Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi arrives at the 28th Ordinary Session of the Assembly of the Heads of State and the Government of the African Union in Ethiopia's capital Addis Ababa, January 31, 2017. REUTERS/Tiksa Negeri

السيسي وملف توريث الحكم لأحد أبنائه .. قراءة في المؤشرات والنتائج

في إبريل 2019م، سلطت صحيفة “التايمز” البريطانية  الضوء على مخططات التوريث التي يتبناها الطاغية عبد الفتاح السيسي، وقالت إن الجنرال وظف أبناءه الثلاثة بمناصب عسكرية ومدنية مرموقة لمساعدته في البقاء بمنصبه حتى 2030، في الوقت الذي يواصل فيه تعزيز قبضته على السلطة.وأشارت الصحيفة إلى أن الثورة المصرية عام 2011 كان من بين أهدافها منع الرئيس الأسبق حسني مبارك (90 عاما) من توريث نجله جمال (55 عاما) ومع ذلك، يُقال إن محمود نجل السيسي، وهو عميد في جهاز المخابرات العامة، كان يشرف على لجنة غير رسمية ترصد التقدم المحرز في “الإصلاح الدستوري” الذي يمهد لتمديد فترة رئاسة السيسي إلى 2030 على الأقل. أما مصطفى وهو الابن الأكبر للسيسي -وفقا للصحيفة- مسئول كبير في هيئة الرقابة الإدارية التي اكتسبت مكانة عالية في عهد السيسي، وهو يحاول تأكيد سلطته وسلطة الجيش على الأجهزة الإدارية في الدولة، بالإضافة إلى انضمام الابن الثالث، حسن وهو مسئول تنفيذي سابق في مجال النفط، إلى جهاز المخابرات. وألمح التقرير إلى دور نجل السيسي في تمرير “التعديلات الدستورية” التي تفضي إلى بقاء السيسي على رأس السلطة حتى 2030 على أقل تقدير، وأن ترقيات أبناء السيسي تثير القلق حتى بين الموالين له.

وقبل ذلك بشهرين، حذر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة من مخططات تمرير التعديلات الدستورية التي كانت تناقش وقتها في البرلمان، وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر”: “إذا سمح الشعب المصري بتمرير التعديلات الدستورية المقترحة حاليًا فليس من المستبعد نجاح السيسي ليس فقط في البقاء رئيسًا لمصر حتى عام 2034 وإنما أيضا في نقل السلطة من بعده لأحد أبنائه من العسكريين وبذلك يحقق ما عجز مبارك عن تحقيقه، فمتى ندرك أن هذه التعديلات تدخل مصر في نفق مظلم جديد؟”.

وكان مركز “يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” وهو مركز إسرائيلي بحثي مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، قد أصدر تقدير موقف في “31” يناير/كانون الثاني 2017، يؤكد فيه أن السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا.

«التوريث» إذا، يمضي وفق المخطط المرسوم يتولاه أنجال «المشير» الثلاثة مباشرة؛  تحت الإشراف المؤقت لرئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل. ومغزى تعيين «الأنجال» الثلاثة في مناصبهم التنفيذية والعسكرية العليا، وهو تيسير «التوريث»، وإبقاء «المشير» رئيسا لأطول فترة ممكنة، وهو الذي تمكن في فترة الرئاسة الأولى من إحكام قبضته على سلطات الدولة، وأمسك بمفاتيح الحكم المدني والأمني والعسكري والاستراتيجي، وقضى على كل المنافسين وعلى الاستقلال الحقيقي أو النسبي للأجهزة الرقابية والعليا والسلطة القضائية، وغير المواد الدستورية المانعة لعزل مسئوليها، وأعطى لنفسه الحق في تعيين مجلس القضاء الأعلى وعزل رئيسه وأعضاءه، وألغى ما جاء في دستور 2014 من مغاليق مُحكمة تمنع تعديل الدستور، وفَضَّ هذه المغاليق لتأبيد الحكم، وفتح باب الاستمرار المطلق في رئاسة الدولة».

