الاحداث المتتالية لا تعرف كم أوصل التخبط الذى يحاصر نظام العسكر، إلى التخلى والإطاحة بعدد من رجاله الأوفياء، الذين ساعدوا وخططوا فى الانقلاب على الشرعية بالبلاد، لكن الوقت اثبت أن الإطاحة هيا مصيرهم مهما كانت مراكز تحصينهم، فإصرار النظام على قانون الهيئات القضائية خير دليل على ذلك والتسريبات السابقة التى كانت تؤكد على الصراع داخل مؤسسات النظام تشير إلى ذلك الأمر أيضًا، وكل ذلك يأتى فى إطار حرب المصالح الخاصة، وليست مصلحة الوطن.
فقيام قائد نظام العسكر، عبدالفتاح السيسى، بالتصديق على ترقية أكبر الخائنين اللواء محمد أحمد زكى، قائد الحرس الجمهورى إلى فريق، أكبر دليل على ذلك، فبعد أن خان الرئيس محمد مرسى، الذى عينه فى منصبه، وثبت فيما بعد مشاركة قوات المظلات التى كان يرأسها فى قتل الثوار بمحمد محمود، كافأة “السيسى” بتلك الترقية، مما جعل عدد كبير من الخبراء يشيرون إلى أنه ربما يكون تمهيد للإطاحة بصدقى صبحى من منصبة ووضع “زكى” فى مكانة، حسب قولهم.
وصدق عبدالفتاح السيسي، على ترقية اللواء أركان حرب محمد أحمد زكي، قائد الحرس الجمهوري، إلى رتبة فريق، ليصبح الرجل الذي خان رئيسه محمد مرسي، وشارك في الانقلاب عليه واعتقاله فهو أبرز المرشحين لخلافة صدقي صبحى في منصب وزير الدفاع، خاصة أن تقارير صحفية تتحدث عن وجود خلافات بين الأخير والسيسي.
وكان الرئيس مرسي عين اللواء “زكي”، قائدا للحرس الجمهوري، في 8 أغسطس 2012، عقب إقالته لقائد الحرس الأسبق اللواء “نجيب عبد السلام”.
وكان موقعه السابق أحد أسباب تعيينه في هذا المنصب، إذ تولى قيادة ورئاسة أركان وحدات المظلات في الفترة بين عامي 2008 و2012.
وأثبت جدارته في توفير عدد من قوات المظلات لتأمين المنشآت الحيوية عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث أسهمت قوات المظلات في تأمين مبني الإذاعة والتليفزيون وغرفتي البرلمان.
لكن تاريخ الرجل ومواقفه اللاحقة أثبتت أنه لم يكن الخيار المناسب لهذا المنصب، وأنه كان يضمر في داخله الخيانة.
فطبقاً لتقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس “مرسي” عقب توليه السلطة في 30 يونيو 2012، حول أحداث ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها، فإن قوات المظلات بالجيش، التي كان يرأسها اللواء “زكي” استخدمت “القوة المفرطة” ضد المتظاهرين خلال أحداث “محمد محمود” الأولى ومجلس الوزراء خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2011.
وفي أحداث تظاهرات قصر الاتحادية الرئاسي في ديسمبر 2012، أظهرت دلائل عدة كيف أن”زكي” تخاذل عن حماية الرئيس “مرسي”، وسهل تسلق المتظاهرين لأسوار القصر الجمهوري، دون اتخاذ إجراءات أمنية، في مخطط كان الغرض منه وقتها اغتيال الرئيس.
وفي انقلاب 3 يوليو 2013، كان الرجل واحداً من أبرز القيادات العسكرية التي شاركت في ذلك الانقلاب، بل تولى مهمة اعتقال الرئيس “مرسي” ومساعديه.
“زكي” لم يكتف بخيانة الرئيس الذي أقسم عل حمايته، بل كان له دور بارز في احتجازه بدار الحرس الجمهوري، الذي انتقل إليه “مرسي” خلال أحداث 30 يونيو 2013، ونقله فيما بعد إلى قاعدة بحرية في مدينة الإسكندرية، احتجز فيها لفترة، قبل أن يظهر في أول جلسة محاكمة علنية في 4 نوفمبر 2013.
فمظاهر الخيانة التي على ما يبدو تجري في دماء الرجل لم تقف عند هذا الحد، إذ شهد “زكي” أمام المحكمة، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”التخابر مع قطر” على أن “مرسي”، وعددا من معاونيه، قد احتفظوا ثم سربوا وثائق تتعلق بالأمن القومي، حسب موقع الخليج الجديد.
أيضاً، شهد الرجل زورا ضد “مرسي” في قضية قتل المتظاهرين المعروفة إعلامياً باسم “أحداث الاتحادية”.
إذ ادعى، في شهادته أمام المحكمة، أن مرسي أمره مرتين بإطلاق النار على المتظاهرين وفضّ الاعتصام أمام الاتحادية في ديسمبر 2012.
