“الانقلاب الاقتصادي” سلاح الغرب لتركيع تركيا بعد فشل “الانقلاب العسكري”

“هذه الأمة التي لا تخاف من الدبابات والمروحيات، لن تعبأ بمثل هذه التهديدات”، كان هذا رد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للغرب بعدما تبين له وقال: “إن تركيا تتعرض لموجات عدم الاستقرار المالي المصطنعة على الرغم من عدم وجود أدنى مشكلة في معطياتها الاقتصادية ولا في قوتها الإنتاجية”.

اردوغان الذي دخل في مواجهة كلامية صريحة ولم يخف الخلافات قال: “إذا كانت المسألة تتعلق بمحاولة إجبار تركيا على تقديم تنازلات من حقوقها السيادية عن طريق تضييق الخناق عليها، فهذا شيء آخر”، وكان يرد بهذا على سفالة ترامب في تغريداته التي تشمت علنا في تدهور الليرة التركية بل ويعلن مزيدا من الضرائب على تركيا لإضعاف العملة أكثر، ما يؤكد أن هناك حرب وانقلاب اقتصادي حقيقي على تركيا مدعوم غربيا، بعدما فشل الانقلاب العسكري.

هل ينسحب اردوغان من الناتو؟

“المواجهة هي أفضل سلاح”، يبدو أن هذا هو السلاح الذي اختاره الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في المواجهة المباشرة بعدما اختار الرد على تصعيد ترامب الحرب الاقتصادي ضد تركيا بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الحديد والألومنيوم التركية وقوله إن “علاقتنا مع تركيا ليست جيدة في هذه المرحلة”.

لذلك اختار الرد بمقال في أبرز الصحف الامريكية لتصل الرسالة ليس فقط للإدارة الامريكية ولكن للشعب الامريكي ورجال الاعمال والرأي العام، بدلا من قصر ردوده الأولي على تغريداته على تويتر.
حيث كتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقالا في صحيفة (نيويورك تايمز) اليوم السبت 11 أغسطس 2018، اشبه برسالة وداع للتحالف التركي-الأميركي الوثيق الذي دام عقودا، وإعلانا صريحا لخروج تركيا من المظلة الأميركية وربما الناتو لو استمر هذا العداء والحرب الاقتصادية الامريكية لتركيا.

رسائل اردوغان لترامب والشعب الامريكي والعالم في هذا المقال يمكن تلخيصها فيما يلي:


1- قال بوضح شديد: “إذا لم يبدل المسؤولون الأمريكيون هذه النزعة الأحادية الجانب والمسيئة، فإن تركيا ستبدأ بالبحث عن حلفاء جدد”، ما قد يعني أن مقاله في (نيويورك تايمز) اشبه برسالة وداع للتحالف التركي-الأميركي الوثيق الذي دام عقودا، وإعلانا صريحا لخروج تركيا من المظلة الأميركية.

2- حدد مبدأ التعامل بين تركيا وأمريكا على “مبدأ الشراكة” وليس “مبدأ التبعية” الذي يؤمن به ترامب، قائلا: “إن لم تستطع امريكا إثبات أنها بدأت باحترام السيادة التركية، وتفهم المخاطر التي يواجهها شعبنا، فإن شراكتنا قد تكون عرضة للخطر”، وأضاف/ “يجب على واشنطن التخلي عن الفكرة المضللة التي مفادها أن علاقتنا يمكن أن تكون غير ندية وأن تتصالح مع حقيقة أن تركيا لديها بدائل، وإن عدم عكس هذا الاتجاه الأحادي وعدم الاحترام يدفعنا للبدء في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد”.

3- اردوغان سعي في مقالته عبر “نيويورك تايمز” لوضع الحقائق أمام الناخب الأمريكي بخصوص دور بلاده في الانقلاب العسكري يوليه 2016، قائلا: “الشعب التركي طالب الولايات المتحدة بإدانة هذا الهجوم بلهجة صريحة، وإعلان تضامنها مع الحكومة التركية المنتخبة، إلا أنها لم تفعل، وكان موقفها من الحادث بعيدا عن رضا الأتراك”.

4- قال بوضوح أن أمريكا تتآمر على تركيا، وأن واشنطن هي التي ستخسر، وأنه “في الوقت الذي يستمر فيه الشر في التربص بالعالم، فإن التصرفات الأحادية الجانب ضد تركيا من قبل الولايات المتحدة، حليفتنا لعقود، لن تؤدي إلا إلى تقويض الأمن والمصالح الأمريكية”.

حرب اقتصادية علنية ومفتوحة

وبدأ “الانقلاب الاقتصادي” على تركيا في صورة تدخلات اقتصادية لفرض انخفاض الليرة التركية مقابل الدولار، عبر أطراف عربية (الامارات) ودوليه (الولايات المتحدة)، في اعقاب فشل انقلاب 15 يوليه 2016، وظهرت معالمه في عشرات المواقف الامريكية الرسمية العدائية ضد تركيا.

والملفت أن انخفاض الليرة التركية جاء بسبب المضاربات والضغوط الامريكية والغربية، وبسبب الحرب الاقتصادية التي يشنها ترامب بسبب القس برانسون المتورط في محاولة الانقلاب الفاشل ومؤامرات اقتصادية أخري، لا بسبب ضعف الاقتصاد التركي.

