بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فما إن تهُب علينا ريح يناير من كل عام إلا ويتذكر المرءُ تلكُم الهبّة الشعبية العربية التي افتتحتها تونس، وتجاوبت معها الشعوب العربية جميعها، فقدموا للعالم نموذجاً يُحتذى في نضال الشعوب من أجل الحرية والكرامة التي يحرمها الطغاة عليهم.
لقد كانت هبات الشعوب إحسانا للدول ولم تكن ضررا لها .. تجديداً وليست تخريباً لمؤسساتها .. تصويباً لمسارها ولم تكن مؤامرة عليها .. وكانت ولادة جديدة لحيوية الشعوب وهي تعيد تأسيس دولتها الحديثة تكون السيادة فيها للشعب .. فيتولى ويقرر ويحكم أمره بنفسه دون وصاية.
وجاءت ثورة 25 يناير في أرض الكنانة علامة فارقة في حركة الشعوب بما سجلته في أول سابقة في تاريخ مصر الحديث – في أن يخلع الشعب حاكمه ثم يحاكمه، كقيمة ووديعة خالدة لا يمكن محوها من ذاكرة الشعوب، وهو ما استدعى كل هذا التآمر من قبل قوى الثورة المضادة في الداخل والخارج، والبدء في الانقضاض عليها، ونسبة كل نقيصة إليها، وتجريدها من كل فضيلة، وهدم مشروعيتها من جذورها، والتحذير من خطرها، وتضييق جميع المنافذ، ووصد كل الأبواب من أجل منع تكرارها .. ولكن هيهات .. فإرادة الله غالبة وحركة الشعوب منتصرة دائما بإذن الله تعالى.
فإذا علمنا هذا .. أيقنّا أن ثورة يناير وأخواتها لم تفشل ولم تمت، وأن هذه الضربات الانتقامية لوادها ومحو آثارها إنما هي في الأصل خوف من عودة بركان ثورات الشعوب، وأن يتكرر فورانه الذي يتوقع كل المحللين حدوثه نتيجة استشراء الظلم وانتشار الفساد .. فدولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة .. فكلّ الساسة والمفكرين يجمعون على أن المنطقة بأسرها تعيش إرهاصات ثورة جديدة قد تكون أشد عشرات المرات من سابقاتها، وعصية على الاستئصال أو الاستيعاب.
فيا أبناء الأمة … شبابا وشيبة … رجالاً ونساءً …. نناديكم وعون الله تعالى ناصر الحق ونصير المظلومين في ركابكم بفضله عز وجل، وسراج الحقيقة كاشف لكم، والقراءة الصحيحة المتأنية تبرز لنا العبر والدروس التالية:-
- أن الثورة لم تمت وإنما حوربت حربًا عنيفة من قوى مجتمعة، مورست فيها كل أنواع النكايات والعذابات حتى يخاف كل من تسول له نفسه أن يكرر التجربة.
- أن الثورة كشفت سوءات الأنظمة الساعية إلى البقاء في الحكم بأي ثمن على حساب شعوبها وكرامتهم وخيرات بلادهم.
- أن هبَّات الشعوب وثورات الأمم جولات، وكونها تنتكس في إحداها ليس معناه الهزيمة في بقيتها، والثائرون لا شك يتعلمون من كل إخفاق ليورثوه لمن بعدهم في المراحل الثورية اللاحقة.
- أن الجيل الجديد من أبناء الأمة بما يملك من رصيدٍ أكبر من الوعي والثقافة والفهم، مهما حاولوا شغله بالشهوات والملذات والتفاهات، لهو مدرك لواجباته ومصمم على نيل حقوقه وحقوق أمته مهما طال الطريق وتكاثرت التضحيات وعظمت المؤامرات .
- أن رصيد الآلام التي أحدثتها قوى الثورة المضادة تصب في مصلحة الثورة اللاحقة، لأن الموجوعين المظلومين عندما يرون متنفسًا للتعبير عن مظالمهم يكون إقبالهم على عمل الثورة أشد وأقسى.
لكل ما سبق أقول أن الثورة الكبري للشعوب قد ظهرت إرهاصاتها وبقوة، وأن منعها فيما هو قادم ضرب من المستحيل .. لذلك علينا معاشر أبناء الأمة أن نعيد ترتيب صفوفنا لما هو آت .. لأن رص الصفوف واستعادة الروح وبث الأمل في النفوس لا تقل أهمية عن الثورة نفسها .. وهذه كلها كانت من الهامات ميدان التحرير في الثورة الأولى .. وستكون بإذن الله منطلق العودة إليه وإلى كل الميادين في الثورة الثانية..
أخوكم
إبراهيم منير
نائب المرشد العام لجماعة “الإخوان المسلمون” والقائم بالأعمال
الخميس ١٧ جمادى الثاني ١٤٤٣
الموافق ٢٠ يناير ٢٠٢٢