وفاء زوجة
يقول الأستاذ البس “لما دخلت السجن عام 1954 أيام عبد الناصر وحكم علي بالسجن عشرون عاماً. فصلت من عملي كمدرس، ولم يبق لأسرتي مصدر للدخل من راتبي الذي قطع عنهم، وبعد مدة طويلة من السجن سمح لأهالينا بزيارتنا في السجن وجاءت زوجتي ومعها أبنائي وبناتي مظهرهم طيب وملابسهم قيمة، فبعد أن سلمت على زوجتي يرحمها الله وقبلت يدي، سألتها عن مصدر الأموال التي تعيشون بها، قالت وبغير تردد: فضلة خيرك يا حاج، نبيع الأرض ونصرف على البيت، فشجعتها على ذلك، وقلت لها: بيعي كما تريدي، المهم أن تعيشي أنت والأولاد سعداء (وكنت أظن ساعتها أنها تبيع من الأرض التي ورثتها أنا عن أبي)، وظللت كل زيارة أسالها عن الأموال هل تكفيكم؟
وهي في كل مرة تقول: الحمد لله فضلة خيرك يا حاج، ثم يستطرد قائلاً: في أوائل السبعينيات: خرجت من السجن دون أن تعلم أسرتي بساعة خروجي، وسافرت من القاهرة إلى طنطا حيث توجهت إلى منزلي. فوجئت بي زوجتي فطارت فرحاً، وقبلت يدي كما تعودت، وبعد سلامي على أولادي طلبت مني أن أدخل إلى حجرة النوم لأستريح بعض الوقت الذي ستقوم خلاله هي بإعداد طعام لي .
وعندما دخلت حجرة نومي وجدت حصيرًا وغطاء على أرض الغرفة، سألتها وأنا في غاية الدهشة: أين سريرك النحاس يا حاجة؟ أين السراحة؟ أين الكمودينو؟ فنظرت إلي بابتسامة وكأنها تواسيني وتقول: كله يرجع في عزك يا حاج، وإذا بي أراها تضع طبلية خشب على الأرض عليها أطباق بلاستيك كل طبق من لون مختلف سألتها: أين حجرة السفرة وأطباق الصيني بتاعتك يا حاجة؟ قالت: كله سيرجع في عزك يا حاج!
وعندما ألححت عليها أن تقص لي ما حدث. حدثتني أن أهلي لم يوافقوا على بيع أرضي للإنفاق على أسرتي (لأنه في الريف من العيب أن يبيع الرجل أرضه فيعيره أهل البلد بذلك)، فقامت هي ببيع أرضها التي ورثتها عن والدها، وقامت بإنفاقها على البيت والأولاد، وبعد أن باعت أرضها كلها بدأت ببيع أثاث البيت، حتى وصل الحال إلى ما رأيت.. ووالله ما عانيت يوماً ولا امتنت عليّ يوماً بما فعلت، وذلك أثناء غيابي في السجن، وقمت بحمد الله بعد خروجي بشراء أثاث للبيت وشراء الذهب الذي كانت تقتنيه وباعته من أجل بيتي وأولادي”
ويضيف قائلاً: “كانت تمر علينا سنوات لا أراها أو أحد من أولادنا، وتعددت البلاد التي سجنت بها، وكانت الزيارات تمنع أحياناً، وبعد أن خرجت من السجن وجدت زوجتي أزكى ما تكون زوجة، وأفضل ما تكون شريكة حياتي، كل خصلة تركتها تحت يديها نمت وازدادت، وكل جرح تداوى؛ الأولاد أحسن ما يكونون خلقاً وعلماً وأدباً”.
“ولكن كل ذلك لم يعلم به أحد، ولم يصل إلى ذل النفس ومد اليد، كل هذا الخير صنعته هذه الزوجة الكريمة، رغم تقصير كثير ممن كان يمكن أن يساعدوا من غير أن يجرحوا كرامتنا؛ لأنهم أهلنا ولكن الله أراد محنتي مصحوبة بالعزة والكرامة، ولا يكون لأحد فضل إلا الله جل وعلا.. فإيمان الزوجة أن تجوع وتمرض وتسافر وتحزن وتتألم وتكدح وحدها، وسط هذه المحنة الطويلة العميقة بعيداً عن أسماع الناس وأبصارهم”
لم يكد الأستاذ أحمد البس يخرج من محبسه حتى عمت الفرحة أرجاء البيت بقدوم الطير الغائب، وبالرغم من اقترابهم على الستين عاماً، إلا أنها ظلت ترمقه بالعطف والحنان وتحنو عليه كما تحنو الأم على ولدها، حتى توفاها الله أواخر السبعينيات، فأسكب عليها الدمع مدرارًا لفراقها، وظل وفياً لها ولدعوته حتى توفاه الله عام 1992م.
