“يناير” قصة تدافع بين الحق والباطل

إن الدعوة والوطن بحاجة إلى ثلة من الرجال الأفذاذ، يكونون على قدر كبير من الربانية والعلم والصلاح والتقوى والزهد والورع، ينتصبون مصابيح هادية، وقدوات مشعة، يُجسّدون المبادئ، ويحفظون الأصول، يكونون حجة للدعوة، لا عليها، يستوعبون الآخرين، ويأخذون بأيديهم إلى ساحة الدعوة وميدان العمل، بلسان حالهم قبل لسان مقالهم، يحل الواحد منهم محل جيش بكامله في ميزان الصراع بإيمانه، وصفائه، وإخلاصه، وصلاحه، وربانيته.

نريد من أبناء هذه الدعوة  في كل مكان ، أن يجسدوا مبادئهم، وأن يجعلوا من أنفسهم ودعوتهم وحركتهم المَرفأ الآمن الذي تأوي إليه الزوارق التائهة التي زلزل الإعصار ثباتها، وليكن اسمهم الدعوي كنداء النجدة، لا يكاد يسمعه المفزعون حتى تسكن ضلوعهم الواجفة، وتعود إليهم طمأنينتهم الضائعة، وأن يبرهنوا أنهم أهل الإقدام في موطن الخذلان، وأهل الوفاء في ساعة النكوص، وأهل الثبات إذا استفحل التراجع والتولّي، وأهل الفصاحة إذا رطنت الألسن، وأهل الكرم إذا اختبأت الأيدي، وأهل السمو إذا نطق الإغراء، وأهل النبل عندما يسفل التعامل، وأهل الستر إذا استرسلت الفضائح، وأهل الجد إذا وهنت القوى، وأهل الاجتهاد إذا جمدت العقول، وأهل التضحية إذا ظهر البخل، وأهل الإيجابية إذا تفشت مظاهر السلبية ، وأهل التعب والمشقة في سبيل الله  إذا استعذب الآخرون الراحة، وأهل الأمل والتفاؤل إذا اجتاحت النفوس ظلمات اليأس والتشاؤم، وأهل الطموح وعلو الهمم عند سفالتها وانعدامها لدى الآخرين، وأهل التمكين والإصلاح إذا استشرى الفساد، وتغلبت الشهوات، واستفحلت التحديات. ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا﴾ (الأحزاب: 23).

ما أحوجنا إلى هبّة إيمانية صادقة مؤثرة، وانتفاضة تربوية وفكرية، تُقَوِّي عناصر الغَيْرة على الفكرة، والمنهج، والحركة، والمشروع؛ فتُنبّه المتورط والغارق في أوحال الفتور والكسل والتخلي عن واجبه، تُجاه دعوته وحركته، وتوقظ النائم، وتقنع المتردد، وتشجع الجبان، وتفعّل الراكد، وتنهض القاعد، وتدفع المتقاعس إلى التحرك والإيجابية والفعالية ، وتبعث الجامد على الخروج من شرنقة جموده إلى فضاءات الإنجاز والإبداع الرحبة؛ للتمكين لدعوته وفكرته في كل هذه الفضاءات التي يمد فيها شبكة علاقاته ومعاملاته وانفتاحه على من يصادفهم في طريقه فيها؛ فالانطلاقة الصحيحة للتغيير الإيجابي و الوصول إلى القمة العالية في أمري الدنيا والآخرة، يجب أن تتوفر فيها كما أرشدنا الإمام البنا (إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف)، وإن تطرق إليها سرعان ما يتم تجاوزه وتقويتها من جديد ، بعيدا عن الأحلام الوردية والأمنيات الخيالية التي ليس لها دليل عملي يصدقها ، ومع الإرادة القوية لا بد من عزيمة صحيحة صادقة، لتكون الانطلاقة نحو القمة والتميز جادة ، كما قال ابن القيم : (إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ، وردفه قمر العزيمة، أشرقت أرض القلب بنور ربها).فالإرادة هي ما يدفعك للخطوة الأولى على طريق أهل الهمم والقمم ، أما العزيمة فهي ما يبقيك على هذا الطريق ، حتى الوصول إلى منتهى الغاية ، ومن فقدهما (الإرادة والعزيمة) ، فلا يحلم بأن يكون من السابقين، وأهل مرتبة الأولية في أي مجال من مجالات الحياة .

