السيسي يأمر بطلاء المنازل.. من يحمل العبء ومن يجني الفائدة؟

عبد الكريم سليم-القاهرة

عبّرت زوجة رئيس حزب سياسي معارض لصديقاتها عن ألمها لأنها لم تتمكن منذ زمن بعيد -لضيق ذات اليد- من طلاء الجدران الداخلية لشقتها التي تضرر طلاؤها القديم فباتت في حرج من الزائرين.

هذه السيدة ينتظرها ألم مضاعف، بعد قرار الحكومة إلزام المواطنين بتحمل كلفة طلاء واجهات منازلهم، إذ ستضطر للمساهمة مع الجيران في دفع كلفة الطلاء الخارجي، فيما تظل الجدران الداخلية لشقتها على حالها.

وتفتقد مباني القاهرة ومعظم مدن مصر عموما لما يدعو للبهجة البصرية، إذا ما قلّب الزائر ناظريه في المباني أثناء سيره في الشوارع.

وقد صدر مؤخرا قرار حكومي -بعد ساعات من توجيه رئاسي- بضرورة تجميل الطابع العمراني لواجهات البنايات في المدينة.

وشهدت الساعات التالية للقرار سباقا بين المحافظين في الإعلان عن بدء تطبيق القرار، لكن الحماسة خبت مع مرور الوقت. 

طلاء واجهات مبانٍ وسط القاهرة بتكاليف تحملتها مجموعة بنوك (الجزيرة)

لصالح من؟
ويربط مراقبون بين قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأخير وبين افتتاح مصنع للدهانات تابع لوزارة الإنتاج الحربي أواخر العام الماضي، وهو مثل ما جرى من قبل في قرارات شبيهة، منها قرار رفع أسعار ألبان الأطفال الذي استفادت منه مصانع تابعة للوزارة.

وأصدرت وزارة التنمية المحلية بيانا جاء فيه أن قرار طلاء المنازل سينفذ في كل المحافظات على حساب المواطنين، ولم تحدد قيمته بعد لعدم وجود حصر للمباني أو نوعية الخامات وأشكالها التي تنفذ على أرض الواقع.

ويأتي القرار في إطار تنفيذ قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، الملزم لأصحاب العقارات بدهان و”تشطيب” واجهات العقارات والمنازل قبل توصيل المرافق لها من الأحياء والمدن.


يربط مراقبون بين قرار السيسي الأخير وبين افتتاح مصنع للدهانات تابع لوزارة الإنتاج الحربي أواخر العام الماضي، مثلما جرى من قبل في قرارات شبيهة منها قرار رفع أسعار ألبان الأطفال الذي استفادت منه مصانع تابعة للوزارة

لكن كثيرا من المقاولين وأصحاب العقارات باعوا الشقق فيها دون “تشطيب” واجهاتها، مما يعني تحميل الكلفة على سكان كل عقار، إذ ينص قانون البناء الموحد على مسؤولية اتحاد الشاغلين في العقارات الذي يرأسه أحد السكان، عن القيام بهذا الإجراء في حال عدم وجود المالك، وذلك بالتنسيق مع الحي.

وبحسب تصريحات مسؤولي الوزارة، سيجري تحديد ألوان موحدة لطلاء المنازل من خلال لجان مُشكلة على مستوى المحافظة، على أن يتم الانتهاء من طلاء الواجهات الخاصة بهذه المباني خلال مهلة محددة، وسيكون هناك فترات سماح وبعدها سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد غير الملتزمين.

محافظ القليوبية (شمال القاهرة) كان هو أسرع المحافظين تلبية لقرار السيسي، إذ أعلن تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها المحافظة، ووجه بإلزام المواطنين بدهان واجهات العمارات والمنازل السكنية بألوان موحدة، مع فترة سماح من  ستة أشهر إلى ثمانية للتنفيذ، بعدها سيجري قطع خدمات المرافق عن البناية المخالفة. 