دروس تجربة التوريث مع مبارك

فشل الرئيس السابق محمد حسني مبارك في إتمام مشروع توريث الحكم لنجله جمال لعدة أسباب:

السبب الثاني: وهوأهمهما على  الإطلاق أن مبارك الابن لم يكن جنرالا بالمؤسسة العسكرية التي ترى عرش مصر حقا لها تتوارثه عبر الأجيال منذ انقلاب 23 يوليو 1952م؛   فجنرالات الجيش يستنكفون عن أداء التحية لأي شخص مدني؛  فقد تربوا داخل المؤسسة العسكرية أنهم سادة الشعب وكبراء الدولة، وباقي الناس ما هم إلا خدم في بلاطهم ورهن إشارتهم؛  فكيف يتولى عرش مصر مدني يكون أعلى رتبة من قادة الجيش وجنرالاته وضباطه؟ ولعل هذا يعد أحد أسباب الترحيب المبدئي من جانب قادة المجلس العسكري بثورة 25 يناير؛  فعلى الأقل قد أسقط سيناريو توريث الحكم داخل الأسرة وأبطل مخططاته؛  كما يفسر أيضا أحد أسباب الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر؛  وفق قاعدة { قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ}. (البقرة)

 السبب الثاني: فيتعلق بحاشية رجال الأعمال التي أحاط مبارك الابن بهم نفسه، وجعلهم أهل مشورته وأصحاب الرأي والنفوذ في مجلس السياسات الذي أسسه تمهيدا لوراثة العرش؛  فقد رأى قادة الجيش في هؤلاء خطرا يهدد النفوذ الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وتهديدا للامبراطورية الاقتصادية للجيش التي ما كان ليتسامح مطلقا في التنازل عنها والتفريط في المكتسبات التي حققها الجنرالات منذ انقلاب يوليو1952 واتفاقية كامب ديفيد1979م، حيث تحول الجيش بسببهما من مقاتلين إلى (بيزنس مان)، يقاتلون الشعب بكل قواه من أجل (التكويش) على السلطة والثروة وبسط النفوذ.

السبب الثالث: هو هامش الحرية الذي تمتع به الشعب في عهد مبارك قياسا إلى الغلق التام في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو2013م، فوجود تنظيمات شعبية مدنية قوية مثل جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب والقوى الأخرى، وجسارة بعض وسائل الإعلام الخاصة، وفتحها ملفات فساد في عهد مبارك بخلاف ما تمتع به نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من حريات غير مسبوقة ليس لأجهزة الأمن ولاية عليها؛ ومسحة الاستقلال التي تمتع بها بعض القضاة والذين أصدروا أحكاما تخالف رغبات السلطة في قضايا سياسية واقتصادية؛  أفضى كل ذلك إلى الانفجار الشعبي في 25 يناير 2011 وهو الذي تم توظيفه من جانب المؤسسة العسكرية لتحقيق أهدافها ب(التكويش) على كل شيء (السلطة والثروة) حتى وإن تظاهر الجنرالات بدعم الثورة في مراحلها  الأولى والتنازل عن بعض النفوذ في مراحل مع بعد الإطاحة بمبارك، حتى تم استرداد كل ذلك بعنف عقب الانقلاب العسكري منتصف 2013م.

مخططات محبوكة

عندما سطا الطاغية عبد الفتاح السيسي على حكم مصر عبر الانقلاب العسكري الوحشي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وخليجيا من السعودية والإمارات والكويت والبحرين، فقد أدرك السيسي كل هذه الأبعاد؛  من خلال خبراته كمدير لجهاز المخابرات الحربية من جهة، وتجربته كقائد عسكري قاد انقلابا وحشيا على نظام ديمقراطي؛  فعرف دهاليز المؤامرات والمكائد والدسائس وأوكار الرذيلة السياسية داخليا وإقليميا والتي تستهدف تقويض أي مسار ديمقراطي في مصر والعالم العربي.

لهذه الأسباب والمعطيات فقد أعد السيسي نفسه من أجل امتلاك الأدوات  التي يرى أنها تمكنه من تحقيق ثلاثة أهداف يسعى إليها:

الأول: التمهيد لتدعيم ركائز الحكم؛  أملا في البقاء على رأس السلطة مدى حياته.

الثاني: ترسيخ توريث الحكم داخل الأسرة كما كان يخطط الرئيس السابق محمد حسني مبارك لنجله جمال ولكنه فشل.

