الدراما وأعمال القتل

كتبه :ابراهيم شعبان

كان الآلاف من المصريين على ذكاء حاد ويقظة تامة، عندما ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، بصور لأبطال مسلسلات وأفلام سينمائية تحرض على العنف أو بالأحرى تقوم بتعليمه وتنشر العداوة والبغضاء ومفردات الجريمة في المجتمع، فور وقوع حادثة الإسماعيلية البشعة، عندما أقدم المتهم المحبوس الآن، والمقدم لمحاكمة عاجلة من قبل النائب العام، على ذبح زميله في الشارع والسير برأسه، وحملوا هؤلاء الممثلين مسؤولية وقوع الجريمة البشعة التي هزت الجميع، وكانت ولا تزال “حادثة فردية غريبة” على المجتمع المصري.

فالجريمة بشعة، بشكل غير متصور، وحالة التبلد التي قوبلت بها من قبل البعض، الذين كانوا يصورونها ولم يتدخلوا جماعة أو منفردين للدفاع عن القتيل، وهو يحدث في ميدان عام تثير الاشمئزاز والتساؤلات، عما فعلته الدراما بالمجتمع طوال العشر سنوات الأخيرة.

وبعيدًا عن مشاعر الغضب والحزن مما حدث في الشارع، وبهذه الصورة الوحشية، فإنه ينبغي التوقف أمام عدة ملاحظات، أولها أن جرعة العنف في الشارع المصري، وعبر بعض الحوادث الفردية الأخيرة، تؤكد أن هناك خطر حقيقي من الدراما التي تقدم ولا أقول من بعضها، بل أغلب المسلسلات والأفلام السينمائية، التي أصبحت جميعها تدور في فلك البيئات الشعبية الإجرامية أي التي حققت من خلالها أعماله الانتشار والرواج.

كما أن تحميل الجمهور العادي على فيس بوك وتويتر وتيك توك، الدراما المقدمة عبر شاشات السينما والتلفزيون المسؤولية عما حدث، ونشر صور جماعية، لمحمد رمضان وأمير كرارة ومصطفى شعبان وأحمد السقا وعمرو سعد، تؤكد أن المجتمع “متقزز وغاضب” فعلا من كثرة الأعمال الدرامية المليئة بالعنف، والتي تقدم على الشاشة للصغار والكبار معا. وكأن كل الموضوعات والقضايا انتهت ولم يبق في الواقع إلا شخصيات إجرامية ومنحطة وتجار مخدرات وتجار سلاح ومهربين، ونموذج بشع لما يسمى بـ”البطل الشعبي” الذي يطبق قانون الغاب وينتقم ويذبح خصومه بيديه؟!

وإذا راجعنا الأعمال الدرامية سواء كانت مسلسلات أو أفلام سينمائية، طوال الخمس سنوات الأخيرة، وفي رمضان الماضي على شاشة التلفزيون، لوجدنا أن أكثر من 90% منها احتوت على مشاهد عنف وقتل وضرب ودماء مقزرة، وعلاقات حرام وبشكل لم يسبق له مثيل، وكان أول من ابتدع هذه الموجة الممثل محمد رمضان في فيلمه عبده موتة وتلاه الألماني ثم مسلسلات ابن حلال والأسطورة والبرنس، وليختم ذلك كله بأغاني إنه “الملك” و”نمبر وان” ويجد صداها بين المراهقين والشباب، وإذا دققت في ألفاظ أغانيه فكلها ايحاءات مقززة وغير مقبولة ولا تخفي على أحد والأغاني كلها مذاعة.

واذا رجعنا إلى مسلسلات رمضان الماضي، نسل الأغراب وملوك الجدعنة وموسى وقبلها بعام أو عامين هوجان والنمر والحارة الشعبية والانحطاط والقبح الفني وتقديم مستوى مرعب للجريمة لتبين لنا مستوى الخطر مما يقدم على هذه الشاشات، وليس فنًا على الإطلاق، فهل هناك متعة في القتل والذبح وإسالة الدماء لأشخاص طبيعيين؟! 

إن ما يقدم على شاشة الدراما والسينما في مصر غير مسبوق عربيًا ولا عالميًا، وأمامنا المسلسلات العربية التي تعرض كل عام على الشاشات فهي في الأغلب الأعم قصص عائلية وأسرية ومشاكل مجتمعية جادة، وقبل سنوات تألقت الدراما السورية في تقديم روائع من التاريخ وقصص دينية وأعمال فنية ذائعة الصيت، منها التغريبة الفلسطينية والزير سالم و”مسلسل عمر” وسيرة الحب وصقر قريش وصلاح الدين ونزار قباني، كما اكتسحت العالم العربي الدراما التركية لسنوات عبر مسلسلات رومانسية والمشاهد الطبيعية الجميلة والخلابة، وهى إن لم توجد في “الواقع التركي” وفي الحقيقة على الأرض، فإنهم يختلقونها اختلاقا فنيًا في مسلسلاتهم وأفلامهم حتى يقدموا صورة طيبة وممتعة ومشرقة للمستقبل في أعمالهم، وأيضا أعمال مربحة ورائجة فنيًا.

إنهم يزرعون الأمل وسط مشاهديهم، فهم يخاطبون جمهورهم في الأساس وقنواتهم التلفزيونية وشاشات العرض عندهم، وعندما يُصدر العمل ويعرض عبر “الفضائيات العربية”، نكتشف ساعتها قبح الجريمة  الفنية التي ارتكبناها في حق أنفسنا بأعمال ترفع فيها السكاكين والسواطير؟!

منقول