أنواع النعم

” النعم ثلاثة، نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها “.
ولأن أية نعمة إذا شكرتها قيّدتها، فإن كفرتها خسرتها، وبالشكر تدوم النعم.

. نعمة حاصلة يعلم بها العبد

 كان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقت، فإذا كان الإنسان يتمتع بحركته لا يحتاج إلى من يحمله فهذه نعمة القوة، يتمتع بسمعه وبصره، له سمعة طيبة، ليس عليه بطاقة بحث، ليس مطالباً للعدالة، عنده بيت يأوي إليه، فهذه النعم إذا شكرتها قيدتها، أما إذا تجاهلتها، وندبت حظك للذي لم تحصل عليها فقد كفرت، لذلك إذا أراد الله عز وجل إتمام نعمته على عبده عرفه نعمته الحاضرة، لو أنك أحصيت النعم التي أنت فيها فهي نعم لا تعد ولا تحصى، فأي خلل في جسمك تصبح الحياة جحيماً لا تطاق.

والله إن رجلاً في هذه البلدة أصابه مرض عضال، وزوج ابنه، وفي عقد الزواج ألقى كلمة، هو في بحبوحة كبيرة، ويسكن في بيت في أرقى أحياء دمشق، وله مركبة فارهة جداً، ومال، وأناقة، وثياب، قال: والله أتمنى أن أخسر بيتي ومركبتي، وكل شيء أملكه حتى ثيابي التي على جسمي وألا يبقى لي من ثياب إلا ما يستر عورتي، وأن أعافى من هذا المرض.

جاء رجل من فرنسا، وهو يحمل دكتوراه، وعُيِّن في منصب رفيع جداً في إحدى الوزارات، ثم فَقَدَ بصره، وخلال شهر جامله من هم أعلى منه، وأرسلوا البريد إلى بيته، بعد ذلك سرِّح، وهو يسكن في أرقى أحياء دمشق، وله زوجة جاء بها من مكان دراسته، يقول لصديقه وهو صديقي: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفف الناس، وليس على كتفي إلا هذا المعطف، وأن يُردَّ لي بصري.

إن الإنسان إذا متّعه الله عز وجل بنعمة البصر، ونعمة السمع، ونعمة النطق، ونعمة الحركة، أجهزته سليمة، ليس عنده أورام خبيثة، ولا أزمات قلبية، سمعته طيبة، له بيت، له مأوى، له طعام وشراب، كلما شكرت الله على نعمه قيّدها لك، وثبتها لك، وزادك منها،

ونعمة منتظرة يرجوها

 قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة النور: 55]

 هذه نعمة ننتظرها جميعاً إن شاء الله، قال تعالى:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾
[ سورة القصص: 5]

 هذه نعمة ننتظرها إن شاء الله كمجموع، أما كأفراد فقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾
[ سورة الكهف ]

 الآية الثانية:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾
[ سورة مريم ]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
[ سورة النحل: 97]

كل شاب يسير في طريق الإيمان، يضبط جوارحه، يضبط أعضاءه، يضبط دخله وإنفاقه، كلامه، نطقه، بيته، من حوله، من فوقه، من تحته وفق منهج الله فهذا ماذا ينتظر من الله ؟ ينتظر العطاء، ينتظر أن يكرمه الله بما أعطى عباده الصالحين.

ونعمة هو فيها لا يشعر بها

 كيف ؟ إنسان عنده زوجة شريفة طاهرة، له معها سنوات طويلة، إذا خرج من البيت لا يأتيه أي خاطر، لا يتوقع أن تتساهل مع إنسان غريب ولا بكلمة، ولا بابتسامة، هذه نعمة ـ والفضل لله عز وجل ـ متوافرة في معظم الأزواج، إذْ تسعة وتسعون بالمئة من أزواج المسلمين عندهم هذه نعمة، زوجته شريفة طاهرة، لكن لا تعرف هذه النعمة إلا إذا فقدتها، لا تعرف هذه النعمة إلا إذا شككت في زوجتك، لا تعرف هذه النعمة إذا توهمت أن أحداً يدخل إلى بيتك في غيبتك كأنك بركان، كأنك مرجل، فنعمة الزوجة الشريفة الطاهرة العفيفة لا تقدر بثمن، لكن الناس لا ينتبهون إليها، ولا يشكرونها، بل يبحثون عن نقاط الضعف في زوجاتهم، وعن بعض السلبيات، ويندب أحدهم حظه من أجلها، لكن هل غلب على ظنك أن نعمة الزوجة الشريفة لا تقدر بثمن ؟ هذه نعمة أنت فيها ولا تعرفها، وآلاف النعم في صحتك لا تعرفها، وأن عقل الإنسان سليم، فلو فقَدَ عقله أين يكون مصيره ؟ 

حدثني أخ قال: كنا نضطر أن نربط الوالدة من يديها ورجليها على السرير، قلت له: لماذا ؟ قال: لأنها إذا كانت يديها طليقتين نزعت عنها كل الثياب، وأكلت من غائطها.

الإنسان نظيف، يعرف الطهارة، عقله سليم، حديثه منطقي، محبوب، محترم، هذه نعمة، فأنت لو بحثت عن النعم الإيجابية لوجدتها أكثر من أن تحصى، فإذا اشتغلت بشكرها زادك الله من نعمه.

لكن ثمة إنسان سوداوي المزاج، دائماً يندب حظه، دائماً يشكو، يشكو من لا شيء أحياناً، يشكو أشياء طبيعية جداً، وهي موجودة في كل إنسان.

دروس الشيخ محمد راتب النابلسي