الثالث: الحيلولة دون سقوط نظامه ومنع محاكمته على جرائمه الوحشية بحق المصريين بكل فئاتهم وأطيافهم؛  بخلاف إهدار ثروات البلاد على مشروعات ضخمة بلا جدوى اقتصادية مثل تفريعة القناة والعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة وغيرها؛ فالسيسي تراوده مشاهد المحاكمة والإعدام وانتقام الشعب منه ومن أركان عصابته وأسرته؛ ما يجعله في حالة  خوف دائم وفزع لا يتوقف يعبر عنه بأعلى صور التنكيل والقمع الوحشي ضد معارضيه ورافضي طغيانه. وقد علق المستشار محمد سليمان على ذلك بقوله: «أظنه لا ينام».

السيسي يعلم أن السبب الرئيس في فشل توريث الحكم لنجل مبارك أنه لم يكن جنرالا بالجيش، لأن وراثة العرش في مصر  تتم داخل المؤسسة العسكرية وليس على مستوى الأسرة أو العائلة، ولكي يضمن السيسي عدم معارضة الجيش حال تقرر تنفيذ مخططات توريث الحكم لأحد أبنائه؛   فقد ألحق ابنه محمود وباقي أولاده بالجيش ودفع بهم جميعا إلى مناصب حساسة بأجهزة الدولة السيادية.

غرْز محمود السيسي على رأس المؤسسة الأمنية الأكثر حيوية وحساسية (الرجل الثاني في المخابرات العامة وربما الأول) ليس فقط صيغة أخرى للتوريث، بل هو صيغة مباشرة لتمكين السيسي من السيطرة مباشرة على أدق تفاصيل المشهد الأمني، وهو بالضرورة يدفع بأركان السلطة إلى اتخاذ مواقف دفاعية، وربما تكون أكثر شراسة في الفترة المقبلة”. كما أن الزج بمحمود السيسي في أعماق الدولة العميقة خطوة تكتيكية محسوبة لأبعد الحدود، ليكون عين والده داخل المنظومة، وعينه على (الرعايا) خارجها، كما يمثل خط دفاع أولي للسيسي من هجوم مضاد يتوقعه، خصوصا وأن هناك مؤشرات واضحة على خطة توريث، ربما على المدى البعيد، بدليل الترقيات السريعة، ودوره في التعديلات الدستورية الأخيرة”.

أما مصطفى، فقد استخدمه والده ليكون عينه في «الرقابة الإدارية»، وهو الجهاز الذي يحظي بنفوذ واسع في أعقاب تهميش الجهاز المركزي للمحاسبات بعد الإطاحة برئيسه السابق المستشار هشام جنينة على خلفية تصريحاته حول حجم الفساد في مصر والتي اعتبرت مسيئة لنظام السيسي فزج بالرجل في السجن مهانا على قيامه بدوره الدستوري بشرف وأمانة.  وحتى حسن الذي كان يعمل محاسبا بإحدى شركات البترول جيء به إلى المخابرات العامة ليكون خبيرا ومشرفا على قطاع الطاقة بها. «أما أخاه المستشار أحمد السيسي، أحد نواب محكمة النقض، فقد بات المتحكم فعليا في المؤسسة القضائية من وراء ستار ويهيمن حقيقة على صناعة القرار بداخلها بعد التعديلات الدستورية التي عصفت بما كان قد تبقى من مسحة استقلال للسلطة القضائية».

أما ما يتعلق بالسبب الثاني في فشل مخطط مبارك في  التوريث، فليس لأبناء السيسي شلة من رجال الأعمال المدنيين كما كان الوضع مع جمال مبارك، فمحمود ومصطفى مغروزان في أعماق الدولة العميقة وأحشاء مفاصل الدولة، ويملكان صلاحيات مطلقة للهيمنة على جميع الأجهزة السيادية والأمنية والرقابية. وفي سبيل ذلك فإن السيسي يعصف بالاقتصاد المدني لتكريس إمبراطورية الجيش الاقتصادية والتي تعاظمت بشدة في أعقاب الانقلاب منتصف 2013م. وذلك ضمانا لعدم انقلاب الجيش؛   وأيضا لعدم معارضة مخطط التوريث الذي يتم على المدى البعيد؛  فتجربته علمته أن الجيش رحب بثورة يناير لإجهاض مخططات التوريث وخوفا على بيزنس الجيش من شلة جمال، كما انقلبوا على الرئيس مرسي لخوفهم من ملاحقتهم رقابيا وضم اقتصاد الجيش للموازنة العامة للدولة. لكن السيسي يضمن لهم سيطرة الجيش على الاقتصاد ومنحه صلاحيات مطلقة في مشروعات البيزنس الضخمة وبسط النفوذ لأبعد مدى.