أهل الحق يريدون الخير والله معهم، وأهل الباطل يريدون الشر، والله ليس معهم

﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ (ابراهيم :12-15)، قد تختلف طرق الأعداء فى مجابهة الدعوة والدعاة، لكن المحصلة واحدة، وهي الكيد لأهل الحق وإيذائهم، وينتهجون في ذلك أساليب شتى، كالحبس، والقتل، والنَّفي، ومصادرة الممتلكات. وعلى الدَّاعية أن يركن إلى ربِّه، وأن يثق به، ويتوكَّل عليه، ويعلم أنَّ المكر السَّيئ لا يحيق إلا بأهله، كما قال عزَّ وجل: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ” (الأنفال: 30)، إن بلوغ القمم والمعالي، والتمكين للمبادي والقيم في دنيا الناس، لايمكن أن يتم بكثرة الدعاوى والأمنيات، ولا بالرغبة دون تقديم الأدلة، وإنّما ذلك بأمس الحاجة إلى :(نفوس حية قوية فتية، وقلوب جديدة خفاقة، ومشاعر غيور متأججة، وأرواح طموحة متطلعة متوثبة، تتخيل مثلا عليا، وأهدافا سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل)،كما قال الأمام الشهيد حسن البنا رحمه الله.إن الوصول إلى مثل هذه النفوس المرجّحة في موازين الصراع والتدافع، إنّما يكون بالتضحيات والعمل الجاد الشاقّ ، والتحليق في سماء الجد والاجتهاد.

دورنا مستمر مهما كانت النتائج

الشرف كلّ الشرف أن تكون من غرس الله في أرضه، ولا يكون ذلك إلاّ إذا حرَصْت على الوصول إلى مرتبة الشرف الأولى : النفس الشريفة السامية الراقية التوّاقة المخلصة المتجردة  المشفقة المحبة للخير دائما، المترفعة عن حزازات التشفي والانتقام والأحقاد، عالية الهمة، كبيرة الطموح، الثابتة على الحق، الوفية له، ولأهله وللسائرين في ركابه، الحريصة على أن تكون وقفا لله تعالى ، حيثما وأينما استعملها لخدمة دينه ودعوته، قالت سمعنا وأطعنا من غير تلكؤ أو تأخر أو تردد أو تثاقل، لا وجود للمزاجية والمصلحية والمطامع في قاموسها،  كما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته )(رواه ابن ماجه)، فإن نزلت إلى حضيض السقوط في هاوية القعود والكسل والنكث والنكوص والانتكاس ــ ونعيذك بالله من ذلك ــ فسيجري عليك قانون الاستبدال، كما قال سيد قطب رحمه الله: “إن اختيار الله لكم لحمل دعوته ، تكريم ومنّ وعطاء، فإذا لم تحاولوا أن تكونوا أهلا لهذا الفضل، وإذا لم تنهضوا بتكاليف هذه المكانة، وإذا لم تدركوا قيمة ماأعطيتم، فيهون عليكم كل ما عداه، فإن الله يستردّ ماوهب، ويختار لهذه المنّة ممّن يقدّرفضل الله”.

إن هناك تحولات كبرى حدثت، وتحدث، وستحدث على مستوى المنطقة بأسرها، لا يمكن أن تُخْطِئها عين أو ينكرها عقل ، أهم ما يميّزها ارتفاع صوت الشعوب على حساب الأنظمة ، تمثل ذلك في طلاقها البائن لكل أساليب الخنوع والاستسلام واللامبالاة ، ودخول مصطلح جديد لقاموسها عنوانه: (الشعب يريد) وبالتالي علينا العمل ومتطلباته من:-

أ) دراسة التجارب بأنواعها ، دراسة نقدية بناءة؛ لتجنب العثرات، وإستثمار الإيجابيات، والموازنة والقياس، والتمحيص والتنقيح، والغربلة والتصفية، وقد صدق الرافعي ـ رحمه الله ـ لما قال: (إذا أردت أن تأخذ الصواب ، فخذه عمّن أخطأ).

