قد يبدو موضوع هذا البلاغ العاجل قديما نسبيا، لكن الإعلان عنه رسميا ودخوله حيز التنفيذ، يجعل منه حديث الساعة، وكل ساعة؛ لشدة خطورته على “وجود الدولة المصرية” ذاته، وليس على أمنها القومي فحسب!!
والموضوع هو “صندوق مصر” أو الصندوق السيادي”، ذلك الصندوق الذي بدأ الحديث عنه في عام 2015 ولم يتوقف، حتى تبلور في “مشروع قانون” وافق عليه برلمان الانقلاب، في 16 تموز/ يوليو 2018، فأضحى “قانونا”، تم التصديق عليه حسب الأعراف المتبعة، ونُشر في الجريدة الرسمية في 28 شباط/ فبراير 2019.
وبينما لا يخضع هذا الصندوق لأي جهاز من أجهزة الدولة الرقابية، فإنه يُدار بالأمر المباشر من الجنرال المُنقلِب عبد الفتاح السيسي، ما يعني أن “مصر الدولة” أمست فعليا، وبحكم “القانون”، ملكا شخصيا للسيسي!!
أما هدف “صندوق مصر” المُعلن للشعب المصري، فهو إدارة واستثمار “أصول مصر” وتوفير فرص عمل للشباب!! والأصول تعني “كل شيء مادي” داخل حدود مصر الجغرافية، الأرض نفسها كأرض، وما فوقها (رمال – محاجر)، وما في بطنها (ذهب – فوسفات – حديد – فحم).. البحر.. النيل.. الآثار.. المنشآت كافة.. إلخ.
وهنا يسأل المواطن العادي: وما خطورة مشروع استثماري “عظيم” كهذا على “وجود الدولة المصرية”؟!
والإجابة عن هذا السؤال، تبدأ بتعريف “الصندوق السيادي”..
إذ يقول خبراء الاقتصاد: الصناديق السيادية لا توجد إلا في الدول الغنية ذات الوفرة المالية؛ لإدارة واستثمار “فائض الدخل القومي”. بمعنى؛ أن الخزينة العامة للدولة تدخل إليها أموال طائلة، تزيد على نفقات الدولة والتزاماتها الداخلية والخارجية، ومن ثم فلا بد من إدارة هذه الأموال بالاستثمار، وليس “تجميدها”.
فهل مصر دولة غنية، أو لديها فائض من دخلها القومي؟!
الإجابة: كلا البتة!!
فالحقيقة المؤكدة تقول: مصر دولة فقيرة، وصل دينها العام إلى أربعة تريليونات جنيه مصري، ولا يمكنها توفير احتياجات مواطنيها الأساسية، إلا بالاستدانة داخليا (من البنوك المحلية) وخارجيا (من الدول أو صندوق النقد الدولي)!! ويذهب 95 في المئة من دخلها القومي لسداد ديونها، وسداد فوائد هذه الديون، ما يعنى أن مصر ليس لديها ما تستثمره!!
وهنا يطل سؤال آخر برأسه: إذن ما الهدف الحقيقي من هذا الصندوق؟!
الإجابة بكل بساطة: الاستحواذ على كل أصول مصر التي فصَّلناها آنفا، وبيعها لجهات أجنبية؛ لتوفير احتياجات المواطنين الأساسية، ليس إيمانا بحق المواطن في الحياة، ولكن لتأجيل “غضب” هذا المواطن إلى أبعد أجل ممكن!! وهو الأجل الذي سيكتشف فيه المواطن أن “الدولة المصرية” قد بيعت بالكامل لجهات أجنبية!! ولم يعد هذا المواطن يملك من بلده شيئا، حتى القبر الذي سيواري جثته!!
ستغيب “الدولة المصرية” فعليا، لتحل محلها “الإقطاعية المصرية” لصاحبها البنك الدولي، أو صندوق النقد الدولي، أو وكلاء عنهما في صورة شركات عابرة للقارات!! ومن ثم، سيتحول المصريون كافة إلى عبيد، والوزراء إلى أغوات، والرئيس إلى باش أغا، ومؤسسات الدولة إلى إدارات محلية، والجيش والشرطة إلى خفر؛ لحفظ الأمن الداخلي!! ولا مانع أبدا من الإبقاء على “مظاهر الدولة” منعا لاستفزاز المواطنين!! فليبق العلم، والنشيد الوطني، ومقعد مصر في المحافل الدولية، غير أن كل ذلك لا معنى له إذا كانت البلد ملكا لغير مواطنيها.
هذا الوصف لحال مصر بعد الاستحواذ عليها، ليس على سبيل المجاز، أو المبالغة، ولكنها الحقيقة المجردة، التي تتجه مصر نحوها، عن سابق قصد وتصميم من عبد الفتاح السيسي الذي لم ينقلب على الرئيس الشرعي المنتخب؛ ليحكم مصر، وإنما انقلب لتخريبها، وبيعها “خُردة” بأبخس الأثمان، لجهات أجنبية، ستكون (بالضرورة) مرتبطة ارتباطا وثيقا بالصهيونية العالمية التي تسعى لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات!!
ومصر هي الحالة الثانية بعد رومانيا التي بدأت خصخصة كل شبر فيها منذ عام 1990 وحتى 2005، وهو العام الذي انتهت فيه “رومانيا الدولة”، وباتت “إقطاعية” تديرها (بالكامل) شركتان أمريكيتان هما: “فرانكلين تيمبلتون إنفستمنت” و”إليوت مانجمينت” بعد استحواذهما على “صندوق رومانيا” الذي يملك كل أصول الدولة.
وفي سبيل إلهاء الشعب المصري عن هذا المخطط الشيطاني، تلجأ سلطة الانقلاب إلى أسلوبين للإلهاء:
الأسلوب الأول، يستهدف الشعب التاني” حسب وصف الانقلابيين لمناهضي الانقلاب، ويتمثل في الاعتقالات المستمرة، والتنكيل بالمعتقلين، على نحو يجعل منهم أمواتا على قيد الحياة، كما في حالة عائشة خيرت الشاطر، وبسمة رفعت، وغيرهما كُثر، والمحاكمات الهزلية الي تنتهي بأحكام بالغة الجور، تصل إلى الإعدام والمؤبد، والتصفية الجسدية في الشوارع، والإخفاء القسري، وإهانة ذوي المعتقلين إذا سمحت لهم سلطة الانقلاب بزيارتهم، فهذه هي القضية المركزية التي تستحوذ على اهتمام هذا الجزء من الشعب المصري.
الأسلوب الثاني، ويستهدف عموم المصريين، ويتمثل في تفجير قضايا مثيرة، بصورة شبه يومية، تشغل الرأي العام، وتفرض نفسها في الأحاديث الخاصة، أو حتى في التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن عينة ذلك، الفتاوى الشاذة، مثل فتوى سعد الهلالي التي أباح فيها شرب الخمر إلى الحد الذي لا يُذهِب العقل!! والهجوم على شخصيات كبرى مثل الشيخ الشعراوي، وخلع الفنانات الحجاب، والفيديو الإباحي المنسوب لمرتضى منصور، رئيس نادى الزمالك، المشهور ببذاءة لسانه.. إلخ!!
فهل سيظل الشعب المصري يستجيب لهذه المُلهيات، غير واعٍ بما يُحاك لمصر من مؤامرة تستهدف وجودها؟! أم أنه سيتنبه لها، ويفجر ثورة جديدة تستنقذ مصر من الضياع؟!
المقال كتبه أحمد عبد العزيز – المستشار الإعلامي للرئيس محمد مرسي