بعد تصاعد حدة الانتقادات الدولية بسبب تضييق الخناق على المنظمات غير الحكومية في مصر، وبعد تصريحات ساخرة للنشطاء من إعادة إحياء قضية ” التمويل الأجنبي“، أصدر قاضي التحقيقات قرارا بحظر النشر في تحقيقات القضية.
تتعرض منظمات حقوق الإنسان في مصر حاليا، لحملة تشويه واتهامات تتعلق بالإضرار بالأمن القومي وزعزعة استقرار البلاد، ويجرى حاليا استجواب بعض العاملين في منظمات غير حكومية، ومنع سفرهم، وتجميد أموال بعض النشطاء.
ويشارك في هذه الحملة عدد من وسائل الإعلام، حيث وصفت صحيفة خاصة بارزة في مصر الجمعة الماضي المنظمات المتهمة بـ”جمعيات التخريب” وأنها تهدف إلى إسقاط الأنظمة العربية، كما استنكرت أحزاب موالية للحكومة ما أسمته بـ”التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي لمصر“.
وتعرف قضية “التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني” بقضية رقم 173.
وكان مجلس الوزراء قد أمر وزير العدل في يوليو 2011 بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظمات المجتمع المدني وتحديدا لمعرفة ما إذا كانت تلك المنظمات مسجلة بموجب القانون 84. وقد تم استكمال التقرير في سبتمبر 2011.
وفي يونيو 2013، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات، وكانت معظم الأحكام غيابية، أما العاملين المصريين الذين ظلوا داخل البلاد فقد حصلوا على أحكام بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. كما أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد القومي الديمقراطي، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحافة، ومؤسسة كونراد أديناور.
لماذا تفتح قضية “التمويل الأجنبي” من جديد؟
وحول سبب فتح هذه القضية من جديد يقول جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، “لا أعلم تحديدا اسباب فتحها في هذا الوقت بالذات، لكني أعلم أن انتقاداتنا للانتهاكات الحادة والمتوشحة لانتهاكات حقوق الانسان في مصر يغضب النظام كثيرا، وبالنسبة لنا في الشبكة العربية لحقوق الانسان، فقد أبلغنا مصدر قضائي، أن شكاوى السعودية لانتقاداتنا الحادة لجلد رائف بدوي وحكم إعدام أشرف فياض، سجناء الرأي هناك، أحد أسباب الانتقام منا”.
وجمال عيد هو أحد الذين يتم استجوابهم في هذه القضية، وقررت محكمة جنايات القاهرة، الخميس الماضي, تأجيل النظر في أمر منع حسام بهجت، وجمال عيد، من التصرف في أموالهما إلى جلسة 20 أبريل المقبل، للاطلاع.
يحذر نشطاء من أن السخرية من بيان وزارة الداخلية بشأن عصابة قتلت الباحث الإيطالي جوليو ريجيني قد تؤدي الى حظر النشر في هذه القضية أيضا.
ولم يتضح عدد الجمعيات التي سيجري التحقيق معها في القضية التي شملت حتى الآن موظفين أو مسؤولين عن إدارة ما لا يقل عن ست من أشهر الجماعات الحقوقية في مصر.
ويضيف عيد لـDW قائلا:”تحريات أمن الدولة الكاذبة تزعم حصولي على أموال من جهات دولية عبر حسابي الخاص، وسوف نأتي بشهادة من البنك تكذب ذلك، واتهامي بأنني عضو بحركة كفاية، وفي هذا انا اعترف بذلك واعترف بأنني ساهمت في فضح نظام مبارك ولست نادما”.
من جانبه يقول الدكتور أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن هناك إجراءات ينظمها القانون للحصول على التمويل الأجنبي، والحصول على موافقة من الدولة، لكن العديد من المؤسسات لم تلجأ لهذه الإجراءات، وبعضها تحايل على القانون بإنشاء شركات من خلال قانون الشركات ولكنها في نفس الوقت تعمل عمل منظمات المجتمع المدني.