ب)  التكيف الإيجابي وعدم التعامل بسياسات ردود الأفعال، وقد ذكر الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله أن 🙁 الظروف تستطيع تكييفنا ولا تستطيع بإذن الله إتلافنا )؛ فإذا أراد الدعاة أن يحموا دعوتهم ويعصموها من الانسياق، والاستدراج، والاحتواء، والانحراف، والاستنزاف، والتعويم كتعويم العملات النقدية، فليحرصوا على فقه واقعهم، مع فقه شرع ربهم، مع فقه إنزال الشرع على الواقع، أو ماسماه الأصوليون بتحقيق المناط.

ج)  كونوا من النخب؛ فإن الأمم في حركتها الحضارية، صعوداً ونزولاً وانهياراً، لا تحركها الجماهير والعامة، بل تحركها النخبة، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية، إما نحو النهوض والتقدم، وإما نحو الانهيار والسقوط.

د)  نَمُّوا الطاقات وحفزوا الإبداع:

         شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم، هم أنفسهم؛ كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة، والبنية الإنسانية لا تستنفر كل الطاقات المذخورة فيها، كما تستنفر وهي تواجه الخطر،  وهي تدفع وتدافع،  والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها, واحتشاد كل قواها, وتجمع كل طاقاتها, كي يتم نموها, ويكمل نضجها, وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها. ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (الأعراف:128)

أيها الإخوان المسلمون، إن هذه الطريق، مهما طالت، فليس هناك غيرها في بناء النهضات بناء صحيحا، وقد أثبتت التجربة صحة هذه النظرية،  وتذكروا أن العامل يعمل لأداء الواجب أولا، ثم للأجر الأخروي ثانيا، ثم للإفادة ثالثا، وهو إن عمل فقد أدى الواجب، وفاز بثواب الله، ما في ذلك من شك، متى توفرت شروطه، وبقيت الإفادة وأمرها إلى الله، فقد تأتي فرصة لم تكن في حسابه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات، على حين إنه إذا قعد عن العمل فقد لزمه إثم التقصير، وضاع منه أجر الجهاد وحرم الإفادة قطعا، فأي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ؟

وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في صراحة ووضوح في الآية الكريمة: ﴿وإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ (الأعراف: 164- 165)

ففكروا طويلا، واعملوا كثيرا،و جددوا إيمانكم، وحددوا غاياتكم وأهدافكم، وتقدموا لإنقاذ أمتكم، وتذكروا أن أول القوة الإيمان ونتيجة هذا الإيمان الوحدة، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين. فآمنوا وتآخوا واعلموا وترقبوا بعد ذلك النصر.. وبشر المؤمنين.

أيها الإخوان، حاملو راية الإسلام و الحرية… واجباتكم العملية:

    ـ الحرص على القرآن و قيام الليل والدعاء فى جوف الليل.

 ـ    ورد دعاء يومى مع تحرى أوقات إجابة الدعاء

ـ     الاهتمام بدعوة الأهل و الأولاد لتلك الطاعات و الأوراد السابقة

ـ    الصدقة و البذل سواء لأصحاب الحقوق أو لغيرهم

    ـ دعوة الأرحام و الأصحاب وزملاء العمل للطاعات و قيم الخير في المجتمع (التدين – الحجاب – إعمار مساجد الله)

ـ     الاستمرار بالتوعية المجتمعية بذكرى يناير و دورنا في البناء و التدافع.

ـ     المشاركة في الفعاليات، أو القيام بأعمال إبداعية، عبر الأصدقاء والمحيطين، سواء عبر مواقع التواصل أو غيرها

ـ     مشاركة المجتمع في كل همومة، والحضور في كل المناسبات (مساجد- أفراح- عزاء- حفلات ……).

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل

    والله أكبر ولله الحمد