وفيما يتعلق بالسبب الثالث في فشل مخطط التوريث في عهد مبارك، وهو ما يتعلق بهامش الحرية الذي أتاح انفجار ثورة 25 يناير، فقد عمل السيسي على مدار سنوات مع بعد الانقلاب على مسارين:

المسار الأول: هو إضعاف القوى المدنية التي كان لها حضور بارز في ثورة يناير، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية التي تتعرض لعمليات انتقام وحشي وممنهج شملت الملايين من أنصارهم، بين القتل والاعتقال ومصادرة الأموال واعتقال النساء والأطفال. كما تم إضعاف مجموعات الألتراس والتي كانت تمثل القوة الثانية في ميادين الثورة، وتم حل ألتراس أهلاوي وألتراس الوايت نايتس واعتبارهما كيانات إرهابية وتم الزج بالعشرات من عناصرها في قضايا ملفقة ولا يزالون قابعين في السجون حتى اليوم. وكذلك تم تهميش الحركات الثورية واعتقال بعض قادتها مثل حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين واعتبرت أيضا حركات إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم. ولم يقف بطش النظام عند هذا الحد بل امتد إلى الأحزاب العلمانية التي دعمت انقلابه أملا في تبوؤ العرش بعد الإطاحة بالإخوان وصاروا منبوذين النظام وأجهزته وإعلامه باعتبارهم طابورا خامسا يعمل لحساب الإخوان!

المسار الثاني: فيما يتعلق بهامش الحرية، فقد أغلق هذا الهامش تماما عبر ترسانة من القوانين المكبلة للحريات وعودة حالة الطوارئ التي يتم تمديدا كل 3 شهور منذ سنوات، والسيطرة على الإعلام وبات صوت السلطة هو الصوت الواحد المهيمن على الفضاء العام باستثناء الفضائيات التي تبث من الخارج وبعض المواقع المستقلة ومواقع التواصل الاجتماعي ويسعى النظام بكل تصميم نحو القضاء على هذه الأصوات الحرة مهما كان الثمن ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛  أملا في سد جميع المنافذ التي أدت إلى الثورة، لكن النظام يتجاهل أن عوامل انفجار الثورة لا تزال قائمة وأن الكبت والظلم كفيلان باندلاع موجة جديدة للثورة على الأرجح ستكون أكثر عنفا اتساقا مع الوحشية المفرطة التي يمارسها النظام بحق كل من شاركوا في 25 يناير، وفق قاعدة “لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه”.

لعبة علاء وجمال

«ويطرح محللون فكرة مغايرة تتمحور حول تعمد إبراز محمود السيسي حالياً كمناورة معدة مسبقاً للدفع بأحد شقيقيه إلى الواجهة لاحقاً، على غرار ما جرى مع نجلي مبارك في السابق، إذ كان الشقيق الأكبر علاء هو الأشهر على الساحة قبل أن يتوارى ليتم لاحقاً الدفع بشقيقه جمال إلى صدارة الصورة».

هذه الطرح رغم الاتفاق مع نتائجه إلا أنه ليس دقيقا، فمبارك لم يكن يتعمد إحراق نجله علاء من أجل الدفع بجمال، ولكن البروز الطاغي لأنشطة علاء وفضح أنشطته الفاسدة في الشركات وحصوله على امتيازات كبيرة أفضى إلى حرقه فلجأت الأسرة إلى جمال أملا في وراثة العرش. نفس الأمر ينطبق على محمود السيسي وأخويه مصطفى وحسن، فقد كان إعداد محمود للتوريث يمضي على قدم وساق للأسباب الآتية:

أولا: غرزه في أعمال الدولة العميقة ونقله من المخابرات الحربية إلى المخابرات العامة في 2014، ومنحه (3) ترقيات استثنائية من رائد إلى عميد متخطياً كافة الأعراف العسكرية، ودون المرور بأي دورة تدريبية واحدة في جهاز الأمن القومي؛   ما سمح له ليكون وكيلا للجهاز، وقد كان سببا مباشرا في الإطاحة باللواء خالد فوزي الرئيس السابق للمخابرات. كما أسهم في تصفية الجهاز ممن رأى منهم ولاء غير مطلق، وبالفعل أحال السيسي عدداً كبيراً منهم إلى التقاعد، وصلت إلى (119) وكيلا ومسئولا بينهم قيادات رفيعة، بالإضافة إلى سحب الكثير من اختصاصات عمل المخابرات العامة، وتقزيم دوره لصالح المخابرات الحربية.