#الحاج_أحمد_البس
#مواقف_من_حياة_الدعاة
#ومضات
#مشروع_رمضان
#إلى_الجنة
لمزيد من التواصل زوروا موقع ومضات على :
الويب https://ramadan.wmdat.com
الفيس: https://web.facebook.com/wmdaat
قناة التليجرام https://t.me/wmdaat
يقول الأستاذ البس “لما دخلت السجن عام 1954 أيام عبد الناصر وحكم علي بالسجن عشرون عاماً. فصلت من عملي كمدرس، ولم يبق لأسرتي مصدر للدخل من راتبي الذي قطع عنهم، وبعد مدة طويلة من السجن سمح لأهالينا بزيارتنا في السجن وجاءت زوجتي ومعها أبنائي وبناتي مظهرهم طيب وملابسهم قيمة، فبعد أن سلمت على زوجتي يرحمها الله وقبلت يدي، سألتها عن مصدر الأموال التي تعيشون بها، قالت وبغير تردد: فضلة خيرك يا حاج، نبيع الأرض ونصرف على البيت، فشجعتها على ذلك، وقلت لها: بيعي كما تريدي، المهم أن تعيشي أنت والأولاد سعداء (وكنت أظن ساعتها أنها تبيع من الأرض التي ورثتها أنا عن أبي)، وظللت كل زيارة أسالها عن الأموال هل تكفيكم؟
وهي في كل مرة تقول: الحمد لله فضلة خيرك يا حاج، ثم يستطرد قائلاً: في أوائل السبعينيات: خرجت من السجن دون أن تعلم أسرتي بساعة خروجي، وسافرت من القاهرة إلى طنطا حيث توجهت إلى منزلي. فوجئت بي زوجتي فطارت فرحاً، وقبلت يدي كما تعودت، وبعد سلامي على أولادي طلبت مني أن أدخل إلى حجرة النوم لأستريح بعض الوقت الذي ستقوم خلاله هي بإعداد طعام لي .
وعندما دخلت حجرة نومي وجدت حصيرًا وغطاء على أرض الغرفة، سألتها وأنا في غاية الدهشة: أين سريرك النحاس يا حاجة؟ أين السراحة؟ أين الكمودينو؟ فنظرت إلي بابتسامة وكأنها تواسيني وتقول: كله يرجع في عزك يا حاج، وإذا بي أراها تضع طبلية خشب على الأرض عليها أطباق بلاستيك كل طبق من لون مختلف سألتها: أين حجرة السفرة وأطباق الصيني بتاعتك يا حاجة؟ قالت: كله سيرجع في عزك يا حاج!
وعندما ألححت عليها أن تقص لي ما حدث. حدثتني أن أهلي لم يوافقوا على بيع أرضي للإنفاق على أسرتي (لأنه في الريف من العيب أن يبيع الرجل أرضه فيعيره أهل البلد بذلك)، فقامت هي ببيع أرضها التي ورثتها عن والدها، وقامت بإنفاقها على البيت والأولاد، وبعد أن باعت أرضها كلها بدأت ببيع أثاث البيت، حتى وصل الحال إلى ما رأيت.. ووالله ما عانيت يوماً ولا امتنت عليّ يوماً بما فعلت، وذلك أثناء غيابي في السجن، وقمت بحمد الله بعد خروجي بشراء أثاث للبيت وشراء الذهب الذي كانت تقتنيه وباعته من أجل بيتي وأولادي”
ويضيف قائلاً: “كانت تمر علينا سنوات لا أراها أو أحد من أولادنا، وتعددت البلاد التي سجنت بها، وكانت الزيارات تمنع أحياناً، وبعد أن خرجت من السجن وجدت زوجتي أزكى ما تكون زوجة، وأفضل ما تكون شريكة حياتي، كل خصلة تركتها تحت يديها نمت وازدادت، وكل جرح تداوى؛ الأولاد أحسن ما يكونون خلقاً وعلماً وأدباً”.
“ولكن كل ذلك لم يعلم به أحد، ولم يصل إلى ذل النفس ومد اليد، كل هذا الخير صنعته هذه الزوجة الكريمة، رغم تقصير كثير ممن كان يمكن أن يساعدوا من غير أن يجرحوا كرامتنا؛ لأنهم أهلنا ولكن الله أراد محنتي مصحوبة بالعزة والكرامة، ولا يكون لأحد فضل إلا الله جل وعلا.. فإيمان الزوجة أن تجوع وتمرض وتسافر وتحزن وتتألم وتكدح وحدها، وسط هذه المحنة الطويلة العميقة بعيداً عن أسماع الناس وأبصارهم”
لم يكد الأستاذ أحمد البس يخرج من محبسه حتى عمت الفرحة أرجاء البيت بقدوم الطير الغائب، وبالرغم من اقترابهم على الستين عاماً، إلا أنها ظلت ترمقه بالعطف والحنان وتحنو عليه كما تحنو الأم على ولدها، حتى توفاها الله أواخر السبعينيات، فأسكب عليها الدمع مدرارًا لفراقها، وظل وفياً لها ولدعوته حتى توفاه الله عام 1992م.
#الحاج_أحمد_البس
#مواقف_من_حياة_الدعاة
#ومضات
#مشروع_رمضان
#إلى_الجنة
لمزيد من التواصل زوروا موقع ومضات على :
الويب https://ramadan.wmdat.com
الفيس: https://web.facebook.com/wmdaat
قناة التليجرام https://t.me/wmdaat