وثائق “بنما” تفضح عائلات الفساد في مصر.. و”الضرائب” تغطي على الفاسدين

‎بواسطة أحمدي البنهاوي 

جدَّدت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الحديث عن وثائق بنما، التي ظهرت في 2016، لتكشف عن أن غالبية الأسماء المطروحة على الساحة الاقتصادية والإعلامية تتجه إلى إنشاء شركات وهمية في بنما، تدير من خلالها حساباتها وتضع فيها أموالها في أفكار شبيهة ببنوك سويسرا على حسابات الشعوب المقهورة.

وفي مصر طرحت وثائق بنما نحو 660 اسمًا من كبار رجال المال والأعمال المصريين بين 32 عائلة فاسدة، والذين أنشئوا شركات وهمية في بنما بهدف التهرب الضريبي، وكانت الذراع الإعلامية عمرو عبد الحى مصطفى أديب “عمرو أديب”، وزوجته لميس الحديدي، من بين الأسماء، فضلا عن عائلات ساويرس وغبور وصبور ونصير ومنصور، وذلك مسجل في وثائق منذ 2008، وبعلم حكومات مبارك ومن بعده وريثه العسكري المنقلب السيسي.

ولفتت المصادر إلى أن الذراع الإعلامية، عمرو أديب، حلّ في رأس قائمة أعلى الإعلاميين الذين سددوا الضرائب في أبريل 2019، بمبلغ يقدر بنحو 4.999 ملايين جنيه، ليتفوق على شريف عامر الذي سدد 2.01 مليون جنيه هذه السنة، بعدما تصدر القائمة العام الماضي، ودفعت زوجته الإعلامية لميس الحديدي مبلغا يصل إلى 1.382 مليون جنيه.

وثائق بنما

وسمحت هذه وثائق بنما بكشف نظام واسع للتهرب الضريبي، عبر شركات وهمية ساعدت مصارف عدة زبائنها من خلالها.

وفي يونيو الماضي، اعترف يورجن موساك أحد مؤسسي المكتب، بأنه اضطر لإغلاق معظم مكاتبه في الخارج بسبب تراجع نشاطه. وكان مكتب المحاماة البنمي يملك مكتبا في لوكسمبورج أغلقه في فبراير الماضي.

وبين الشخصيات التي طالتها الفضيحة رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، والبريطاني ديفيد كاميرون، والرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، والمخرج السينمائي الإسباني بيدرو المودوفار.

وبعد تسرب الوثائق، فتح 150 تحقيقا على الأقل في 79 بلدا في قضايا تهريب ضريبي أو تبييض أموال، حسب المركز الأمريكي للنزاهة العامة.

لكن مكتب المحاماة أكد أنه حتى الآن لم تقم أي سلطة قضائية بأي إجراء ضد نشاط فونسيكا.

“عز” ومحمد علي

وبعيدا عن وثائق بنما، فإن التهرب الضريبي في مصر كشفه تناقض في تعامل سلطات الانقلاب بين رجل أعمال مبارك أحمد عز، والفنان محمد علي بطل مظاهرات سبتمبر الماضي، ووظف الانقلاب القضاء في صالحه سياسيا واقتصاديا، ففي 1 فبراير قضت محكمة التهرب الضريبي بحبس المقاول والفنان محمد علي 5 سنوات، وكفالة 100 ألف جنيه، بادعاء الضريبة المستحقة عليهما.

وكانت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مدبولي كساب، في يناير الماضي، قد قضت بحبس محمد علي بالسجن 5 سنوات، وألزمته المحكمة بأداء لمصلحة الضرائب المصرية 41 مليونا 879 ألف جنيه، مقدار الضريبة على القيمة المضافة، وإلزامه بالضريبة الإضافية المستحقة عنها، بواقع 1.5% عن كل شهر أو جزء منه، اعتبارًا من تاريخ استحقاق الضريبة الأصلية حتى تاريخ السداد، وإلزامه بقيمة الضريبة الجدول بواقع 5% من قيمة الضريبة المستحقة سالفة الذكر.

وقررت المحكمة، إلزام محمد علي أيضًا بمبلغ 6 ملايين 185 ألف جنيه، قيمة ضريبة المبيعات المستحقة عن الفترة من أكتوبر 2012 حتى 7 سبتمبر 2016، وإلزامه بالضريبة الإضافية المستحقة بواقع 0.5% عن كل أسبوع أو جزء منه، اعتبارًا من تاريخ استحقاق الضريبة الأصلية حتى تاريخ السداد وإلزامه بالمصاريف الجنائية.

في حين أن نفس المحكمة في يونيو 2019، قضت بانقضاء دعوى اتهام رجل الأعمال أحمد عز بالتهرب الضريبي، بعد تقديم أوراق التصالح.

غير أن فارق المبلغ المطلوب سداده من عز، وهو التهرب من سداد ضرائب، بقيمة مليون و200 ألف جنيه، يكشف بمقارنته بالمبالغ السالفة المطلوبة من محمد علي يكشف انحياز الانقلاب.