ثانيا: بعد عملية تفكيك الجهاز بات لنجل السيسي الكلمة العليا، وأصبح يدير كافة الملفات من فندق «الفيرمونت» على الطريق الدائري بالقرب من منطقة التجمع الخامس بالإضافة إلى محل سكن والده. «ويؤكد مصادر بالجهاز أن محمود بات فعليا هو الرقم الأهم في الجهاز وأن رئاسة عباس كامل صورية مقارنة بنفوذ محمود السيسي الذي يستمده من أبيه» .

ثالثا:  بات نجل السيسي يهيمن فعليا على جميع الأجهزة الأمنية، وتولى الإشراف على عدد من الملفات الحساسة مثل سد النهضة ومواجهة مخططات الداخل ضد النظام لكنه فشل في معظمها، في ظل وجود تفسيرات ترجح عدم تعامل الجهاز مع نجل السيسي بشكل شفاف بعد المجزرة التي جرت والإطاحة بمعظم القيادات الرفيعة لحساب نجل السيسي.

وجاءت القشة التي قصمت ظهر نجل السيسي عندما حاول الإعلامي عمرو أديب خداع المعارضين للنظام معلنا عن استضافة محمود السيسي “نجل الرئيس” لكن الجميع فوجئوا بأن الضيف هو محمود سيسي آخر مديرا لإحدى سلاسل الصيدليات التي تردد أن لنجل السيسي بها علاقة. لكن أديب الذي أراد تبرئة نجل السيسي تسبب في تسليط المزيد من الضوء عليه وقد كان قبل ذلك لا يظهر للإعلام مطلقا وتوالت عمليات الهجوم على نجل السيسي.

أولا، خرج الفنان والمقاول محمد علي في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 2019 وفضح عمليات الفساد الضخمة داخل الهيئة الهندسية للجيش وداخل أسرة السيسي وأنه أشرف على بناء عشرات القصور والفيلات  لأسرة السيسي موثقا ذلك بمعلومات حساسة وشديدة الخطورة ما أفضى إلى فضح السيسي وأسرته والمؤسسة العسكرية.

ثانيا،خرج الناشط السيناوي مسعد أبو فجر والذي كان عضوا بلجنة الخمسين التي عينها العسكر بعد الانقلاب لتعديل دستور 2012م. يتهم فيه السيسي ونجله محمود ضابط المخابرات بـ «رعاية الإرهاب في شبه جزيرة سيناء للوصول إلى حكم مصر». وأوضح أن ذلك تم من خلال ضابط مخابرات كان يقوم بهندسة وتنفيذ عمليات الفوضى بعد ثورة 25 يناير.واتهم أبو فجر، السيسي ونجله بإدارة شبكة تهريب البضائع والأموال عبر الأنفاق ومعبر رفح إلى قطاع غزة، مما يدر ربحاً شهرياً يُقدر بنحو(45) مليون دولار، يأخذ السيسي ونجله منها (15)مليوناً.وأشار إلى أن السيسي أباد (14) قرية في سيناء بالقصف الجوي والصاروخي، لإجبار أهلها على الرحيل، رغم أنها ليست على الحدود. وبحسب موقع “عربي بوست” «فإن مصادر بسيناء تؤكد أن غالبية هذه الاتهامات صحيحة بالفعل، وأنهم يعرفون بمسئولية قادة بالجيش المصري عن عمليات التهريب، وأن الجيش المصري يعرف الإرهابيين بالاسم والمكان، لكنه لا يأخذ فعلاً حاسماً ضدهم حتى يستخدم ورقة الإرهاب لصالح النظام».