وأضاف الخبير لـDWأنه يجب إصلاح المنظومة بكاملها، إذ أنه “يتعين على الدولة أن تعيد النظر في قانون منظمات المجتمع المدني، وتوفير الدعم لهذه المنظمات، بحيث لا تعتمد كليا على التمويل الأجنبي، كما أن منظمات المجتمع المدني يجب أن ترفع من مستوى الشفافية والمحاسبة، وأن تتجاوز الإطار النخبوي، وتطور مصادر تمويلها، و تقنع المجتمع ورجال الأعمال والأحزاب بدورها.
سمعة سيئة بسبب حظر النشر
ويوصف قرار حظر النشر بأنه “سيء السمعة“، إذ تم العمل به في نحو 19 قضية خلال حوالي ثلاث سنوات، مثل التحقيقات الخاصة بالفساد الوارد في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وقتل المستشار هشام بركات، وقتل الفوج السياحي المكسيكي، واتهام بعض أعضاء النيابة في الاتجار بالآثار وموضوع الفساد في وزارة الزراعة.
كما حذر نشطاء مؤخرا من أن السخرية من بيان وزارة الداخلية، بشأن عصابة قتلت الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، قد تؤدي أيضا إلى حظر النشر في هذه القضية أيضا. وقال أحد النشطاء على تويتر “الصحفيون لن يجدوا مواضيع يكتبون عنها بسبب كثرة حظر النشر”.
من جهته قال المحامي أسامة ناصف، الباحث في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات إن “أغلب الحظر يرد إما على قضايا قتل، بحيث لا يصل مجرى التحقيق إلي الرأي العام، ويكون من صالح الدولة أن تخفي الحقائق عن الشعب بصفة عامة والمراقبين والنشطاء بصفة خاصة ، أو يرد علي قضايا فساد مالي والذي يطول بعض كبار المسؤولين”.
وأضاف ناصف في حديثه لـDW إن “النظام لم يتخذ وسيلة الحظر فقط لمنع وصول الحقائق، بل اعتمد وسيلة التستر على الفساد، كالاتهامات التي وجهت من قبل للمستشار أحمد الزند وإبراهيم محلب وغيرهم”، مشيرا إلى أن كثرة إصدار قرارات بحظر النشر يؤدي إلى فقد الثقة والمصداقية.
من جانبه يرى جمال عيد أن حظر النشر يفترض أن يتم في أضيق الحدود حفاظا على سرية بعض التحقيقات أو سمعة العائلات ، “لكن في مصر اصبح وسيلة لاخفاء الحقائق وحرمان الرأي العام من المعلومات التي تهمه “.
وأضاف ” نحن ننظر لهذا الحظر كجزء من اجراءات لا علاقة لها بالقانون ، بل بالتوجه السياسي للدولة ، ورغم انه ليس مفاجئا ، لكنه يزيد غضبنا وحزننا على ما وصل له جهاز العدالة في مصر من انحياز وكيل بمكيالين.”
لكن أيمن عبد الوهاب رأى أن قرار حظر النشر في تحقيقات قضية “التمويل الأجنبي” أمر إيجابي، “لأن الإعلام والسوشيال ميديا والشائعات قد تؤثر سلبيا على سير التحقيقات”.
وقالت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” على موقعها الإلكتروني 21 مارس الجاري :”إذا سارت الملاحقة في طريقها فإن من شأنها أن تؤدي إلى إغلاق تلك المنظمات غير الحكومية، والحكم على العاملين فيها في تهم يحمل بعضها عقوبة السجن المؤبد”.
وأضافت المبادرة أن “المنظمات التي تواجه الملاحقة هي من أكثر المنظمات الحقوقية المصرية تمتعا بالمصداقية والاستقلالية، وهي الصوت الوحيد الباقي لانتقاد سياسات الحكومة في المجال السياسي والاقتصادي والتنموي والحقوقي، ومن شأن إغلاق الجمعيات الحقوقية وجمعيات المرأة أن يؤدي إلى تصاعد متسارع في وتيرة الانتهاكات الحقوقية”.
نقلا من مجلة دويتش فيله