مؤمن الكامل:
القاهرة ـ «القدس العربي»: تعاني مصر أزمة اقتصادية طاحنة منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم في منتصف 2014 تسببت في موجة غلاء فاحش شمل جميع أنواع السلع والخدمات والعقارات، ما ألقى بظلاله على الحياة الاجتماعية عموما والأسرية بشكل خاص، فارتفعت معدلات الطلاق، وزادت نسبة العنوسة بين الفتيات.
الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامـة والإحصاء، كشف أن عدد عقود الزواج خلال عام 2016 بلغت 938،526 عقدا، مقابل 969،399 عقداً عام 2015 أي بنسبة انخفاض قدرها 3.2 في المئة، بينما بلغ عدد حالات الطلاق 192.079 ألف حالة عام 2016 مقابل 199867 حالة عام 2015 بنسبة انخفاض قدرها 3.9في المئة.
وسجل المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر 24 ألف حالة طلاق خلال الأشهر الخمسة الأخيرة في المحافظات، بخلاف حالات الطلاق الناتجة عن الزواج العرفي التي لم ترصد، ما يعادل 4800 حالة شهريا و160 حالة يوميا.
وأكد المركز أن الصعوبات المعيشية التي تمر بها البلاد والناتجة عمّا يسمى الإصلاح الاقتصادي، تقف وراء ارتفاع أعداد حالات الطلاق، محذراً من خطورة استفحال الظاهرة في مصر التي تعد الأولى على مستوى الدول العربية، مع تزايد التفكك الأسري، وزيادة أعداد أطفال الشوارع.
ورأى الخبير في المركز، سيد إمام، أن محاولة الحدّ من تلك الظاهرة من خلال منع الطلاق الشفهي، الذي أكد عليه الشيخ خالد الجندي، وأيده الرئيس عبد الفتاح السيسي في أحد لقاءاته، يعد تحايلا واضحا على نصوص دينية صريحة وقواعد فقهية لا تقبل التأويل.
وقال في تصريحات صحافية أن عدد حالات الطلاق في مصر خلال الشهور الخمسة الأولى سجلها نقيب المأذونين في مصر، إسلام عامر، موضحا أن معظمها ناتج عن أسباب اقتصادية بحتة، بسبب عدم قدرة أحد الزوجين على تحمل صعوبات الحياة، والتي تؤدي إلى تشرد أطفال في عمر الزهور، واتجاه عدد منهم إلى الأعمال الشاقة بضغط من زوجة الأب أو زوج الأم.
وسجلت إحصاءات مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية المصرية في أيار/مايو الماضي 20323 حالة طلاق خلال شهر آذار/مارس الماضي وحده، بخلاف حالات الانفصال بسبب الزواج العرفي.
تصاعد معدلات الانتحار بين المتزوجين
وأشارت تقارير صادرة عن المركز القومي للبحوث إلى أن حالات الانتحار بين الأزواج والزوجات أصبحت ظاهرة، فضلا عن تفاقم القتل بين الزوجين، نتيجة الأمراض النفسية التي يعاني منها أفراد الأسرة عموما، لافتة إلى أن الطلاق يظل النتيجة الأسرع والطريق الأقصر لهروب الزوجين من المسؤولية في معظم الأحيان، إذ وصل عدد المطلقات في مصر إلى نحو 3 ملايين مطلقة تزدحم بهن في الوقت الحالي محاكم الأسرة.
وأكدت تقارير صادرة مؤخرا عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز حكومي، أن العنوسة تنتشر في مصر وتتزايد، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود ما يقرب من 15 مليون شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عاما لم يتزوجوا، منهم 3 ملايين شاب و12 مليون فتاة، ما يجعل نسبة العنوسة في مصر 17في المئة.
وأوضحت الإحصاءات أن ظاهرة العنوسة أدت لزيادة بعض الظواهر غير اللائقة، مثل «الزواج السري والعرفي في الجامعات، والشذوذ الجنسي، والإصابة بأمراض نفسية، والإقبال على إدمان المخدرات».