تحملت الدولة طلاء واجهات بنايات وسط القاهرة وتوقف العمل في منتصف الطريق لأسباب غير مفهومة (الجزيرة)

من يتحمل التكلفة
ويرى البرلماني السابق أحمد جاد في قرارات تجميل المظهر العام للبنايات، مصدر سعادة لكل محب لوطنه، لأن من شأنه تجميل المظهر العام والقضاء على العشوائية.

ولفت جاد -عضو لجنة المحليات في برلمان 2012- إلى أن الفكرة متبعة في كثير من الدول، مستدركا بالقول إن الدول الديمقراطية تبحث عن مصادر تمويل لتجميل مدنها، دون أن يتم تحميل هذه الأعباء للمواطنين.

ويؤكد جاد في حديثه للجزيرة نت أن غالبية إيرادات مصر تأتي من ضرائب ورسوم يتحملها المواطن من جيبه، وهذا الإجراء يضيف أعباء جديدة، وكان الأولى أن تتكفل الدولة بالتكاليف كما يحدث في الخارج، مشيرا إلى جملة أمور أولى باهتمامات الحكومة، منها الطرق ومشاكلها ومستلزمات المدارس والمستشفيات.

بدائل
ويوضح الفنان التشكيلي محمد طمان أن هناك العديد من الأفكار غير التقليدية المطبقة عالميا لتجميل واجهات البنايات في المدن، مثل إتاحة الخامات مجانا لشباب موهوبين في مختلف المناطق، للقيام بطلاء الواجهات بأشكال فنية، تجمل الواجهات وتكون في الوقت نفسه معرضا مفتوحا للمبدعين لإبراز أعمالهم، وتجعل من البنايات لوحات فنية تجذب محبي الفن التشكيلي من السياح، بدلا من الألوان الموحدة التقليدية الخالية من الذوق “التي لن تفيد إلا منتجي هذه الألوان وهم معروفون”، بحسب قوله.

ويستشهد طمان بتجربة نفذها الفنان التونسي “إل سيد” في شوارع منطقة منشية ناصر بالقاهرة، بطريقة شكلت لوحات مبهرة تُرى من بعيد فتمنح الناظر بهجة بصرية.

مبادرة من فنان تونسي متطوع غيرت شكل منطقة الزبالين في القاهرة (الجزيرة)

بدوره، يبين عصام عفروتو -وهو لقبه الذين اشتهر به كنقاش ماهر ومقاول تشطيبات- أن طلاء الواجهات ليس بالأمر البسيط، إذ يكلف أكثر مما تكلف الجدران الداخلية، لأن الواجهات تتعرض لعوامل التعرية والتلف من أمطار ورياح وأتربة، مما يحتاج لأمرين: أولهما بطانة من المحارة (الإسمنت والرمل)، ثم مادة طلاء جيدة تستطيع الصمود في مواجهة عوامل التعرية.

وتحتاج معظم المباني على الطريق الدائري المحيط بالقاهرة -المستهدفة الأولى بالطلاء- أولا إلى “محارة” لأنها بالطوب الأحمر الذي يمكن كذلك طلاؤه دون محارة ولكن بجودة وتكاليف أقل، في ظل ارتفاع مضطرد في أسعار خامات الطلاء.

الجانب الإيجابي في مسألة طلاء الواجهات -بحسب عفروتو في حديثه للجزيرة نت- هو رفع قيمة الشقق والعمارات.

فبحسب تقديره ربما تقترب تكاليف طلاء الجدران الخارجية لشقة متوسطة الحجم (مئة متر) من ألفي جنيه (110 دولارات).

ويقول رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري المصري محمد أبو سعدة إن بداية طلاء العقارات السكنية بلون موحد سيشمل الأماكن السياحية في القاهرة، متابعا في تصريحات صحفية أن المرحلة الأولى تشمل كذلك جميع المنازل الموجودة على جانبي الطريق الدائري.

وقد قام جهاز التنسيق الحضاري مؤخرا بطلاء واجهات بنايات وسط القاهرة بلون واحد.