الاستثناء العربي وليس الاستثناء التونسي

بقي أسبوعان لنتأكّد من نهاية الاستثناء التونسي، فإذا لم يجتمع مجلس النواب التونسي يكون الرئيس الشعبوي، قيس سعيّد، قد أتم انقلابه. وحتى لو عاد المجلس، فإن التجربة قد كسرت وتظل مهدّدة في أي لحظة أمام رئيسٍ ينكر مبادئ الديمقراطية والدستور والمؤسسات، ولا يؤمن إلا بأفكاره التي تشبه، إلى درجة كبيرة، أفكار دكتاتور ليبيا المخلوع معمّر القذافي. وواضحٌ أنّه مستعد لاستخدام أقسى درجات العنف مع خصومه السياسيين، ولا يتورّع عن ممارسات أي دكتاتور، فالمعارضة لم تُبد أي مقاومة، لكن الاعتقالات خارج نطاق القانون لم توفّر أحداً.

نحن أمام استثناء عربي مستمر منذ عقود، فالديمقراطية لا مكان لها من المحيط إلى الخليج، دول كانت دوننا ديمقراطياً، سواء في أوروبا الشرقية أم أفريقيا أم العالم الإسلامي تقدمت أشواطاً علينا. أكبر بلد إسلامي، إندونيسيا، شهد تحولاً ديمقراطياً، ومنذ عام 1997 وهو ينافس على أن يكون خامس اقتصادي عالمي خلال عقد. في المقابل، لم تصمد تجربة التحول الديمقراطي في مصر أكثر من عام، تونس قاومت عقداً كاملاً وانهارت.

عنون الكاتب جيمس فيرغسون في “فايننشال تايمز” مقاله “الاستياء من الديمقراطية في الشرق الأوسط”، في محاولة لتفسير انقلاب قيس سعيّد: “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الناس في الشرق الأوسط مختلفون عن بقية البشر في تفضيل الحرية وسيادة القانون على الديكتاتورية. لكن العقد الماضي أظهر أيضاً سذاجة أولئك الذين كانوا يأملون في أن تترسخ الديمقراطية بسهولة في جميع أنحاء المنطقة. وبدلاً من ذلك، أكدت الأحداث مدى صعوبة قيام انتخابات حرّة بتأسيس حكومات مستقرّة في البلدان التي حالت فيها عقود من الديكتاتورية دون ظهور المؤسسات الأخرى التي تجعل الديمقراطيات تعمل: المحاكم المستقلة، ووسائل الإعلام الحرّة، والخدمة المدنية المهنية، والسكان المتعلمون (في وقت الثورة المصرية، كان حوالي 26 % من السكان أميين)”. ويخلص الكاتب إلى أنّ “تجارب الديمقراطية فشلت في حل مشكلات الشرق الأوسط، ولكن من غير المرجّح أن تكون الاستبداد المتجدد أكثر فعالية”.

لسنا الصين، لا توجد نجاحات اقتصادية للدول العربية تبرّر غياب الديمقراطية. الاستبداد في بلادنا يراكم فشلاً اقتصادياً وتنموياً وسياسياً، ولا فرصة أمام الشباب غير الهجرة في ظل انسداد الأفق أمامهم، وفي “فورين بوليسي” نشر مقال عن لبنان، لكنه يصلح للتعميم عربياً، مع فارق في النسب فقط. من المقال: “يقول الخبراء إن الطفرة الحالية في هجرة الأدمغة سيكون لها تأثير دائم على بلدٍ يعاني من أزمات لا تعد ولا تحصى. سوف يؤدي هروب رأس المال البشري إلى تفاقم انهيار الاقتصاد المنهك بالفعل ويعيق انتعاشه. ولكن مستويات اليأس مرتفعة للغاية، إلى درجة أن 77% من الشباب اللبناني يرغبون في الخروج، بحسب أحد الاستطلاعات. في الواقع، في العالم العربي، يأتي الشباب اللبناني على رأس قائمة الذين يرغبون في الهروب من بلدهم، متقدمين على 54% من معاصريهم في سورية المنكوبة بالحرب، و58% من الشباب الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. وبحسب بعض التقديرات، غادر 20% من الأطباء اللبنانيين، أو يخططون للمغادرة، منذ الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد عام 2019. وأغلقت مئات الصيدليات أبوابها، ما جعل الصيادلة عاطلين. يتواصل النزوح الجماعي المستمر لموظفي الرعاية الصحية، مثل الممرّضات. وقد اجتذبت دول الخليج المئات منهم. قالت ريتا حويك، اختصاصية العلاج الطبيعي، إنّ مستشفاها في طرابلس شهد عشرات الاستقالات، ذهبوا إلى السعودية وقطر وكندا. وفي أي مكان عليهم إرسال الأموال إلى ذويهم في الوطن”. ويضيف المقال “يقال إن نصف دزينة من المهندسين يبحثون عن خطابات توصية من رؤسائهم يومياً للتقدم لوظائف خارج البلاد. وأكثر من 1500 من أعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعة الأميركية في بيروت التي تضم المركز الطبي في الكلية، انسحبوا على مدار العامين الماضيين، وفقاً لتقرير صادر عن معهد الشؤون العالمية الحالية. وتعمل شارلوت كرم، وهي أستاذة مشاركة في الجامعة، على تمكين المرأة في المنطقة، وهي من هؤلاء. وتقول إن 40% من زملائها قد استقالوا، وإن الأرقام سترتفع هذا العام. قضايا شخصية ومهنية ومالية عديدة أثارتها الأزمة الاقتصادية جعلتها تغادر لبنان، على الرغم من حبها له”.

… تجربة لبنان قابلة للتعميم، يحبون أوطانهم، لكنهم لا يقدرون على البقاء فيها. وهذا استثناء عربي على مستوى العالم.