كتب رانيا قناوي:
كشف الكاتب الصحفي فهمي هويدي أننا في عهد قائد الانقلاب نحتاج إلى مراجعة ضرورية تنقذ مصر من ذكرى ضيعة الحاكم وتجنبها مصير “شخصنة” الحكم، مشيرا لزعم رئيس لجنة القوى العاملة ببرلمان العسكر إن السيسى يعمل وحده وإننا ينبغى أن ندعو الله لأن يعينه، موضحا أن كلامه لم يكن تعبيرا عن رأى خاص به، وإنما كان ترديدا لمقولة شائعة تبثها وسائل الإعلام بصياغات مختلفة.
وقال هويدي خلال مقاله بصحيفة “الشروق” مساء أمس الاثنين، إن هذه هى الرسالة التى توجهها وسائل الإعلام فى مواجهة كل أزمة تتعلق بقصور أداء السلطة، وأحيانا يعبر عن الموقف ذاته بالإشارة إلى أن السيسي يتحرك بسرعة الصاروخ فى حين أن الحكومة تلاحقه بسرعة السلحفاة، وهو ما لا يستغربه المرء حين يجد أنه لا شىء يتحرك فى بر مصر إلا بتوجيهات من السيسي، حتى أن صحيفة الأهرام (عدد ٦ يناير) أبرزت فى عناوين صفحتها الأولى ما ذكره السيسي فى حفل افتتاح مشروعى تطوير ميناء سفاجة ودمياط أن طلب «عدم التعاقد مع شركات أو مستثمرين لتنفيذ مشروعات إلا بعد العرض عليه».
وأكد هويدي أن القرائن لتي تؤكد أنا أصبحنا في شخصنة الحكم كثيرة منها وزير الأوقاف الذي قرر إعداد قوائم خطب الجمعة للسنوات الخمس المقبلة، وأن اللجنة المختصة بالأمر سترفع هذه الخطة إلى رئاسة الجمهورية، نفس الخلفية التى دعت وكيل لجنة الخطة والموازنة إلى القول فى تصريحات منشورة بأنه إذا لم يترشح الرئيس السيسى لانتخابات الرئاسة المقبلة “فإننا سننتحر”.
وأشار إلى ما ذكره المستشار شبيطة فى مؤلفه حول سلطات رئيس الجمهورية أنه حين ألغيت المادة ١٢٢ فى اجتماعات لجنة الخمسين التى بحثت تعديلات دستور ٢٠١٢، فإن عضو اللجنة الدكتور خيرى عبدالدايم، علق على ذلك قائلا إن الإلغاء يعنى أنه أصبح بمقدور رئيس الجمهورية تنفيذ ما يريد قفزا فوق رئيس الوزراء والوزراء، كما أن بوسعه تعيين الموظفين العموميين وإقالتهم دون إخطار أو تشاور، الأمر الذى يعنى أن تركيز السلطة فى يد الرئيس له جذوره فى الدستور الحالى.
وهو ما حدث فى ٩ يوليو عام ٢٠١٥ أصدر عبدالفتاح السيسى قرارا بقانون أجاز لنفسه إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم. وكانت تلك إشارة إلى أن استمرار رؤساء تلك الأجهزة فى مناصبهم بات معلقا على رضا رئيس الجمهورية رغم أن الدستور نص على استقلالها، وبقية القصة معروفة، لأن ضحية هذا التعديل التشريعى كان المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات الذى عزل لأنه لم يكن مرضيا عنه، وهو ما يؤكد سعي السلطة لضرب مؤسسات الدولة واستقلالها الحقيقي.
ودلل هويدي على ذلك من خلال المشروع الذى قدم إلى البرلمان لتعديل قانون السلطة القضائية بحيث يصبح تعيين رؤساء الهيئات القضائية (المستقلة؟!) بقرار جمهورى وليس بقرار من مجلس القضاء الأعلى أو الجمعيات العمومية للقضاة، والتنظيم الجديد للصحافة والإعلام، ذلك أن تعيين رؤساء الكيانات الثلاثة أصبح يتم بقرار من رئيس الجمهورية، الذى يختص فضلا عن ذلك بتعيين ثلاثة آخرين من أعضاء مجلس إدارة كل كيان مستقل(!)، فضلا عن مشروع قانون الجمعيات الأهلية، ونزع استقلال المنظمات الأهلية، وأخضعها لسلطة الأجهزة الأمنية، الأمر الذى أدى إلى تأميم المجتمع الأهلى، وألغى أى دور حقيقى لمنظمات المجتمع المدنى.
وقال هويدي إن المشهد الذى نحن بصدده ليس جديدا تماما، ولكن له جذوره فى التاريخ الفرعونى، وقد وفى الدكتور جمال حمدان الموضوع حقه فى الجزء الأول من موسوعته “شخصية مصر” إذ أرجع الأمر إلى طبيعة المجتمع الحقيقى الذى حول الفرعون إلى الملك الإله الذى صار ضابطا للنهر وضابطا للناس، وهو ما ضاعف من قوة السلطة المركزية فى مصر، كما أشار إلى ان المستشار طارق البشرى قدم قراءة معاصرة للظاهرة فى كتابه “مصر بين العصيان والتفكك”، إذ أرجع الأمر إلى ما وصفه بشخصنة الدولة التى هى غير الحاكم المطلق أو المستبد.