إلامَ يدعو محمد ﷺ؟

ما القبيح أو الرذيل الذى جاء به نبينا محمد ﷺ حتى يسبوه ويعيبوه ويرسموا له «الكاريكاتير» الساخر؟ وحتى يعاديه القادة الغربيون ورؤساء الدين عندهم؟ أبدًا والله لم يأت بهذا ولا ذاك، بل لم يأت إلا بكل خير بما يضمن للبشرية سلامها وسعادتها، شهدت بذلك زوجه –وهى أدرى الناس بصفاته- قبل مبعثه فقالت له: (كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق)، أما المهمة التى كلفه الله بها بعد بعثته فهى الرحمة والبشارة والنذارة للناس أجمعين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ: 28]، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]، أما هوﷺ فقد لخَّص تلك المهمة الرسولية بقوله: (إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق).

ولو كان محمدٌ ﷺ مخادعًا –وحاشاه أن يكون كذلك- فما قولهم في صحابته وتابعيه الذين حملوا مشعل النور من بعده واعتنقوا منهجه، وقد تحدثوا عن هذا «الفكر المحمدى» بعفوية بالغة ومن دون تزيين، واسمعوا لما قاله «جعفر بن أبى طالب» -رضى الله عنه- للنجاشى تعريفًا بهذا الدين الذى أتى به محمد ﷺ، قال: (أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهليَّة؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسىء الجوار، يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نَسَبه وصِدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده ونخلَع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرَّحم، وحُسْن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذْف المحصنة، وأمرَنا أن نعبد الله وحده لا نُشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. وعدد عليه أمورًا أخرى من محاسن الإسلام).

واسمعوا أيضًا لذلك البدوى المسلم «ربعى بن عامر» وهو يتحدث إلى أكبر قادة الجيوش العالمية وقتها عن هذا الدين فيقول: (الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام).

إذًا بماذا نفسِّر هذا الهجوم على النبى الخاتم ﷺ الذى لم يدعُ يومًا إلى ضلالة، وقد بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة وأكمل الله به الدين، في حين يبشِّر القائد الدينى لهؤلاء المهاجمين مؤخرًا بـ«قبول الكنيسة للشواذ وحقهم في تكوين أسر؛ لأنهم أبناء الله» فلا يلومه أحد؟ الجواب: هو الحقد على هذا الدين، والخوف من زحفه فتنقطع بذلك مصالحهم وشهواتهم، يقول الشهيد سيد قطب: (إن أوربا، شرقها وغربها وامتدادها في أمريكا، تكره الدين كله وتنفر من العقيدة في الله ومن سيطرتها على واقع الحياة، وفوق كل ذلك تكره الإسلام بصفة خاصة، وترصد له من وسائل الحرب ما لا يخطر على بال، والسبب في ذلك هو خشية الجاهلية على كيانها وشهواتها وانحرافاتها من ذلك النور الجديد)، ويقول الدكتور مراد هوفمان: (لقد أمضيت أربع سنوات من عمرى مديرًا إعلاميًّا لحلف الأطلنطى، ورأيت كيف يخططون لإبادة الإسلام).

وذلك الخوف هو ما ألجأهم إلى الكيد للمسلمين، والافتراء عليهم، فقامت طائفة منهم، هم قادتهم، بتشويه الإسلام والطعن عليه حتى تصورت شعوبهم الإسلام شيطانًا مريدًا، فهم يقفون في وجه أى محاولة لوحدة المسلمين، يقول «أرنولد توينبى»: (إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ)، ويسعون بشتى السبل إلى إفساد المسلمين وتدمير أخلاقهم، والتشكيك في دينهم، ويحرصون على إبقائهم متخلفين، ويجاهدون لصناعة ديكتاتوريات تعمل لصالحهم. يقول المستشرق الأمريكى «وك سميث»: (إذا أُعطى المسلمون الحرية في العالم الإسلامى وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها)، ويقول «كرومر»: (سنرحل عن مصر وسنحكمها برءوس مصرية وفكر أوربى)؛ من أجل ذلك فهم يتبنون المنافقين والعلمانيين والملاحدة، ويغدقون عليهم بالقليل والكثير.

إننا لا نشك في انضواء الدنيا كلها يومًا تحت لواء الإسلام مهما كادوا له واعترضوا مسيرته؛ لقول النبى ﷺ: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل؛ عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر)، ولا ننكر أن في القوم عقلاء يبينون لهم الحق، من أمثال الشاعر الفرنسى الشهير «ألفونس لامارتين»، المعروف برائد الرومانسية، والذى أنصف النبى ﷺ بقوله: (من ذا الذى يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟! ومن هو الرجل الذى ظهر أعظم منه، عند النظر إلى جميع المقاييس التى تقاس بها عظمة الإنسان؟! أعظم حدث في حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيه من عظمة وخلود. أى رجل أدرك من عظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد، وأى إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التى تتخذ وساطة بين الخالق والمخلوق)..

لكن مما يدعو للأسى هو أن القادة الغربيين الموتورين حرموا أجيالًا من شعوبهم هذا النور، وصدوهم عن التعرف على ذلك الدين القادر على إخراجهم من التيه الذى يعيشون فيه؛ ما يحتم على المسلمين العمل الجاد لاستنقاذ هذه النفوس الشاردة من النار.