إلا أن تصالح أحمد عز بدفع مبلغ 1.7 مليار جنيه كشف عن ابتزاز الانقلاب للفاسدين بتمرير فسادهم مقابل حصة من الفساد مع استمرار الفساد، ليستمر “بيزنس” الانقلاب.

ففي 20 مايو الماضي، دفع رجل الأعمال أحمد عز، عضو مجلس سياسات جمال مبارك، وأمين تنظيم الحزب الوطني رغم تصالحه، ولفق مبدأ “هتدفع يعني هتدفع” مقابل سداد مبلغ مليار و700 مليون جنيه مصري، منها مبلغ 600 مليون جنيه تم استردادها من الخارج.

وكان عز قد تقدم بطلب للتصالح مع الدولة في القضية المعروفة إعلاميا بتراخيص الحديد، وتسديد ما قيمته 660 مليون جنيه، وهو المبلغ الذي ارتأت المحكمة أن عز وشركاءه في القضية تسببوا في إهداره على الدولة.

ضرائب ساويرس

وتهرب نجيب ساويرس من ضرائب بيع شركة “أوراسكوم بيلدنج” لشركة “لافارج” الفرنسية، واشترطت حكومة د. هشام قنديل في أبريل 2013، سداد الشركة لضرائبها، ولم يجد “آل ساويرس” إلا الاتفاق على سداد 7 مليارات و200 مليون جنيه للضرائب في مقابل أن تسحب الضرائب قضية التهرب الضريبي التي حررتها ضده، ويقدم ساويرس إقرارا ضريبيا جديدا يتضمن إضافة 7 مليارات و200 مليون جنيه بزيادة على الإقرار الذي قدمه “آل ساويرس” عام 2007، وهي السنة التي شهدت بيع شركة أوراسكوم.

وفي أبريل 2013، سدد “آل ساويرس” 2 مليار و500 مليون جنيه “كاش”، وقدموا شيكات بباقي المبلغ تسدد على دفعات على مدى سنتين، وكان أول قسط منها سيتم سداده في 31 يونيو 2014 وقيمته 300 مليون جنيه.

وأكد المصدر أن “آل ساويرس” سيسددون ما يعادل قيمة المبلغ بالدولار، حيث اشترطت الضرائب أن الدولارات التي سيدفعها ستكون من خارج مصر حتى لا يؤدي سحبها من السوق المصري إلى زيادة الطلب على الدولار، مما يسبب ارتفاع سعر الدولار في السوق المصرية.

واضطر آل ساويرس إلى السداد بعدما رفضوا سداد أي مبالغ، فرفعت الضرائب دعوى قضائية تتهمه بالتهرب الضريبي وإخفاء أرباح بلغت 68 مليار جنيه في صفقة بيع أوراسكوم، وبعدها عرض “آل ساويرس” سداد 4.7 مليار جنيه رفعوها بعد ذلك إلى 6 مليارات جنيه، فيما أصرت الضرائب على أن يسدد 14 مليار جنيه فرفع “آل ساويرس” عرضه إلى 7 مليارات جنيه، وأخيرا تم الاتفاق على سداد 7.2 مليار جنيه.

شراء المتهربين ضريبيًا

وسمحت حكومة الانقلاب الأولى للمتهربين البارزين من الضرائب بأن يظلوا متهربين؛ شراءً لذممهم المالية الفاسدة لدعم الانقلاب.

وكان غالبية داعمي الانقلاب من أبرز المتهربين ضريبيا، وبلغت قيمة المتأخرات الضريبية 79 مليار جنيه، فضلا عن 20 مليار جنيه تهرب ضريبي سنويا.

وسارع نجيب ساويرس إلى عرض المصالحة الضريبية نظير سداد مبلغ 6 مليارات جنيه، من أصل ما يقرب من 14 مليار جنيه هي قيمة المستحقات المتهرب منها.

وتهرب رجل الأعمال عامر منصور بعد قيامه بالحصول على مساحات واسعة من الأراضي في مصر بأسعار غير قيمتها الحقيقية، ومن بينها حصوله على أرض في مارينا العلمين بالساحل الشمالي، وتصل مساحتها إلى حوالى 68 ألف متر، والمعروفة باسم بورتو مارينا وهى الأرض التي اشتراها في عام 2004، حيث تمت عملية الشراء بسعر 1460 جنيهًا للمتر في حين أن قيمته السوقية في ذات الوقت 4500 جنيه ثم قام ببيعه بسعر 22 ألف جنيه للمتر.

وصفوت الشريف، الذي ورد اسمه في تقرير من المباحث تؤكد تهربه ضريبيًا، ولميس الحديدي المتهربة رغم أن راتبها تتقاضاه بالدولار الأمريكي، عن إجراء سلسلة حلقات تليفزيونية مع الكاتب محمد حسنين هيكل.

وعماد الدين أديب كان متهمًا بالتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليه إلا أنه تم فحص إقراراته الضريبية ومراجعتها وتم غلق ملفاته بعد سداد الضرائب.