الحكومة الليبية تُنهي هيمنة حفتر على السماء وتتسيّدها.. ما السر الذي قلَب موازين المعركة؟

عربي بوست

شوهدت طائرة حربية تابعة لقوات شرق ليبيا تقاتل حكومة طرابلس المعترف بها دوليًا بعد هبوط اضطراري على طريق في بلدة بني خداش جنوب تونس/ رويترز

هيمن سلاح الجو التابع للحكومة الليبية المعترف بها دولياً على سماء المعركة في المنطقة الغربية للبلاد، لأول مرة منذ إطلاق قوات الوفاق عملية “عاصفة السلام” في 25 مارس/آذار 2020، بعد أن كانت الغلبة وبشكل واضح لطيران اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه الدوليين، طيلة أشهر.

وهذا التطور الميداني ستكون له تداعيات عديدة على سير معركة طرابلس، التي تجاوزت عامها الأول، خاصة أن سلاح الجو لعب دوراً حاسماً في قلب نتائج عدة معارك في البلاد.

وتعتبر غارات الوفاق، التي تستهدف قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، بشكل شبه يومي منذ نهاية مارس/آذار الماضي، وتلك التي أصابت ميليشيات حفتر في المنطقة الواقعة بين مدينتَي مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) وسرت (450 كلم شرق طرابلس)، خلال الأيام الأخيرة، دليلاً على تسيُّد طيران الوفاق لسماء المنطقة الغربية، من الوشكة شرقاً إلى الوطية غرباً، على مدى يفوق 500 كلم، بحسب ما ذكرت وكالة الأناضول.

ومر الصراع للسيطرة على أجواء المنطقة الغربية بين قوات الوفاق وحفتر بأربع مراحل، منذ بدء العدوان على طرابلس، في 4 أبريل/نيسان 2019، وتتمثل هذه المراحل في:

1- حرمان حفتر من السيطرة الجوية

حاول سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق موازنة طيران حفتر والدول الداعمة له، خلال الأشهر الستة الأولى من بداية العدوان على طرابلس، أبريل/نيسان – أغسطس/آب 2019، وشن أكثر من 700 ضربة جوية، بحسب المتحدث باسم عملية “بركان الغضب” محمد قنونو (250 غارة بحسب الأمم المتحدة).

بينما شنَّ طيران حفتر والدول الداعمة له 1020 غارة جوية (ما بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني 2019)، منها 850 بطائرات مسيَّرة، و170 غارة بطائرات مقاتلة-قاذفة، بينها 60 غارة لطيران أجنبي، بحسب تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، صدر في يناير/كانون الثاني 2020.

ورغم تفوُّق حفتر في عدد الغارات الجوية بنحو 60٪ مقابل 40٪ للوفاق، فإنها المرة الأولى منذ 2014، التي يخوض فيها معركة لا يكون سلاحه الجوي مهيمناً فيها على سماء المعركة بشكل شبه مطلق، على غرار معارك بنغازي (2014-2017)، ودرنة (2018) وإقليم فزان (2019).

وتمكَّن طيران الوفاق في هذه المرحلة من القيام بعمليات حاسمة، منها قطع خطوط الإمداد الطويلة لحفتر الممتدة من قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) مروراً بمدينتي بني وليد وترهوني إلى غاية جبهات القتال جنوبي طرابلس.

كما نجح طيران الوفاق في قصف مركز غرفة العمليات الرئيسية في مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) في 26 يونيو/حزيران 2019، مما أسهم في سقوط عاصمة الجبل الغربي.

وشكَّل قصف قاعدة الجفرة الجوية، في نهاية يوليو/تموز 2019، ضربة قوية لحفتر باعتبارها مركزاً آخر للقيادة والتحكم والتحشيد والإمداد، وأعلنت قوات الوفاق حينها تدمير حظيرة طائرات مسيرة، وتحدثت مصادر إعلامية عن مقتل 6 ضباط إماراتيين في الغارة.

 2- حفتر يتسيَّد سماء المعركة

بعد ساعات من قصف قاعدة الجفرة الجوية، ردَّ طيران حفتر وداعميه بغارات انتقامية مكثفة، ولأول مرة على مطار مصراتة وكليتها الجوية، مستهدفاً حظيرة الطائرات المسيرة. وطيلة شهر أغسطس/آب، كثَّف طيران حفتر من غاراته على مطارَي مصراتة ومعيتيقة في طرابلس، بهدف إخراج طيران الوفاق من سماء المعركة.