إذا أن انخفاض العملة، لا يعني ضعف ولا قوة، ولا تعني شيء فى حد ذاتها، والقوة الحقيقية للاقتصاد هي إنتاجية اقتصاد البلد، كما أن انخفاض العملة يساعد على تصدير المنتجات المحلية وأمريكا كتير اتهمت الصين انها تخفض العملة الصينية بالقصد عشان تبيع أرخص واكتر في السوق الامريكية
ويشرح هذا الكاتب التركي “إبراهيم غراغول” قائلا إن ما يجري هو: “حرب اقتصادية على تركيا لإجبارها على الإذعان، فقد حاربوها بالانقلاب وبالإرهاب ففشلوا، والآن يطالبونها بالإفراج عن عناصر غولن، وعن القس برونسن، وحتى لو أفرجت عن القس، فلن تنتهي الحرب، لأن واشنطن تريد أن تكون تركيا “تابعة” وأن تذعن.

وتابع: “إننا نواجه حربا اقتصادية، هجوما انتقاميا، إن ما يحدث هو محاولة معاقبة تركيا لأنها لم تركع. ومن الواضح أن جميع قرارات “العقوبات” المتتالية ذات بعد سياسي، فالدول والأوساط التي خططت لهجوم 15 يوليو ونفذته، قدمت الحماية لمن أطلقوا النار على أبناء الشعب التركي تلك الليلة، وهي الآن تريد التضحية كذلك بمن أطلقوا شرارة الدفاع عن هذا الوطن”.

وخسرت العملة التركية أكثر من ثُلث قيمتها منذ بداية العام، وسط ضغوط متزايدة على الحكومة لرفع سعر الفائدة، والخلافات بين تركيا وأميركا، وتوقع بنك غولدمان ساكس الأميركي أن يستمر تراجع الليرة، ليصل إلى 7.1 ليرة مقابل الدولار بدلا من 5.6 دولار حاليا.

لذلك أعلن أردوغان «الكفاح الوطني» في وجه «الحرب الاقتصادية» التي تشن على أنقرة، قائلا: «إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف وحولوها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني».

وتوقع الرئيس التركي انتصار بلاده على «الحرب الاقتصادية» التي تُشن ضدها، قائلاً إن تركيا تدرك «جميع المؤامرات التي تُحاك ضدها”.

وتشهد تركيا حاليا مشروعات ضخمة كالأنفاق والجسور والمطارات بكلفة إجمالية تزيد عن 138 مليار دولار، ووعدت الحكومة بالانتهاء منها مع الاحتفالات بمئوية الجمهورية التركية، عام 2023.

ومعظم المشروعات العملاقة يتم منحها لشركات محلية وعالمية على مبدأ BOT ليعاد استثمارها من قبل الحكومة التركية بعد انقضاء فترة العقد، كما زادت الحكومة التركية من ميزانية الدفاع والأمن لعام 2018 بنسبة 31% مقارنة بعام 2017، لتصل إلى نحو 23 مليار دولار.

ايضا اتهمت الخارجية التركية ادارة ترامب بانها تفتقد للرزانة، وقالت في بيان، ردا على قرار ترامب بخصوص زيادة الرسوم الجمركية على الصادرات التركية، إنّ «فرض الرئيس الأميركي (دونالد) ترامب ضرائب إضافية على صادراتنا من الفولاذ والألومنيوم لا يمكن أن يتوافق مع رزانة دولة».

وقالت أن ضغوط أمريكا لن تثنيها عن عدم اتباع الاوامر الامريكية فيما يخص العقوبات علي ايران او اطلاق قس امريكي متهم بالتورط في انقلاب يوليه 2016، قائلا أن على الولايات المتحدة «أن تعلم أنها لن تحقق أي نتائج بخصوص التعاون، عبر مثل هذه العقوبات والضغوط، وأنها ستُلحق الضرر فقط بعلاقاتنا الحليفة، التي اكتُسبت بعد اجتياز اختبارات قاسية».

وعلي عكس جبهة الانقاذ في مصر التي دعمت انقلاب السيسي دعا زعيم حزب الحركة القومية المعارض في تركيا، دولت باهجة لي، لدعم حكومة اردوغان وقال أنّ سبب ارتفاع سعر العملة الأجنبية أمام الليرة التركية ليس اقتصادياً؛ بل لأسباب سياسية وابتزازات دبلوماسية.

وأضاف: “نحن لم ولن ننحني أمام هذا الأمر فالهدف من وراء رفع سعر العملة الأجنبية هو النيل من بلادنا، واستكمال ما لم يتحقق في المحاولة الانقلابية الفاشلة». ودعا المواطنين الأتراك للتكاتف من أجل مجابهة الارتفاع غير الحقيقي لسعر العملة الأجنبية، وتحويل العملات الأجنبية إلى الليرة التركية، قائلاً: «إن الليرة التركية هي من سُمعتنا وعفَّتنا، وهي مصدر احترامنا ومستقبلنا، ورمز لاستقلالنا، لنكن عوناً لعملتنا الوطنية».

وأوضح باهجة لي أن الولايات المتحدة الأميركية تمارس الإرهاب الاقتصادي، متذرعه بالقس الأميركي أندرو برانسون.