دعوة الإخوان المسلمين دعوةٌ بسيطةٌ واضحةٌ، لا تعقيد فيها ولا غموض، ومع هذا فقلَّ أن نجد من يفهمها فهمًا صحيحًا في خارج محيط الإخوان المسلمين.
إن دعوة الإخوان هي دعوة الإسلام.. دعوة إلى إقامة المجتمع على أسس إسلامية، فما هي هذه الأسس الإسلامية؟
إن الإسلام عقيدة، تنبثق منها شريعة، ويقوم على هذه الشريعة نظام، ولكنَّ الأوطان الإسلامية تعيش فيها أقلياتٌ لا تؤمن بالإسلام، ولها عقائد أخرى، فما يكون موقف هذه الأقليات من تطبيق النظام الإسلامي؟!
إن النظام الإسلامي ذاته يجيب على هذا السؤال ببساطة:
إن هذا النظام يكفل للأقليات حرية الاعتقاد كاملةً، فلا يمسها في عقيدتها ولا في عبادتها ولا في أحوالها الشخصية، فهذه كلها تجري وفق عقيدة كلِّ أقلية، بدون تدخُّل من الدولة إلا في حدود الحماية المفروضة لجميع العقائد، شأنها شأن العقيدة الإسلامية في هذا النظام.
فأما التشريعات التي تحكم المجتمع وتحدد علاقاته الخارجية خارج دائرة الأحوال الشخصية فهي التي يحتِّم فيها الإسلام أن تكون وفقَ الشريعة الإسلامية، وشأن هذه الشريعة بالنسبة للأقليات شأن أي تشريع آخر ينظِّم الحياة الاجتماعية، فهو تشريعٌ جنائيٌّ ومدنيٌّ وتجاريٌّ ودوليٌّ، قائمٌ على أسس أخلاقية ترتضيها جميع الديانات، وهو من هذه الناحية أقرب إلى روح المسيحية أو روح اليهودية من التشريع الفرنسي الذي يحكمنا، والذي يستند إلى التشريع الروماني الوثني المادي أكثر مما يستند إلى روح المسيحية.
الصورة غير متاحة
فما الذي يضير أية أقلية في أن يكون التشريع المدني والتجاري والجنائي مستمدًّا من الشريعة الإسلامية، ما دامت حرية الاعتقاد وحرية العبادة وحرية الأحوال الشخصية مكفولةً في النظام الإسلامي؛ لأن حمايتها جزءٌ أساسيٌّ في هذا النظام وما دامت مبادئ الشريعة الإسلامية تتضمن أُسُسًا للتشريع الحديث يعترف المشرِّعون المحدثون أنفسهم بأنها أرقى من التشريع المدني المستمدّ من التشريع الروماني؟!
أي فرق بين أن تستمدَّ الدولةُ تشريعاتها من الشريعة أو من التشريع الفرنسي بالنسبة للمسيحي مثلاً؟ إن القانون الفرنسي لا يكفُل له ضماناتٍ أوسعَ مما تكفل له الشريعة، ولا يمنحه في الدولة حقوقًا أكبرَ مما تمنحه الشريعة، والشريعة لا تمسُّ وجدانَه الدينيَّ ولا عبادتَه الخاصَّةَ ولا أحوالَه الشخصيةَ، بل تكفلها له وتحميها حمايةً كاملةً لا مزيد عليها.
وحتى في التشريع الجنائي والتجاري والمدني فإن ما يتعلَّق بالعقيدة وينبني عليها يلاحظ أن النظام الإسلامي فيه لا يجبر الأقليات على تشريع يمس عقيدتهم، فالإسلام مثلاً يحرِّم شرب الخمر على المسلمين، ويعاقب الشارب عقوبةً خاصةً، ولكن إذا كانت هناك أقلياتٌ تُبيح عقائدُها لها شربَ الخمر فإن الإسلام لا يعاقب هذه الأقلية.
والإسلام مثلاً لا يَعُدُّ الخمر أو الخنزير مالاً مقوَّمًا، فإذا كان الخمر أو الخنزير مِلكًا لمسلم وأُتلف، لم يكن على مُتلفه عقوبة ولا تعويض، فأما إذا كان مِلكًا لغير المسلم ممن يُبيح لهم دينُهم تجارةَ الخمر والخنزير فإن المعتدي عندئذ يغرم.
كذلك الزكاة، فهي معتبرةٌ في الإسلام ضريبةً وعبادةً في وقتٍ واحدٍ، ومن ثم لا يُكلّفها أصحاب الديانات الأخرى ما لم يرغبوا في أدائها، ولكنهم يدفعون مقابلها ضريبةً لا تحمل معنى العبادة؛ كي لا يُجبَروا على أداء عبادة إسلامية في الوقت الذي يجب أن يساهموا في التأمين الاجتماعي للأمة؛ لأنهم يتمتعون بثمرة التأمين الاجتماعي الذي فُرضت الزكاة من أجله ويتمتعون بالضمانات الاجتماعية عن طريق هذا التأمين.