الانتحار
الانتحار

الإنتحار .. ناقوس خطر يدق فى مصر ، فما السبب ؟

نطالع في وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة و المقروءة باستمرار بأخبار حوادث الانتحار التي تحدث بين الحين والآخر في مختلف محافظات مصر والحقيقة أنّ المؤشّرات والإحصاءات تدلّ على أنّ حوادث الانتحار تزداد بصورةٍ كبيرة في مجتمعاتنا ، وحصر موقع #نافذة_دمياط عدد حالات الانتحار فى محافظة دمياط خلال العام الجارى إلى «٥» حالات كلهم من الشباب .
فيما تم إنقاذ «٣» حالات محاولات للانتحار فى مياه النيل بدمياط فى عام 2020 .

فما هو الدافع للانتحار؟ وما هو حكمه شرعًا؟ وكيف تتم محاربته؟ هذا ما نعرفه فى التحقيق التالي .

*الدافع وراء الانتحار :

إن الأوضاع الاقتصادية لها تأثيرها على اتجاه بعض الأشخاص للانتحار، وخلال السنوات القليلة الماضية تزايدت معدلات الانتحار، نتيجة أن بعض الأشخاص لديهم ظروف معيشية لا يستطيعون تحسينها، أو مشاكل لا يقدرون على حلها.

ويقول علماء النفس أن الراغب في الانتحار، هو شخص لديه حالة اكتئاب شديدة إنه إنسان تكون لديه أفكار انتحارية مسيطرة عليه، لهذا يلجأ الى الانتحار، وبعض الأشخاص تكون لديهم حالات مرضية عضوية مزمنة، وحين لا يجدون تحسناً، ويشعرون بعدم استجابتهم للعلاج، والأمور تتدهور، ولا يجد تحسناً لهذا يبحث عن شخص يقتله.

البعض يبحث عن الانتحار لمجرد الفراغ، يجد نفسه في البيت بلا عمل، أو هدف، يقرر التخلص من الحياة”، لافتاً الى أنه “في الدول الاسكندينافية تسجل أعلى نسب الانتحار في العالم، ولكن في الشرق الأوسط، ليست كل الحالات التي تذهب للمستشفيات تسجل، تجنباً لمشاكل اجتماعية، وعدم إدخالهم في مشاكل أسرية أو قانونية”.

وبينما يربط قطاع من المصريين بين حوادث الانتحار والظروف الاقتصادية الصعبة، تقول الدكتورة رحاب العوضي، أستاذة مساعد علم النفس السلوكي إن “أكثر مسببات الانتحار هي المخدرات والمرض النفسي، الاكتئاب بأنواعه، الحاد وثنائي القطبين، ثم بعد ذلك التفكير السلبي، وضعف الوازع الديني وغياب فكره الأمل والمكسب والخسارة لدى البعض”.

*إحصائيات مصرية:
كشفت إحصائية صادرة عن المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة عن تزايد أعداد الشباب المصريين المنتحرين بسبب العنوسة والبطالة، حيث أقدمت حوالي 2700 فتاة على الانتحار سنويًا بسبب العنوسة، فضلا عن إقدام العديد من الشباب على الانتحار أيضا بسبب البطالة وصعوبة الزواج، خصوصًا ممن يعيشون قصصا غرامية.

*أكثر الأعوام تسجيلا لحالات الانتحار :
في عام 2007: أظهرت دراسة مصرية أن هناك 3708 حالات انتحار وقعت في مصر خلال العام، وأن نسبة المنتحرات من الإناث كانت أكثر من الذكور لتصل إلى 68 في المئة للإناث مقابل 32 في المئة للذكور، وسبق أن سجلت إحصائيات المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة وقوع 2355 حالة انتحار بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و23 عامًا خلال عام واحد طبقا للإحصائيات الرسمية.

عام 2009: شهد محاولات للانتحار في مصر بلغت 104 آلاف حالة، تمكن‏ 5‏ آلاف منهم في التخلص من حياتهم‏. وتقول الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن جريمة الانتحار في مصر، أصبحت ظاهرة خطيرة تتصاعد يوما بعد يوم.

وشهد عام 2011 نحو 18 ألف حالة محاولة انتحار وصلت إلى مركز السموم خلال العام، أغلبهم من الرجال. وتشهد مصر سنويا نحو 3 آلاف حالة محاولة انتحار لمن هم أقل من 40 عاما، فيما تقول تقارير أخرى إن خمسة أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الانتحار بهدف التخلص من مشكلاتهم.

