السيسى على طريق النعجة الراحلة “دوللى”!

كتب : سليم عزوز
لأن الغريق يتعلق ولو في قشة، فإن عبد الفتاح السيسي هذه الأيام تعلق في أحمد موسى فكان الاستفتاء الذي طرحه موسى على الناس عبر صفحته على “تويتر”، للوقوف على موقف الرأي العام من ترشيحه لفترة رئاسية جديدة، فكانا كمنهوك على منهوك!.

لا أستطيع أن أجزم، بأن الاستفتاء هو قرار أحمد موسى، أو أنه فكرة داهمت صاحب قناة “صدى البلد”، فبرامج “التوك شو”، يديرها سكرتير عبد الفتاح السيسي الشخصي، وهو اللواء عباس كامل، وليس صحيحاً أن الإدارة متروكة لهذا الجهاز الأمني أو ذاك، وقد يضرب كامل لخمة في هذه القضية أو تلك، فيختفي فيترك الأمر لاجتهاد أي مذيع فيحدث التضارب ليوم أو لأكثر، لكن هذا الاستفتاء لا يمكن أن نتصور أنه اجتهاد شخصي من مقدم برنامج “على مسؤوليتي” بـ “صدى البلد”، فهو على الأقل حصل على موافقة كامل عليه، والذي لم يساوره الشك لحظة، أن الأغلبية ستقوم بالتصويت بـ “نعم”!.

ولأنه من المقدر أن يفوز السيسي في هذا الاستفتاء، الذي تم طرحه على صفحة مذيع “صدى البلد” لأن أغلبية متابعيه من المؤيدين له، فكان توقيت الاستفتاء ونهايته توحي بأن “على مسؤوليتي”، “، سيفتتح هذا الأسبوع بمولد عبد الفتاح السيسي، وبحلقة ذكر له بمناسبة فوزه في هذا الاستفتاء، وليتم الرقص حتى الصباح على أنغام أغنية “النهارده فرحي يا جدعان”، ولتعويض نهاية الحفل الساهر في ليلة الانقلاب العسكري في تركيا، إذ دعا موسى عموم مشاهديه للسهر حتى الصباح معه، للاحتفال بهزيمة أردوغان، لكن في اليوم التالي ظهر كالأطرش في الزفة، وهو يقول لا نعرف ماذا جرى؟ قبل أن يتفتق ذهنه عن “تخريجة” تفيد أنه لم يكن هناك انقلاب ولا يحزنون، فما حدث مخطط من أردوغان للتنكيل بخصومه!.

هذا الاستفتاء كفكرة كاشف عن أزمة سلطة شاخت مبكراً، حتى ذكرتنا بالنعجة المستنسخة “دوللي”، التي ظهرت بعد عام من مولدها وقد ظهرت عليها علامات الشيخوخة، وبلحية بيضاء ، قبل إعلان نفوقها المبكر، وما يسري على النعجة المستنسخة يجري كذلك على السلطة المستنسخة!.

منذ أن طالبت مجلة “الإيكومونست”عبد الفتاح السيسي في تقريرها “تخريب مصر” بألا يترشح في الانتخابات الرئاسية في 2018، والمذكور في حالة هلع، مخافة أن يكون ما نشرته المجلة هو ترديد لمطلب أهل الحكم في واشنطن وضواحيها، فتم حشد الإعلام المصري الخاضع للتأميم من أجل النفخ في السيسي وتقديمه على أنه رغم فشله فإنه لا يزال يمثل حلم المصريين، ولا تزال النخبة المصرية تراه أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور.

الأشباح

فلم يعد لدى السيسي الكثير من الإعلاميين الذين يدافعون عن تجربته، فقد أقصى بعضهم، استعداداً لمرحلة التأميم الكامل بإطلاق قناته الخاصة وهي “DMC”، التي يتم العمل على قدم وساق استعداداً لإطلاقها، وهي شبكة ستطلق سبع قنوات دفعة واحدة، قالوا إن الهدف منها منافسة قناة “الجزيرة”، عندئذ قلت إنها ستموت بأسرع من “النعجة” الراحلة، “دوللي”، فكل التجارب التي خرجت بهدف منافسة “الجزيرة” فشلت، ومن قناة “العربية”، إلى “الحرة”، إلى “الحياة”!.