ويقول خبير المركز القومي المصري للبحوث الجنائية والاجتماعية «إننا أمام ظواهر اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع المصري، ومنها ظاهرة الطلاق التي يجب أن تلقى اهتماماً كبيراً على كل المستويات الرسمية والأكاديمية والدينية والنفسية، ومنها المجالس القومية للمرأة والطفل وحقوق الإنسان، من خلال استحداث وسائل وطرق جديدة للتوفيق والمصالحة بين طرفي النزاع من الأزواج» موضحا أن زيادة الشروط التي تضاف إلى عقود الزواج تزيد الضغوط على أحد الطرفين.
وهو يعتبر أن «العوامل الاقتصادية والضغوط الحياتية هي الأكثر تأثيرا على مجريات الحياة الزوجية، بعد قرارات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة، والتي تجاهلت أوضاع الفقراء ومحدودي الدخل والشباب الباحث عن فرص عمل، مع إغلاق الكثير من شركات القطاع الخاص أمام هؤلاء نتيجة عوامل تعرفها الحكومة جيداً، ما أدى إلى الانهيار المجتمعي والأسري الذي تعيشه معظم الأسر المصرية حاليا».
أحمد سمير، شاب يعمل مديرا لصالات الأفراح في أحد النوادي المعروفة في صعيد مصر، يشير إلى أن أفراح هذا العام انخفضت بنسبة 50 في المئة تقريبا للقاعات الثلاث الموجودة في النادي، لافتا إلى أن كل قاعات النادي كانت تصل أفراحها خلال الأعوام الماضية إلى أكثر من 300 فرح، وانخفضت حجوزات هذا العام إلى نحو 150 فرحا للقاعات الثلاث.
ويوضح لـ»القدس العربي» أن الانخفاض يأتي نتيجة تحريك أسعار حجوزات الأفراح بمعدل 40 في المئة بسبب ارتفاع أسعار السكر المستخدم في الحلوى التي تقدم في الأفراح، علاوة على أسعار الكهرباء والعروض المصاحبة للأعراس من أجهزة تشغيل الموسيقى وكسوة أثاث القاعات رغم توسط أسعار النادي الذي يعمل فيه، بين الأغلى سعرا والأقل في محافظة أسيوط نفسها، وحتى مقارنة بقاعات بالمستوى نفسه في محافظات أخرى.
«نسب الزواج انخفضت كثيرا هذا العام، علاوة على أن غالبية حفلات الأفراح أصبحت لمن تجاوزوا سن الثلاثين للنساء والرجال» كذلك يوضح أحمد، مرجعا ذلك لموجة الغلاء حتى في تأجير شقق الزواج وتأثيثها ودفع المهور وارتفاع أسعار الذهب «المقوم الرئيسي للزواج في مصر».
ويتابع الشاب الثلاثيني: بعد مرحلة الزواج، تقع المشكلات التي قد تصل للانفصال واللجوء للمحاكم بين الزوجين وأسرتيهما، بسبب الغلاء وعدم كفاية ما يمتلكه الزوج للإنفاق على الأسرة، وذلك كله ناتج عن الوضع الاقتصادي الصعب وقلة الوظائف وخصوصا الحكومية، وتدني الرواتب الشهرية التي لا تكفي لإيجار الشقة ومصاريف مرافقها.
معدلات الجريمة احتلت
مرتبة متقدمة في البلاد
وتوضح أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، عزة كريم، أن معدلات الجريمة والطلاق ارتفعت في مصر، واحتلت مرتبة متقدمة في البلاد، مع ما يترتب على ذلك من تمزق أُسري يلقي بظلاله على مستقبل البلاد ككل بسبب معدلاته المتفاقمة، إضافة إلى «ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات، أو عدم الإقبال على الزواج بين الشباب عموما نتيجة تعقد العوامل الاقتصادية، وهو الأمر الذي يجعلنا أمام مجتمع أقل ما يمكن أن يوصف به أنه ليس سويًّا، ما يلقي بظلاله على الإنتاج والإبداع والتنمية والتعليم والصحة وكل مجالات الحياة دون استثناء».
ولفتت إلى أن من أهم العوامل الاجتماعية التي أسهمت في ارتفاع معدلات العنوسة هو المغالاة في شروط الزواج، إلى جانب الخوف من المسؤوليات المترتبة على الزواج والرغبة في الارتباط، تجنبا للالتزامات المالية والاجتماعية المتعلقة به، مؤكدة أن ارتفاع نسب الطلاق سيؤدي إلى المزيد من أطفال الشوارع الممتلئة بهم الشوارع حالياً، والتي تصفهم تقارير أمنية بأنهم «قنبلة» ستنفجر في وجه الجميع خلال الشهور والسنوات المقبلة.
