الإيثار طريقك إلى الفلاح

كتب : فضيلة الشيخ / أحمد عبدالعزيز
أولًا: الإيثار لغة: مصدر قولهم آثره عليه يؤثره إيثارًا
بمعنى فضّله وقدّمه وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء. وفي التّنزيل:

“لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا “(يوسف/ 91)، وضدّه الأثرة من قولهم استأثر بالشّيء انفرد به أو اختصّ به نفسه وفي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم للأنصار:
« إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ» البخاري.
ثانيًا: اصطلاحًا:

قال القرطبيّ: الْإِيثَارُ: هُوَ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ وَحُظُوظِهَا الدنياوية، وَرَغْبَةٌ فِي الْحُظُوظِ الدِّينِيَّةِ. وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ، وَتَوْكِيدِ الْمَحَبَّةِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ. ( تفسير القرطبي)
ثالثًا:درجات الإيثار:
الأولى:

أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرم عليك دينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يفسد عليك وقتًا، يعني أن تقدّمهم على نفسك في مصالحهم فيما لا يضر بدينك.
الثّانية:

إيثار رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطّول والبدن.
الثّالثة:

أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنّه هو الّذي تفرّد بالإيثار لا أنت.( مدارج السالكين) رابعًا: بعض الآيات الواردة في «الإيثار»:قال تعالى:” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ“( الحشر: 9)،
وقال تعالى: “فَأَمَّا مَنْ طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى. وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى“( النازعات: 37 : 41) خامسًا:
بعض الأحاديث الواردة في الإيثار:
– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ”(الحشر: 9) البخاري

2- عن ابن أسيد الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، وَدَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَدَارُ بَنِي سَاعِدَةَ» وَاللهِ لَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا بِهَا أَحَدًا لَآثَرْتُ بِهَا عَشِيرَتِي» البخاري 3- عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» البخاري/ (أرملوا) من الإرمال وهو فناء الزاد وقلة الطعام أصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة. (في إناء واحد) أي اقتسموه بمكيال واحد حتى لا يتميز بعضهم عن بعض. (بالسوية) متساوين. (فهم مني وأنا منهم) طريقتي وطريقتهم واحدة في التعاون على البر والتقوى وطاعة الله عز وجل ولذلك لا أتخلى عنهم.
سادسًا: بعض الآثار والمواقف الواردة:
1- إيثار الأنصار للمهاجرين – رضي الله عنهم.

2- عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. (إحياء علوم الدين)
3- عن حذيفة العدويّ، قال: «انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين» (إحياء علوم الدين)
4- عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأس شاة، فقال: إنّ أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى تداولها أهل سبعة أبيات حتّى رجعت إلى الأوّل فنزلت وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9).( الدر المنثور)
سابعًا:من فوائد (الإيثار):
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.

(2) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضوانه.
(3) حصول الألف