مناورة مكشوفة

وأمام عمليات الحرق التي تمت لمحمود السيسي، ترددت أنباء عن إبعاده إلى روسيا ليكون ملحقا عسكريا هناك لفترة من الزمن وذلك بعد سلسلة إخفاقات هددت النظام. وينقل موقع “مدى مصر”  عن مصدرين منفصلين  داخل جهاز المخابرات العامة «أن قرارًا صدر قبل أيام بندب محمود السيسي، للقيام بمهمة عمل طويلة في بعثة مصر العاملة في روسيا، وذلك بعدما أثرت زيادة نفوذه سلبًا على والده، حسبما رأى بعض المنتمين للدائرة المحيطة بالسيسي، بالإضافة لعدم نجاح الابن في إدارة عدد من الملفات التي تولاها».

وإن صحت هذه الأنباء فهي مناورة مكشوفة، لتهدئة الأوضاع والانتقادات التي تحاصر نظام السيسي. لكن التفسير الأرجح والأكثر منطقية أن السيسي أقدم على هذا القرار من أجل تهدئة حالة الغضب داخل جهاز المخابرات العامة وأن الحملة الشرسة التي يشنها الفنان والمقاول محمد علي حاليا على النظام إنما يقف وراءها قيادات رفيعة سابقة بالمخابرات العامة تم الإطاحة بها من أجل تصعيد السيسي الابن وما لاقاه من ترقيات استثنائية عصفت بجميع القواعد والأعراف.

يعزز من ذلك أن ثمة حرب شعواء بين السيسي من جهة وهذه القيادات الرفيعة بالمخابرات من جهة ثانية ويتردد أنهم من تلاميذ مدير المخابرات العامة الراحل اللواء عمر سليمان الذي أدار الجهاز خلال العشرين سنة الأخيرة من عهد مبارك. وأن هذه القيادات هي التي تقف وراء التسريبات التي بثتها قناة “مكملين” والجزيرة خلال السنوات الماضية والتي فضحت حجم الأموال التي تلقاها السيسي من الخليج نظير انقلابه على الرئيس مرسي ومسار ثورة يناير. كما أن هذه القيادات يشاع أيضا أنها تقف وراء تسريب دور محمود السيسي في مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وهو ما وضع النظام في مأزق كبير مع الحكومة الإيطالية والإعلام الدولي.

فهل يمكن أن ينجح السيسي في توريث الحكم لأحد أبنائه؟

الإجابة على ذلك تتعلق بتحقيق أمرين مهمين:

الأول نجاح البرنامج الاقتصادي الذي يقوده السيسي منذ نوفمبر 2016م، وذلك بتوفير الملايين من فرص العمل، ورفع الأجور والمرتبات بما يتناسب مع حجم التضخم الذي جرى، وتخفيض أسعار السلع والخدمات وتراجع اعتماد النظام على الاقتراض والحد من تزايد معدلات الفقر و الديون التي تلتهم  نسبة كبيرة من ميزانية الدولة.

الثاني، هو قدرة السيسي على عبور السنوات القادمة بسلام وصولا إلى 2024 وهو توقيت الاستحقاق الرئاسي مع ضرورة فتح أبواب العمل السياسي أمام القوى والأحزاب.

ويبدو من المؤشرات القائمة أن ذلك أمر بعيد المنال؛  إذا كيف يتم التوريث أصلا إذا كان نظام السيسي نفسه مهدد بعدم القدرة على البقاء لأسباب تتعلق بالفشل الاقتصادي والقمع السياسي واحتكار الجيش للسلطة والثروة؟!

على الأرجح فإن الصراع الدائر الآن بين السيسي والقوى المناهضة له داخل المخابرات وغيرها من أجهزة الدولة مدعومين بدعم من المعارضة ورافضي الانقلاب سوف تتواصل وسوف تستنزف النظام وتدفعه نحو مزيد من القمع والفشل وهو ما يمكن أن يفضي إلى سقوط النظام إما بفعل انفجار شعبي أو بفعل انقلاب مفاجئ يتم ترتيبه في دهاليز الأجهزة السيادية إذا رأت في بقاء السيسي تهديدا لوجودها ذاته أو تهديدا لنفوذها ومكاسبها الضخمة.

خلاصة الأمر، إذا نجح السيسي في القدرة على البقاء حتى 2030، فإن ذلك يعني ببساطة أن التوريث ممكن بل هو السيناريو الأكثر ترجيحا، وخلاف ذلك هو عصف بالتوريث كما جرى تماما مع مبارك الأب والابن.

تم في الخميس 21 نوفمبر 2019م