وأسهم في معاناة طيران الوفاق تزويدُ الإمارات ودول داعمة لحفتر بمنظومات بانتسر للدفاع الجوي، ودخول مرتزقة فاغنر الروسية ميدان المعركة بخبرتهم في التحكم بالطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي، بالإضافة إلى التدريب وصيانة الطائرات.

ولم يحلّ شهر سبتمبر/أيلول 2019، حتى كادت طائرات الوفاق تختفي من سماء المعركة، التي تسيدها حفتر بدعم قوي من عدة دول، إلى غاية بداية ديسمبر/كانون الأول 2019، واستغل ذلك لتكثيف غاراته خاصة على الأحياء الجنوبية لطرابلس، مما أوقع الكثير من الضحايا المدنيين، وهو ما أشارت إليه الأمم المتحدة، التي كشفت أن 60٪ من ضحايا الغارات مدنيون.

3- منظومات الدفاع الجوي تحيّد طيران حفتر

بعد توقيع حكومة الوفاق اتفاقاً أمنياً مع تركيا، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تغيَّر الكثير من الأشياء، بعد أن أصبح للحكومة الليبية حليف قوي، وسمح لها ذلك بتنصيب منظومات دفاع جوي متطورة في كل من طرابلس ومصراتة، بالإضافة إلى استعانة حكومة الوفاق بطائرات الدرونز التركية، التي أحدثت فرقاً في سير العمليات بشكل كبير.

وجاء إسقاط طائرة “ميغ “23 تابعة لحفتر، في 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، وأسر طيارها عامر الجقم، ليؤرخ نهاية سيطرة طيران حفتر على سماء طرابلس، وما أوقعته طائراته المسيرة والقاذقة من مجازر في حق المدنيين.

وفي 28 يناير/كانون الثاني 2020، أعلنت قوات الوفاق إسقاطها لطائرة مسيرة شرق مصراتة، بصاروخ أرض- جو، معلنة بذلك سماء المدينة منطقة محرمة على طيران حفتر وداعميه.

اختفى طيران حفتر فجأة من سماء المعركة، وأصبح لا يجرؤ على الاقتراب من طرابلس ومصراتة، لكنه بالمقابل ركز على قصف مطار معيتيقة بصواريخ غراد. واستمرت هذه المرحلة من أوائل ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى أواخر مارس/آذار 2020.

4- طيران الوفاق يهيمن على الأجواء الغربية

بعد يوم واحد فقط من الاقتحام المفاجئ لقوات الوفاق لقاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، في 25 مارس/آذار الماضي، وأسرها 27 عنصراً من ميليشيات حفتر بينهم طيارون وتقنيو طيران، شن سلاح جو حكومة الوفاق هجوماً على ذات القاعدة بهدف شلّ نشاطها.

وتوالت غارات الوفاق على قاعدة الوطية، التي طالما استخدمها طيران حفتر في قصف أحياء العاصمة، أوقعت العديد من القتلى والجرحى، وتدمير آليات مسلحة، لكن أشدها وقعاً، كان تدمير 3 طائرات عسكرية من نوع سوخوي 22، كانت رابضة على الأرض، وذلك في 3 أبريل/نيسان الجاري.

وقبلها بيومين تم إسقاط طائرة مسيرة إماراتية جنوب بلدة العجيلات (80 كلم غرب طرابلس) غير بعيد عن قاعدة الوطية. وفي شرق مصراتة، لعب طيران الوفاق دوراً مهماً في صد هجوم كبير لميليشيات حفتر على منطقة أبوقرين (110 كلم جنوب مصراتة)، انطلاقاً من معاقله في الوشكة غرب سرت.

بل أكثر من ذلك تمكَّن طيران الوفاق من قصف غرفة عمليات سرت الكبرى، وقتل قائدها ونائبه وعشرات الضباط والجنود خلال أيام فقط. وعاد طيران الوفاق لاستهداف خطوط الإمداد الطويلة لحفتر، بعد أشهر من الغياب، حيث تم قصف 3 شاحنات للوقود جنوب مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، و3 شاحنات محملة بالذخيرة في منطقتي الأصابعة (جنوب غرب غريان).

وبلغ عدد غارات الوفاق على أهداف تابعة لحفتر 35 غارة، منذ 30 مارس/آذار وإلى غاية 4 أبريل/نيسان فقط، بحسب المتحدث باسم عملية “بركان الغضب”، أي بمعدل 5 إلى 6 غارات يومياً.

وبعودة سلاح الجو لحكومة الوفاق أقوى مما كان، من المتوقع أن يؤثر ذلك على سير المعارك لصالحها، لكن حلفاء حفتر يواصلون دعمه بالطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي لاستعادة السيطرة على الأجواء، مما سيؤدي إلى تصعيد الصراع بضراوة أكثر.