يعيش الأزهر على صفيح ساخن خلال هذه الفترة؛ ويترقب الأوضاع داخله وحوله جميع الأطراف؛ سواء مؤيديه والراغبين في أن يبقى حصنا منيعا للإسلام ومدافعا عن الدين لا الحاكم، أو الذين يرون أن الأزهر انحرف عن دوره وأصبح داعما ولو بشكل غير مباشر للإرهاب والإرهابيين.
ويجهز مجلس نواب البرلمان قانونا جديدا للأزهر، يسعى من خلاله إلى التخلص من شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب، فيما يدعم الكثيرون الأزهر، مطالبين إياه بعدم الرضوخ للتهديدات التي توجه للمؤسسة العريقة والتي تستهدف ابتزاز شيخها وعلمائها.
من جانبه تساءل الكاتب الصحفي وائل قنديل: “هل يصمد شيخ الأزهر في معركة الأمة، أم أننا سنفاجأ به، مجدّدا، يهرول إلى قصر “أمير المؤمنين”عبد الفتاح السيسي؟
وقال في المقال الذي نشره صباح اليوم على موقع”العربي الجديد”: كم مرة قرأت خبرا بعنوان شيخ الأزهر يذهب إلى قصر الاتحادية؟ في الوقت الذي يستعصي على الحصر، منذ اعتلى عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، يستدعي شيخ الأزهر إلى قصر الحكم، على نحو لا يليق بمكانة الشيخ والمشيخة، في الوقت الذي لم نقرأ أو نسمع أن السيسي ذهب إلى الأزهر، الجامع أو المشيخة، على الرغم من أنه لم يترك مناسبةً دينية إلا وخطب فيها، في أماكن مختلفة، باعتباره رئيس السلطة الدينية، وليس فقط السلطة التنفيذية، حيث يشرّع ويُفتي ويهرف ويجدّف في كل ما يتعلق بالإصلاح الديني وتجديد الخطاب، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يستطيع قراءة آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ نبوي، أو جملة عربية، بشكل سليم ومنضبط.
وأضاف قنديل أن “السيسي” بين كل من حكموا مصر يرى نفسه أعلى من الأزهر، وأكبر من إمامه الأكبر، وبالتالي لم يزر هذا الصرح العريق أبداً، دوناً عن كل حكام مصر، في العصر الحديث، من الملك فاروق وحتى الرئيس محمد مرسي، موضحا أن عبد الناصر لم يجد مكاناً يحشد منه الجماهير، مع بدء العدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956 إلا الجامع الأزهر، حين وقف على المنبر يعلن “سنقاتل” ضد القوى المعتدية على بورسعيد، لتنطلق بعدها ملحمة كفاح شعبي، تبقى محفورةً في الذاكرة الوطنية، ومن بعده ذهب السادات ومبارك والرئيس محمد مرسي.
وأشار “قنديل” إلى أن السادات كان حريصاً على عدم الاصطدام بمؤسسة الأزهر، وفي المرة الوحيدة التي نشبت أزمة بينهما، تراجع السادات وانتصرت إرادة الأزهر، وكان ذلك في يوليو 1974، مع صدور القرار الرئاسي رقم 1098، الذي أصبحت بموجبه مؤسسة الأزهر رسمياً تحت إشراف وزارة الأوقاف، الأمر الذي اعتبر ضربة كبيرة لاستقلال تلك المؤسسة وإمامها الأكبر.
وردا على ذلك القرار، قدّم شيخ الأزهر عبد الحليم محمود استقالته إلى السادات، ثم أقام الأزهريون دعوى قضائية ضد الرئيس ووزير الأوقاف، بهدف إلغاء المرسوم، وانتهى الأمر بتراجع السادات عن القرار، وعودة الإمام الأكبر إلى منصبه.
كما أن المخلوع حسني مبارك لم يجرؤ مرة على إهانة منصب الإمام الأكبر، على الرغم من مواقف المشيخة، إبّان فترة الإمام الأكبر، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الرافضة نهج مبارك في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتصدّيه لفتاوى وقوانين عديدة أرادت السلطة تمريرها، عبر المفتي محمد سيد طنطاوي الذي عين شيخاً للأزهر، على هوى مبارك، بعد رحيل جاد الحق.
وقال قنديل: “وحده، عبد الفتاح السيسي، لا يطيق الأزهر، ولا يجد نفسه تحت سقفه، وبين أروقته، بل يعاديه منذ اليوم الأول، على الرغم من الخدمات المشينة التي قدمها الإمام الأكبر الحالي، الدكتور أحمد الطيب، لمؤسسة الانقلاب، حتى إنه يطلق قطعاناً من شبيحة الخطاب الديني، الزائف، ضد الأزهر، مرة يتهمونه بالإرهاب، ومرّات بالرجعية والجمود، في محاولة لاختطاف سلطة الفتوى والتشريع والحل والعقد، وإسنادها إلى كائناتٍ من نوعية ذلك الدعي، التلفزيوني، إسلام بحيري، الذي يسافر حول العالم مبشّراً بإسلام السيسي الحديث”.
وأكد أنه في وسط هذه المهزلة الحضارية، من الطبيعي أن تدلي إسرائيل بدلوها في شؤون الأزهر، وتنشط أوساطها السياسية والدينية والإعلامية، في تحديد دور المشيخة وضبط حركتها، لتكون متناغمةً مع أجواء صفقة القرن، وإعادة رسم الخرائط الثقافية والروحية للمنطقة.