وبحسب تقرير لـ«المؤسسة العربية لحقوق الإنسان» فيما بلغ عدد حالات الانتحار في الـ 6 شهور الأولى من هذا العام 2021 حالة.
وقال المدير التنفيذي للمؤسسة، إن التقرير يغطي حالات الانتحار في ثلاثة شهور من الفترة من أبريل حتى يونيو2021 وإن عدد حالات الانتحار في الـ 6 شهور الأولى من عام 2021 بلغ 201 حالة.
وحسب التقرير، جاء شهر مايو الأعلى في هذه الفترة بـ 36 حالة بنسبة 64.36 ٪ يليه شهر يونيو بـ 29 حالة بنسبة 33.3٪ ثم شهر أبريل بـ 22 حالة انتحار بنسبة 25.28٪.

*في الترتيب الدولي:
وبالرجوع لمعدلات الانتحار على مدار السنوات الماضة، نجد أن معدلاته المرتفعة عام 2016، واستمر المعدل في الارتفاع إلى أن احتلت مصر المركز 96 عالميًا من حيث حالات الانتحار بين صفوف الشباب، حيث تجاوز عدد المنتحرين سنويًا 4250 منتحرًا، وفق دراسة أجرتها الصحة العالمية عام 2017.

*الفئات العمرية الأكثر اقبالا على انتحارا:
وفقا لكتاب “شهقة اليائسين” للكاتب الصحفي د. ياسر ثابت الذي يرصد فيه الانتحار في مصر والوطن العربي، أن الفئة العمرية الأكثر إقبالاً على الانتحار في مصر هي ما بين 15 و25 عاما، حيث تبلغ نسبتهم 66. 6 في المئة من إجمالي عدد المنتحرين في كل الفئات. تأتي بعد ذلك نسبة المنتحرين من المرحلة العمرية ما بين 25 و40 عاما، حيث تمثل النسبة الأكبر لانتحار الرجال.
02:40

ومعظم حالات انتحار الرجال في هذه المرحلة العمرية ترجع إلى الظروف الاقتصادية وعدم القدرة على الإنفاق على الأسرة.

المرتبة الثالثة في إحصائية المنتحرين جاءت ممثلة في الفئة العمرية من 7 إلى 15 عاما. وكانت البنات المنتحرات في هذه المرحلة ثلاثة أمثال الأولاد. وبلغت نسبة هؤلاء الأطفال المنتحرين 5.21 في المئة من إجمالي المنتحرين في مصر.

*طرق الانتحار:
ووفقا لكتاب “ثابت”؛ فطرق الانتحار تختلف بين النساء والرجال، إذ إن 90 في المئة من النساء يستخدمن في انتحارهن الأقراص المنومة أو سم الفئران أو إلقاء أنفسهن من أماكن شاهقة أو في النيل، بالإضافة إلى لجوئهن إلى حرق أنفسهن.
أما الرجال في مصر فإنهم ينتحرون عادة بالشنق أو قطع شرايين اليد أو إطلاق النار على أنفسهم أو الحرق أو حبوب الغلال والقاء أنفسهم من أعلى المبانى.

*بين النفي والتكتم: ماذا فعلت الدولة؟

أمام هذه الأرقام وغيرها الكثير، نجد أن الحكومة المصرية لا تتعامل بشفافية مع هذه الظاهرة، فلا تصدر وزارة الصحة أو الداخلية (الجهتان المنوطتان بتسجيل حالات الوفاة) إحصاءات واضحة بعدد حالات الانتحار، كل ما تفعله الخروج بتصريحات عدة تنفي صحة الأرقام المتداولة عن معدلات الانتحار أو مقارنتها بمعدلات الانتحار عالميًا، لتؤكد انخفاض تلك المعدلات في مصر في تسطيح للأمر يدل على عدم الجدية في معالجة الظاهرة من ناحية، ويفتح الباب من ناحية أخرى أمام اجتهادات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني في تقدير حالات الانتحار.

لعل أبرز الأمثلة على طريقة تعامل الدولة المصرية مع هذه الظاهرة، اكتفاء المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بالرد على تقرير منظمة الصحة العالمية عن الانتحار عام 2016، وتأكيده أن معدل الانتحار في مصر من المعدلات المنخفضة جدًا على مستوى العالم، وأن مصر تحتل المركز 150 من أصل 183 دولة، دون اتخاذ أي محاولة جادة للتعامل مع الظاهرة.

*التفسير النفسي:

ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” من القاهرة، إن النسبة الأكبر ضمن حوادث الانتحار حول العالم عادة ما تكون في صفوف “المراهقين”؛ نظراً لما يعرف بحالة “تدهور سن المراهقة”، وما يعانونه من اضطرابات قد تدفع بعض الشخصيات إلى محاولة الانتحار.

ويوضح فرويز أن “أصحاب الشخصية العصابية في صفوف المراهقين، هم الأكثر إقداماً على التفكير في الانتحار، وهم عادة شخصيات سريعة التوتر، وعادة ما تظهر عليهم علامات ذلك التوتر (الصداع وقضم الأظافر وإحمرار الوجه والاضطراب بشكل عام.. إلخ)، ومع تعرض أصحاب الشخصية العصابية إلى صدمة أو ضغوط مادية أو عاطفية أو ما شابه قد يفكرون في الانتحار”.

