الطريق إلى «قَعر الزبالة»!

صدَقَ الرئيسُ الشهيدُ عندما تنبأ بأنهم سيصلون بالشعب إلى «قعر الزبالة»، وهو مثلٌ يُضرب لشدة الضنك والأذى، وأن الواقع عليه هذا الأمر عُرضة للذل والمهانة. وهل تخطئ العين ما يعانيه المصريون منذ ثمانى سنوات وإلى اليوم؟ فلا ينكر هذا إلا فاقدُ البصرِ أعمى البصيرة، أو فاسدٌ مفسدٌ متربِّحٌ من بقاء المستبدين.

سأل الأكاديمى الكبير زميله الذى يعمل فى جوقة النظام ونال ترقيات عديدة حتى وصل إلى مرتبة مهمة: ما رأيك يا فلان -بأمانة- فى الوضع الراهن؟ هل يعجبك؟ أجابه: «نحن نسير للخلف بسرعة القطار»، سأله: بسرعة القطار؟! قال: «نعم، إن لم نكن نسير بسرعة الصاروخ»، سأله: وبعدين؟ ماذا ترى؟ أجاب: «لا أدرى! ليس لها من دون الله كاشفة».

والحوار على قصره له دلالاته المخيفة، فالرجل يقرأ بعين الحقيقة لا الخداع، ويتحدث عن مستقبل غامض للغاية، وهذه الصورة -كما ذكرتُ- لا تخفى على أحد؛ لأن نتائجها واضحة على وجوه المصريين الذين تصادفهم فى الشارع؛ من حال الضيق والقهر والحيرة، ومن حال القلق والخوف من المقبل، والمؤكد أن ما وصل إليه الشعب جرَّاء الاستبداد وما تبعه من فساد جعلت المواطن مهانًا فى بلده، مجردًا من الحقوق والحريات، مكبوتًا ليس له صوت أو رأى، بل ليست له قيمة أو وزن، وليس أمامه قانون يحمى تلك الحقوق أو يرد إليه اعتباره. لقد نسفوا القانون، واتبعوا قانونهم القائم على شريعة الغاب وأفعال السخرة والبلطجة.

مظاهر شتى تؤكد أننا بلغنا «قعر الزبالة»، وربما تجاوزناه، فالدولة باعترافهم لم تعد دولة، بل «شبه دولة»، أو هى «دولة العِوز». من الذى فعل هذا بنا؟ ومن الذى أوصلنا إلى حالة أن رأس النظام نفسه يعترف بأننا «فقرا أوى»؟ وفى أى بلد يُسمى «دولة» يتحمل المواطن (80%) من ميزانية الدولة، تُتتزع منه فى صورة ضرائب وإتاوات؟ إن المواطن شريك فى الدولة، بل هو سيدها، ومن حقه الاستفادة من خدماتها ومقوماتها، لكنْ عندنا عُكس الأمرُ تمامًا، فقد صار النظام هو السيد والشعب أجراء عنده، يدفعون فواتير مجحفة، ويتحملون الغلاء الفاحش فى السلع والخدمات، ويُعاقبون بأثر رجعى على أبنية شيَّدوها بتراخيص رسمية، ويصطدمون بالعقبات فى كل شىء، حتى صرنا بلدًا فارغًا من الإنتاج يمدُّ يده للحصول على معونة تافهة أو يستلف قرضًا وراء قرض!

لقد اجتزنا هذا الطريق، طريق «قعر الزبالة»، يوم شرع الطغاة أسلحتهم وفرضوا أنفسهم على الشعب بالقوة، فأيدهم قطاع من المصريين لحاجة فى نفوسهم، ويوم سكت قطاع آخر مؤثرًا السلامة، ويوم تردد المعارض وتراجع النشط وخضع السياسى المرتزق؛ ما أغراهم بالمزيد، فشقُّوا على الناس، وضيَّقوا معايشهم، وأغلقوا منافذ البر أمام الفقراء؛ مطمئنين إلى رضى وصمت القطاعات المذكورة، فاستسلم آخرون للوضع المزرى، وازدادوا انزواء وانكسارًا؛ إذ لا يستطيعون الشكاية أو الاعتراض رغم ضياع حقوقهم جميعًا.

وماذا ننتظر بعد ذلك؟ ننتظر مزيدًا من الإرهاق، مزيدًا من التراجع، مزيدًا من الإلهاء، مزيدًا من القمع، مزيدًا من الفساد، مزيدًا من السُلف والقروض.. ومزيدًا ومزيدًا حتى تكون الطامة، أو حتى يأتى أمرُ الله كما قال الأكاديمى المسئول. فهل هذا يعنى الركون والقعود والانتظار كما تنتظر الشاة سكين الذبح؟ إطلاقًا، بل يعنى بذل المزيد من الجهد، والكلمة جهاد، منطوقة ومكتوبة ومرئية، والإنكار والبراءة من فعل المجرمين جهاد، وتذكير الناسى وتحميس اليائس جهاد، وكلٌّ يعمل على شاكلته، والله فى عوْن العبد ما كان فى عمل البر، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.