أزمة قناة السويس: المصريون يسقطون في فخ الخداع الرسمي مجدداً

أعلنت هيئة قناة السويس المصرية صباح اليوم الخميس تعليق حركة الملاحة في القناة تماماً، لمدة يوم، قابلة للزيادة، لحين النجاح في تعويم السفينة ناقلة الحاويات العملاقة الجانحة “إيڤر غيڤن” التي تسد المجرى الملاحي منذ صباح الثلاثاء الماضي، ولا تبدو مهمة تحريكها سهلة باعتراف الهيئة المصرية والشركة اليابانية  “إيڤرغرين” المالكة لها.

لكن البيانات والتصريحات التي أدلى بها مسؤولو قناة السويس بصورة رسمية، وعلى رأسهم رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع، أسقطت المصريين في فخ الخديعة مرة أخرى، بعدما صورت للمتابعين ظهر أمس الأربعاء أن المشكلة في طريقها للحل، وأن السفن قد تحركت بالفعل بجانب السفينة الجانحة، باستخدام ما سمّته الهيئة “المجرى الملاحي القديم”.

وسقطت في هذا الفخ أيضاً بعض وكالات الأنباء العالمية، ومنها وكالة “رويترز” وقنوات فضائية مصرية وعربية، نشرت نقلاً عن مسؤولي القناة نبأ تحويل خط سير السفن إلى مجرى آخر.

والحقيقة التي كانت ظاهرة للمتابعين المتخصصين، وحتى عبر المواقع المتخصصة في تتبع حركة النقل البحري العالمية، وأبرزها “العربي الجديد” في تقاريره عن الحادث أمس، أن المنطقة التي تعطلت فيها السفينة ليس لها بديل ملاحي، وهي ليست مزدوجة، وليست فيها تفريعات، وأن السفينة لم تبرح مكانها تقريباً منذ جنوحها لتربض بعرض القناة، متسببة في أضرار بالرصيفين الحجريين لمسافة خمسة أمتار تقريبا.

وبالتالي فإن البيان الأول للهيئة صباح الأربعاء الذي ذكر أن حركة الملاحة انتظمت مرة أخرى من خلال مجرى القناة الأصلية (المجرى القديم)، وأنها لا تدخر جهداً لضمان انتظام الملاحة وخدمة حركة التجارة العالمية، “لا يعدو كونه ادعاء خادعاً بأن تقدماً قد تحقق”، وفق مصادر مصرية.

وعقب صدور ذلك البيان، سمحت هيئة القناة لوسائل الإعلام بتصوير مشاهد لمرور سفن قافلة الشمال القادمة من البحر المتوسط، دون الإشارة إلى تكدسها لاحقاً في منطقة البحيرات المرة بالإسماعيلية في انتظار تحريك حاملة الحاويات المعطوبة “إيڤر غيڤن”.

لكن الهيئة في بيانها الصادر اليوم عن تعليق الملاحة لحين انتهاء جهود التعويم، كشفت عدم صحة ما ذكرته سلفا، حيث لم تشر إطلاقا إلى المجرى القديم، وقالت إن “حركة الملاحة بالقناة شهدت أمس الأربعاء، عبور 13 سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال” ثم اعترفت بأنه “كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة وفقاً للتوقعات الخاصة بانتهاء إجراءات تعويم السفينة الجانحة، إلا أنه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لا بد من التحرك وفق السيناريو البديل بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة”.

وبناء على بيان الهيئة غير الصحيح الأول، نشرت صحف وقنوات مصرية معلومات عن قرب انتهاء الأزمة ونجاح الهيئة في تحريك السفينة، بل وذهب بعض مقدمي البرامج الحوارية الموالين للنظام الحاكم إلى اتهام “الإخوان” و”أعداء الدولة” بالتستر على نجاح الهيئة في علاج الأزمة.

ووفقاً لمصدر بمجلس الوزراء تحدث لـ”العربي الجديد” أمس بعد بيان الهيئة، فإن الهيئة ستجري تحقيقا حول ما إذا كانت السفينة قد دخلت القناة وهي تحمل وزنا أكبر من طاقتها، إذ تشير المعلومات إلى أن حمولة السفينة تبلغ أكثر من 224 ألف طن، أي بزيادة 4 آلاف طن تقريبا عن أقصى استيعاب مسجل لها، لكن ما زالت هذه الأمور قيد التحقيق.

فشل هيئة القناة في التعاطي مع الحدث

حافظت هيئة القناة على صمت مطبق لأكثر من أربع وعشرين ساعة بعد تعطل السفينة، كانت قد بدأت خلالها بالفعل محاولات قطر السفينة وتخفيف حمولتها، لكنها لم تقدم على إعلام العالم بما حدث، تاركة المجال لمتابعي شؤون النقل البحري والبحارة والعاملين بشركات النقل والسفن على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الصور والمعلومات عن الحادث منذ مساء الثلاثاء.

وتسبب صمت هيئة القناة أيضا في التأخر اللافت لوسائل الإعلام العالمية والعربية في التعاطي مع الحدث، حيث امتنع مسؤولو الهيئة عن الرد على جميع اتصالات وسائل الإعلام ومراسلي الوكالات العالمية في مصر، حتى فجر الأربعاء عندما قال أحد المسؤولين بمقر الهيئة الرئيسي بالإسماعيلية للصحافيين المصريين إن “النشر غير مسموح حتى الآن، وسنصدر بيانا في وقت لاحق”.

ووفق مراقبين، فإن هذا الصمت ثم المعلومات غير الصحيحة على النحو السابق، أظهرت فشل النظام في التعامل الإعلامي مع مثل هذه الأزمات الكبرى، سواء كانت ترتبط فقط بالداخل المصري أم تخص قضايا عالمية، كسوق التجارة والنقل العالمي الذي تمثل فيه قناة السويس شرياناً رئيسياً، لا سيما وأن الحدث تسبب في تعطيل مئات السفن العابرة وانعكس على أسعار البترول العالمية.