فمؤسسو “الحياة”، الذين لا نعرفهم إلى الآن، قالوا إنها ستكون “الجزيرة” مصر، وكانت هناك آمال عريضة في القدرة على ذلك لاسيما وقد تقرر أن يتولى أمرها إعلامي مرموق صاحب تجربة ناجحة على شاشة “الجزيرة” وهو حافظ المرازي، قبل أن يتدخل صفوت الشريف ويوقف التجربة، ويعلن أن الدولة هي المنوط بها منافسة “الجزيرة”، ولا ينبغي للإعلام الخاص أن يخرج عن إطار تقديم برامج “المنوعات”.

في هذا الوقت كان السيد البدوي شحاتة هو من يتم تقديمه على أنه صاحب قناة “الحياة”، قبل أن نعلم أن أصحابها في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤخراً نُشر أن الأجهزة الأمنية في مصر اشترت الحصة الأكبر من “الحياة” دون أن يتم الإفصاح عن أصحابها الحقيقيين فالإعلام في مصر تملكه الأشباح والقوى الخفية!.

قناة السيسي “DMC” مملوكة على الورق لرجل أعمال وصفته بعض التقارير الصحافية بـ “الرجل الشبح” أو “الرجل الغامض”، وقيل أنه بدأ حياته بائع ملابس وتاجر شنطة، قبل أن يتعرف على أحد القيادات السابقة في المخابرات الحربية، والذي عين محافظاً فتبنى المذكور، ومن خلاله تعرف على السيسي، وأدار حملته الانتخابية من مقر مملوك لقناة “سي بي سي”، المملوكة لشبح آخر، فقد هبط مصر قادماً من الكويت ليدخل مجال الإعلام، وبقوة مالية تفوق إمكانية الدول، ولا نعرف إن كان قد بدأ نشاطه في الكويت تاجراً للملابس أم لا؟.. فما نعرفه أن وزيراً ظل في موقعه قرابة الربع قرن، بأمر من سوزان مبارك، لأن لديه خبرة في خطوط الموضة، وصناعة الملابس!.

لقد أسس رجل الأعمال الغامض شركة إعلامية، قامت بشراء قناة “الناس” الدينية، وتم الإعلان ساعتها عن أن المشتري هو مفتي مصر السابق “علي جمعة”.

ويقال أن شركته تملك “راديو 9090″، وهي المحطة الإذاعية الوحيدة الخاصة، فقد كان هناك قرار بعدم السماح بتملك القطاع الخاص لمحطات الراديو، لكن هذه المحطة حصلت على الترخيص القانوني في عهد الحكم الإخواني، والمعلن ساعتها أنها مملوكة لرجل “جمال مبارك” في التلفزيون المصري “عبد اللطيف المناوي” رئيس قطاع الأخبار، وإذ قمت بشد شعري غضباً وقتها، لأن يعود المذكور بقوة وبقرار اخواني، بعد أن أجبرت الثورة المجلس العسكري على إقالته ففعل مضطراً ، فقد قيل لي ساعتها أن جهازاً أمنياً سيادياً هو من طلب منحه الترخيص. وكان هذا من أخطاء القوم فقد جاءوا ليستمر تكريس الهيمنة الأمنية على المشهد الإعلامي بالذات، وكأن ثورة لم تقم، وهى الأجهزة التي لم يكن لها أن تملك هذا النفوذ على وزير الإعلام في عهد ما قبل الثورة!.

صاحب 9090

ها هي الأيام تثبت أن «راديو 9090» ليس مملوكاً للمناوي، الذي يعمل مديراً لقناة “الغد العربي” المملوكة لمحمد دحلان!.

في يناير/كانون الثاني الماضي، نفى طارق أبو السعود رئيس الراديو المذكور، أن يكون فلول الحزب الوطني وراء تمويله. دون أن يقول ساعتها من هي الجهة الممولة بل والمالكة له، فالإخوان قالوا إنه مملوك للمناوي، وأن المخابرات من طلبت منحه الترخيص القانوني، والآن يقال إنه مملوك لهذا الرجل الشبح، وهذا يؤكد أن الملاك في الصورة ليسوا هم الملاك الحقيقيين فهم مجرد ستار للهو الخفي.

عندما تعلم أن “لميس جابر” تقدم برنامج على “راديو 9090″، وأن “هناء السمري” هي مسؤولة بقناة “DMC”، يمكنك الوقوف بسهولة على نوعية الإعلاميين المطلوبة في هذه المرحلة، وهى أن يكون عداؤها لثورة يناير ليس محل شك، وألا يضبط الإعلامي بموقف أو رأي في أي مرحلة، يثبت أن حساباته متعارضة مع توجه السيسي، أو له حسابات غير حساباته، فالسيسي لا يأنس لأصحاب وجهات النظر وإن أعلنوا انحيازهم له بالباع والذراع، وهذا يفسر ما فعلوه بمذيعة “أون تي في” “ليليان داوود”، التي قاموا بطردها خارج البلاد، و”دينا عبد الرحمن” التي طردت داخلها، بل إن من تركوا قناة “الجزيرة” والتحقوا بإعلام العسكر، وجدوا أنفسهم بعد قليل في بيوتهم!.