واستمر عمل اللواء “زكي”، كقائد لسلاح الحرس الجمهوري، إبان عهد الرئيس المؤقت “عدلي منصور”، ووقعت أمام دار الحرس الجمهوري في 8 يوليو 2013، أحداث عنيفة قتل فيها عشرات من مؤيدي الرئيس “مرسي”، على يد عناصر تابعة للجيش والحرس الجمهوري.
ثم استمر عمل الرجل كقائد للحرس الجمهوري إبان حكم “السيسي”، إلى أن تمت ترقيته اليوم، من رتبة لواء إلى فريق.
وتعد تلك الترقية حدثا لافتا.
إذ لم يتول أحد من قادة الجيش المصري منصب قائد الحرس الجمهوري إلا برتبتي عميد أو لواء، باستثناء “الليثي ناصف”، مؤسس السلاح، الذي تولى المنصب ورُقي فيه إلى فريق.
وبذلك أصبح “زكي” أول قائد للحرس الجمهوري يتم ترقيته إلى رتبة فريق منذ وفاة “الليثي” في 1973.
الترقية تشي بأن شيئا يدور في القصر الجمهوري والمجلس العسكري، خاصة في ظل أوضاع سياسية وأمنية تمر بها مصر مختلفة عن سابقتها.
فـ”زكي” -بتلك الترقية- بات الرجل الثالث في القوات المسلحة من حيث الرتبة؛ إذ يسبقه فقط كل من وزير الدفاع الفريق أول “صدقي صبحي”، ثم رئيس الأركان الفريق “محمود حجازي”.
وبحكم قربه من “السيسي”، كقائد حرسه الجمهوري، فقد بات رقما هاما في المعادلة، ويعتقد مراقبون أنه يتم إعداده لخلافة “صبحي”.
فهناك أحاديث عن خلافات بين “السيسي” و”صبحي” خاصة حول ما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، التي وقعها السيسي مع السعودية، والتي تتنازل بموجبها مصر عن جزيرتي “تيران” و”صنافير” إلى السعودية.
ولعل تحذيرات “السيسي” المتكررة بشأن الأوضاع السياسية، خصوصا حالة القلق الشديدة التي صاحبت دعوات التظاهر في 11 نوفمبر الماضي، تشير إلى أن هناك صراعا ما بين أجهزة الدولة، وهذا ما عبر عنه عديد من كتاب الرأي المصريين.
ويقترب هذا الحديث مع ما أشار له عضو مجلس الشورى السعودي السابق، رئيس مركز الدراسات بجدة “أنور عشقى”، في تعليقه على حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر ببطلان اتفاقية “تيران” و”صنافير” بأن هذا الحكم جزء من “خلاف مصري داخلي”.
هذا الحديث كررته تقارير صحفية، حيث قالت إن جهازا أمنيا سياديا يقف وراء إشعال القضية، وأنه أمدّ المحامين بوثائق يثبت مصرية جزيرتي “تيران” و”صنافير”، وإن هذا الجهاز لديه مواقف سلبية من “السيسي” .
ليس هذا فحسب بل إن المحامي “عصام الإسلامبولي”، كشف عن أن وزير الدفاع “صدقي صبحي” لم يوقع على الاتفاقية بصفته، وهو ما رآه البعض مؤشرا على أزمة “ما”.
كما أن التغييرات في القيادات العسكرية التي أجراها “السيسي”، في الأشهر الأخيرة، تشير إلى أنه يخشى أمراً “ما”.
إذ أصدر “السيسي”، في 17 ديسمبر الماضي، قرارًا جمهوريًا بتعيين قائدين جديدين للقوات البحرية والدفاع الجوي، هما اللواء بحري أركان حرب “أحمد خالد حسن سعيد” قائدا للقوات البحرية، واللواء أركان حرب “علي فهمي محمد علي فهمي” قائدا للقوات الجوية.
وبهذه التغييرات في بنية المؤسسة العسكرية، فإن كثيرا من أعضاء المجلس العسكري، وقادة الجيوش والأفرع الرئيسية، بالإضافة لرئيس الأركان، ومدير المخابرات الحربية، صاروا أكثر ولاء لـ”السيسي”، وبات شبه مسيطر على المجلس.
ويبدو أن الخطوة المرتقبة لـ”السيسي” هي الإطاحة بـ”صدقي صبحي” وتعيين “زكي” بديلا عنه.
والتاريخ يدعم مثل تلك التكهنات.
فعدد من قادة الحرس الجمهوري السابقين تم ترقيتهم إلى رتبة فريق، وبعدها إما إلى تولي رئاسة الأركان أو وزير الدفاع.
ومن هؤلاء اللواء “مجدي حتاتة” (1993- 1995)، الذي رقي لرتبة الفريق وتولى رئاسة الأركان (1995- 2001)، واللواء “حمدي وهيبة” (1999-2001) الذي رقي لرتبة فريق وتولى رئاسة الأركان (2001 – 2005)، و”المشير محمد حسين طنطاوي” الذي رقى لرتبة فريق وتولى وزارة الدفاع في 1991.