ويردف: “عادة ما تكون محاولة الانتحار الأولى بالنسبة للمراهقين أصحاب الشخصية العصابية هي الأعنف، وقد يقومون بتكرار المحاولة من جديد لكن بشكل أقل خطورة حال تعرضهم لضغوطات مماثلة”.

*هل المنتحر كافر ؟
الانتحار من أكبر الكبائر، وقد قال الله جل وعلا: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء:30] وقال النبي ﷺ: من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة.
فالانتحار من أقبح الكبائر، لكن عند أهل السنة والجماعة لا يكون كافراً إذا كان مسلماً يصلي معروفاً بالإسلام موحداً لله عز وجل مؤمناً به سبحانه وبما أخبر به، ولكنه انتحر لأسباب إما مرض شديد وإلا جراحات شديدة وإلا أشباه ذلك من الأعذار. فهذا الانتحار منكر وكبيرة من كبائر الذنوب ولكنه لا يخرج به من الإسلام، إذا كان مسلماً قبل ذلك لا يخرج بالانتحار من الإسلام بل يكون تحت مشيئة الله  كسائر المعاصي، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة بإسلامه وتوحيده وإيمانه وإن شاء ربنا عذبه في النار على قدر الجريمة التي مات عليها وهي جريمة القتل، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة، أما إذا كان ليس بمسلم لا يصلي أو يستهزئ بالدين أو يعبد القبور ويتعلق بالأموات ويدعو الأموات ويستغيث بهم هذا لا يدعى له وليس بمسلم في الظاهر وأمره إلى الله نسأل الله السلامة والعافية. [فتاوى بن باز]

*الصلاة على المنتحر :
ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه ؛ لأن هذا الترك ليس لأنه كافر خارج من ملة الإسلام بل هو لبيان تغليظ فعله ، وليعتبر الأحياء بهذا ، ومثله ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة – في أول الأمر – على المدين للأسباب نفسها ، ولذا فإنه يشرع لخاصة الناس ترك الصلاة على قاتل نفسه – المنتحر – كما تركها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز ترك الصلاة عليه بالكلية ، بل يُصلَّى عليه ، ويُدعى له بالرحمة .
02:40

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ الله عنْه قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ .
رواه مسلم و الترمذي .
وقال – بعده – : ” واختلف أهل العلم في هذا ، فقال بعضهم : يصلَّى على كل مَن صلَّى إلى القبلة ، وعلى قاتل النفس . وهو قول الثوري و إسحق ، وقال أحمد : لا يصلِّي الإمام على قاتل النفس ويصلِّي عليه غير الإمام ” .

وهذه الأحاديث التي ذُكر فيها امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على هؤلاء ليس أنه لا تجوز الصلاة عليهم ، وإنما هو تغليظ من النبي صلى الله عليه وسلم ليُري الأحياء عِظَم الجنايات، والدليل على ما قلناه : قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُم ) فلو لم يجز الصلاة عليه لما أمرهم بالصلاة عليه.

*موقف الأزهر الشريف:
قامت مؤسسة الأزهر الشريف إلى إطلاق حملة «لا تيأس لا للانتحار». وجاء في نص حملة الأزهر: «أنت غالٍ علينا ونحن جميعا نُحبك لا تيأس، أو تقنط، أو تفقد الأمل أبدا؛ بل واجه الحياة بيقين في كرم الله، وبقوة وصلابة، وتجاوز تحدياتها وعقباتها، وسيأتي يوم عليك تتذكر فيه أيام المِحَن بعد أن وفقك الله في تجاوزها، وستكون مجرد ذكرى. فقط، اصبر، وحاول، وظن في الله خيرا. وأعرف قيمة عمرك، وإعلم أن لك دورا ورسالة في الحياة لن يقوم بها غيرك، وأننا جميعا نُحبُّك».
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية أن «وجود الشَّدائد والابتلاءات سُنّة حياتيّة حتميّة، لم يخلُ منها زمان، ولم يسلم منها عبد من عباد الله؛ بَيْدَ أنها تكون بالخير تارة، وبالشَّر أخرى، بالعطاء أوقاتا، وبالحرمان أخرى، وإن كان الابتلاء يحمل الشَّر من وجه، إلا أنه يحمل الخير من وجوه إذ لا وجود لشرٍّ محض، ويستطيع ذوو الألباب والبصائر أن يُعددوا أوجه الخير في كل محنة».
وطالب «من لديه سؤال أو استفسار أو يحتاج لمن يستمع إليه، ويقدم له مشورة ونصيحة صادقة، ودعما نفسيا ومعنويا؛ بالتواصل مع المركز، وأنه يستقبل الاتصالات كما يستقبل الزيارات، ويعقد مقابلات للشباب مع أعضاء المركز في مقر وحدة بيان في مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مشيخة الأزهر الشريف».