وظاهرة الطلاق ليست جديدة، ولكن الجديد في الأمر هو الأرقام الصادمة، التي أوردتها المحاكم الشرعية في مصر ومركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية عن ارتفاع معدلاتها التي وصلت إلى نحو 14 مليون حالة في العام 2015 يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أي أكثر من ربع تعداد السكان.
وفي أواخر العام الماضي صنفت مصر الأولى عالمياً في عدد حالات الطلاق، وهو ما أكدته إحصائيات رصدتها منظمة الأمم المتحدة، بينت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7 إلى 40 في المئة خلال نصف القرن الماضي، مؤكدة أن تلك الإحصائيات تنذر بتفكك اجتماعي خطير، ينسب الأخصائيون زيادته لعدة عوامل أبرزها الفقر.
عبدالمجيد عبدالله، 28 عاما، يعمل في القاهرة منذ 2013 يوضح أن الرواتب التي تقاضاها لا تعين على شراء شقة للزواج أو حتى التأجير مع غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المرافق، إضافة إلى المغالاة في تكاليف الزواج في مصر من «شراء ذهب وتأثيث منزل الزوجية» مضيفا أن: الراتب لا يناسب الإيجارات في المناطق المتوسطة أو حتى الشعبية».
ويتابع: «الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على أسعار السلع والخدمات، ستجبرني على تأخير الزواج، فلدي صديق مقبل على الزواج ويعتزم السكن في منزل والده ولا يعرف كيف يدبر حتى ثمن ذهب الزواج».
«بلاها فرح»
حملات اجتماعية كثيرة أطلقها مصريون ومصريات من الناشطين تحديدا على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل حملة «بلاها شبكة» التي دعت لتخلي الأهالي عن طلب شراء الذهب كشرط أساسي للزواج من بناتهن، وحملة «بلاها فرح» وغيرها.
ورغم استجابة كثيرون لتلك الحملات، إلا أنها لم تؤت الثمار المطلوبة في حل الأزمة في مصر.
مؤسس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» في مصر، محمود العسقلاني، يقول لـ»القدس العربي»: لدينا نحو 15 مليون شاب وفتاة في سن الزواج ولم يتزوجوا، بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون حاليا.
ورغم أن العسقلاني يعيب على بعض الأسر المغالاة في شروط الزواج مثل «تملك شقة، وشراء الذهب والأثاث الفاخر، والسلع المعمرة» لا سيما الأخيرة التي ارتفعت أسعارها أضعافا خلال العام الجاري، جراء تعويم الجنيه «تحرير سعر الصرف للعملة المصرية» ورفع الدعم عن الوقود والطاقة، إلا أنه يرى حتى مع تجاوب بعض الأسر مع تخفيض مطالبها من الشبان المقبلين على الزواج من بناتهن، لم يكن كافيا ولم يصل بنسب الزواج والأوضاع الاجتماعية إلى ما كانت عليه حتى قبل ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011.
ويتابع: أسعار كل شيء ارتفعت في مصر منذ 2011 لأكثر من مرة وبأكثر من ضعف السعر، إلا الرواتب التي تجمدت أو زادت بمعدلات متدنية للغاية لا تناسب الارتفاع الجنوني للأسعار والأوضاع الاقتصادية الحالية.
وأشار إلى أن مصر، في حالة فريدة، تجمع بين الركود والتضخم، موضحا أن «المعهود في حالة الركود أن يتنازل التجار عن المكاسب الكبيرة ويعلنون التخفيضات، إلا أن البلاد حاليا تشهد ركودا وتضخما في التوقيت نفسه».
ودعا رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» الحكومة المصرية إلى تبني برامج وشبكات أمان اجتماعي وإنهاء حالة الغلاء، قبل أن تتفاقم الأمور أكثر من ذلك، وهو ما ينذر بكارثة سياسية واجتماعية، داعيا كذلك إلى تبني الدولة برنامجا اسكانيا ضخما وجادا ينهي أزمة السكن «المعوق الرئيسي للزواج في مصر» بالقضاء على الفساد وبيع الشقق للمواطنين بأسعارها الحقيقة.