وراء رغباتي الشخصية في الانتقام لصديق مات، أو زميل عذب، أو زميلة هربت خلال مواجهات مع الإخوان خلال حكم مرسي، فقررت أن أكون في تمرد، وأن أكتب بياناتها، وأدافع عن حالها الذي تلاحم مع حال مؤسسة العسكر بعد ذلك”.

واعترف الهندي بأنه كان ساذجا: “بالفعل ساذج من يغمض عينه عن الفعل الدموي لمجرد أن له أصدقاء قالوا وأكدوا أن ما يحدث مغالاة، وأن الأمور ستمر، فأصبحت ساذجا للنهاية، أكذّب نفسي وضميري لمجرد أن من يقول لي ذلك صديقي الذي كان بجانبي يوم الضرب والغاز والحرب”.

ثم تلاحق هروب السياسيين والمشاركين في دماء رابعة بعد ذلك، سواء لأسباب إنسانية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها.

وهو ما يستدعي ضرورة الاصطفاف الوطني مع كل من رفض الانقلاب العسكري والدماء التي أراقها ويريقها حتى الآن، دون انجرار للماضي؛ من أجل إسقاط الانقلاب العسكري.