بعد ساعات من إعلان مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلغاء مؤتمر عن تعريف التعذيب، كان مقررا له أن يعقد بالقاهرة يومي 4 و5 سبتمبر القادم، سارع قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي بإصدار قانون العمل الأهلي الجديد، على أمل أن يمتص صدمة إلغاء المؤتمر الأممي في مصر، بعد حملات عالمية حالت دون عقده بمصر التي تشهد سجونها تعذيبا ممنهجا.
وتأتي مسارعة السيسي بإصدار القانون الذي أقره في وقت سابق مجلس نواب الانقلاب، ليطلق يد الشاتة من المنظمات الداعمة لمصر في مجالات الصحة والسكان والاغاثة ….فيما يحتفظ لنفسه ودوائره المخابراتية بحسم الائحة التنفيذية للقانون والتي تحوي تفاصيلها كل شياطين الانس والجن.
وجاء اصدار قانون العمل الأهلي الجديد،ايوم الأربعاء الماضي، لتبدأ الحكومة ا”ماراثوناً” جديداً من المفاوضات مع الجهات المانحة والحكومات الغربية، تهدف إلى مطالبتها بالعودة لإرسال مساعداتها ودعمها المالي لمصر، بهدف تمويل الأنشطة التنموية والثقافية والصحية والدراسية، بعد توقفها بصورةٍ شبه كاملة منذ صدور القانون الملغى رقم 70 لسنة 2017.
وأصدر السيسي القانون الجديد مباشرةً بعد إلغاء المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة المؤتمر الذي كان مقرراً عقده في مصر يومي 4 و5 سبتمبر المقبل حول مكافحة التعذيب، إثر انتقادات وجهتها منظمات حقوقية للمكان الذي اختارته المنظمة لعقده، وانتقادات دولية لسجل مصر في التعذيب الممنهج.
وبحسب تقارير اعلامية، كان السيسي يرجئ إصدار القانون، الذي أقره مجلس النواب الانقلابي بسرعة فائقة نهاية الدورة البرلمانية الماضية، لأسباب عدة، من بينها عدم استباق هذا المؤتمر بالذات بأي إجراءات تمنع عقده في مصر، أو تحوله بعد انعقاده لساحة استهجان واسعة لإجراءات تعامل الدولة مع العمل الأهلي والحقوقي، رغم كل ما يحويه القانون من مستجدات تجعله أفضل، ولو ظاهرياً، من القانون السابق.
لفت الانتباه عن الفضيحة
وبعد إلغاء المؤتمر، سارع السيسي إلى إصدار القانون للإسراع في الدخول في مفاوضات حتمية مع الجهات المانحة والسفارات الكبرى لدول غرب أوروبا واسكندنافيا والولايات المتحدة في المقام الأول، لبحث سبل إعادة تمويل الجمعيات والمؤسسات المصرية كما كان الوضع قبل العام 2017.
ويتيح القانون للحكومة، في مادته السابعة من مواد الإصدار، ستة أشهر لإصدار اللائحة التنفيذية، التي وضعت وزيرة التضامن غادة والي مشروعاً بها بالفعل، ما زال في انتظار موافقة الجهات السيادية والرقابية، وفوق ذلك موافقة الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا، مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي، والتي شاركت بفاعلية في صياغة النص النهائي للقانون، بعد اعتراضها على بعض الأفكار التي كانت قائمة في مشروع الوزيرة السابق رفضه منذ عامين.
وتخشى المؤسسات التمويلية استخدام القانون الجديد في تحديد أنماط بعينها للأنشطة محل التمويل، وإهمال الملفات الخاصة بالتحول الديمقراطي والمساعدة القانونية للسجناء والتثقيف والتعليم والتدريب، وذلك باستخدام الألفاظ المائعة وحمّالة الأوجه التي يزخر بها القانون الجديد وتثير شكوك الجهات الغربية في نوايا نظام السيسي، مثل “النظام العام، والأمن القومي، والآداب العامة” في ما يتعلق بضوابط عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ما يمنح الوزارة المعنية، والوحدة الجديدة التي ستنشأ بها لمتابعة عمل تلك المنظمات، مساحةً للتضييق والعقاب، وحتى التصفية.
5 قضايا
وهناك خمس مواد في القانون الجديد تستخدم تلك التعبيرات كأمورٍ لا يجوز الإخلال بها لحماية الجمعية الأجنبية من الحل، حيث يشترط لإنشائها أن يكون لها نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج تحدده اللائحة التنفيذية التي ستصدر للقانون، وموقع عليه من جميع المؤسسين. ويجب ألا يتضمن هذا النظام الأساسي أي مواد تنص على الإخلال بتلك المصطلحات الثلاثة، التي تزخر بها التشريعات المصرية، وتستخدم غالباً لتوسيع رقعة التجريم.
سيل من الممنوعات
كما يحظر القانون على الجمعيات ممارسة أنشطة حزبية أو نقابية أو تكوين جمعيات سرّية أو سرايا، وهذا يعتبره الغربيون أمراً طبيعياً، لكن ليس من الطبيعي أن يعود المشروع ويحظر عليها “ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي” دون توضيح المقصود بهذه المصطلحات، فهناك العديد من الفعاليات والأنشطة التي يمكن اعتبار أنها تهدد النظام العام من قبل سلطات أو أجهزة متطرفة في تقييد المجال العام، أو أنها مغالية في تطبيق القانون.
ويعيد القانون في موضعٍ آخر بمادة أخرى التأكيد على “حظر تمويل نشاط يدخل في نطاق عمل الأحزاب، أو النقابات المهنية، أو العمالية أو ذي طابع سياسي أو ديني، أو يضر بالأمن القومي للبلاد، أو النظام العام، أو الآداب العامة، أو الصحة العامة، أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن”، ما يعبر بحسب تلك الجهات خلال مفاوضاتها مع المسؤولين المصريين عن “قلق الحكومة من تحركات المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ورغبتها في إحكام وثاقها وعدم فتح مساحات أمامها للعمل في المجالات السياسية والثقافية والحقوقية تحديداً، خاصة مع استخدام مصطلح “إثارة الفتن” الذي يمكن استغلاله لمنع أنشطة كثيرة في تلك المجالات المزعجة لنظام السيسي.
وفي مادة أخرى، يجيز القانون لوزير التضامن الاجتماعي أن يصدر قراراً بإيقاف النشاط أو إلغاء التصريح من الأساس، وذلك فقط لـ”أسباب تتعلق بتهديد الأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام”، ودون اللجوء إلى القضاء. وهنا تخشى الجهات الغربية الترصد بالمنظمات الأجنبية والمحلية المدعومة منها، فضلاً عن كون المادة تسمح بتدخلات إدارية مباشرة في أي وقت لوقف الأنشطة أو منع التمويل.
وهكذا يطبق السيسي فلسفة”لو ما اخدناش المؤتمر ناخد فلوسهم”!