وفي هذا الزحام لم يبق للسيسي سوى أحمد موسى، فإبراهيم عيسى وقد أدار له الانقلاب ظهره، يحاول أن يتلمس موضع قدميه ليعود مرة أخرى معارضاً، وإذا كانت “لميس الحديدي”، ضد الثورة، فلا ينسى لها أنها عندما نجحت ذهبت إلى التحرير لتخطب ودها فطردت، كما أن السيسي ليس كفيلها العام، فهي معه شرط أن يكون الكفيل الخليجي موافقاً على استمراره في موقعه، وقد رأت رأس “ليليان داوود” الطائر، فتحولت إلى “منى الشاذلي” التي ابتعدت عن السياسة وأصبحت مذيعة منوعات، متنازلة عن وصف “المذيعة القديرة”، و”المرموقة”، و”المخضرمة”، إلى غير ذلك من ألقاب كان يخلعها عليها كبار السياسيين عندما تستضيفهم في برنامجها قبل الثورة، والذين كانوا ينافقونها بهذه الأوصاف، فلا توجد مذيعة مرموقة تتحدث من بطنها!

شروط السيسي

والحال كذلك، ولأن المصائب يجمعن المصابينا، فقد حشد السيسي رجاله على قلتهم للتأكيد على أن استمراره في الحكم هو مطلب وطني، فكان لقاؤه برؤساء التحرير، وتصريحاته التي اجتهد كل منهم في نقلها، فكما قال “ياسر رزق” في مداخلة مع أحمد موسى أيضاً أن السيسي قال إن له شروطاً لفترة رئاسية تالية، قال رئيس تحرير آخر أنه لم يضع شروطا لخوضه الانتخابات القادمة!.

ولأن السيسي في أزمة، فقد كان اللجوء إلى الاستفتاءات، وإثباتا للدقة المنهجية قال مركز “بصيرة” أن شعبية السيسي انخفضت، لتفاجأ بأن الانخفاض هو من 91 في المئة إلى 81 في المئة، وهو ما كان مثار سخرية. من ناحيته فقد تحرك أحمد موسى طالباً التصويت على استفتاء على صفحته على “تويتر” بسؤال نصه: هل توافق على ترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية، لتكون المفاجأة أن أكثر من 81 في المئة قالوا لا، بينما من قالوا نعم هم فقط 19 في المئة!.

ولم تكد نتيجة التصويت بـ “لا” تصل إلى 75 في المئة، إلا ويتم الترويج لها على مواقع التواصل بكثافة، بشكل أفقد موسى اتزانه فقام من فوره بإغلاق صفحته، ولم يكن هو وقائده فقط الذين ينطلقون من عقل مأزوم، فلأن الجائع يحلم بسوق الخبز، فقد وجدنا من بين الرافضين للانقلاب من يمني نفسه بأجهزة في الدولة ضد السيسي تعمل على إسقاطه، وأن هذه الأجهزة هى التي تقف وراء موسى واستفتائه، وهو تصور مريض، يوحي لأصحابه بأن فارسا سيخرج من بين الركام للانتصار لهم، ألم نهتف في ليلة 28 يناير/كانون الثاني عند رؤيتنا لأول مدرعة قادمة لميدان التحرير للجيش الذي جاء ليؤدب الشرطة التي قامت بالاعتداء علينا، وبعد نصف ساعة تم رمينا بأطنان من القنابل؟ فالقوات حضرت لسد الفراغ الذي خلفته الشرطة وليس لحمايتنا!.

المؤكد أن موسى والذين معه لم يكونوا يتصورون هذه النتيجة، فهم يتحركون داخل حلقة مغلقة، يتصورون أن كل من حولهم هم تعبير عن الرأي العام وبالتالي فمؤيدو السيسي هم الأغلبية بين الشعب المصري فعلا. ولهذا كانت النتيجة مفاجأة دفعته لإغلاق الصفحة سريعاً، ولعله الآن لا يسلم بأن صاحبه لم يعد مقبولا حتى داخل معسكره، وربما يعلن الآن بما يؤمن به فعلا أن الإخوان هم من قاموا بالتصويت فكانت هذه النتيجة.
إنها الدبة التي قتلت صاحبها.
***