للأزهر رب يحميه!!

بقلم: د. أكرم كساب
من المعروف أن الأزهر أنشئ كصرح شيعي أقامه جوهر الصقلي ليفرخ للمذهب الشيعي في مصر وما حولها يوم أن كان للمذهب العبيدي متمثلا فيما يسمى بالدولة العبيدية (الفاطمية) صولات وجولات، ولكن الله قيّض للأزهر رجلا ربانيا هو صلاح الدين إذ اقتلع الأزهر من أنياب المذهب الشيعي المتطرف في اعتقاده، والمنحرف في عباداته، وبعد عودة الأزهر للعمل في ميدان التعليم أضحى قلعة سنية، بل وأصبح ولمدة طويلة من الزمن كعبة العلم، يتوجه إليها طلابها من كل حدب وصوب، ويأوي إليها الحاذقون النابهون من الطلاب والتلاميذ سود وبيض…
ولقد ارتبط الأزهر في كثير من فتراته بالموجات الثورية ضد الظلم والاستبداد، ومن طريف ما يذكر أن الشيخ ( الخراشي) والذي تولى أول مشيخة للأزهر عام 1118ه كان رافضا للظلم عاملا على ردّ المظالم إلى أصحابها، حتى أصبح اسمه دارجا على ألسنة الناس عند حدوث أمر ما، وقد شاع ألسنة المصريين (يا خراشي)، وهو مما يخالف العقيدة إن طلب منه العون فيما لا يقدر عليه إلا الله. وقد أبدع شوقي حين قال:
قم في فم الدنيا وحي الأزهـرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا
كانوا أجل من الملـوك جلالـة وأعز سلطاناً وأفخــم مظهـراً
والله ما ندري لعـل كفيفهــم يوماً يكون أبا العلاء المبصــرا
هزوا القرى من كهفها ورقيمها أنتم لعمر الله أعصـاب القـرى
الغافل الأمـي ينطـق عنكمـو كالببغــاء مـردداً ومكــرراً
لكن هذا لا يمنع أنه كان للأزهر بعض أوقات خمول وكسل، بل وتخلف، لكنه والحق يقال يظل الأزهر – كمؤسسة- حاميا للدين والشرع، والتطاول عليه هو بمثابة تطاول على صرح ديني كان وما زال يحفظ للأمة ثوابتها على ما لبعض المنتسبين إليه من مواقف مخزية…
لكن العجيب أن بعض تفجيرات الكنيستين في الأسبوع الماضي خرجت أفاعي الإعلام، وحمقى ما يسمى بالنخبة في مصر بهجمة شرسة على الأزهر؛ شيخه ومنهاجه وفكره وأثره، بل وصل الأمر إلى أن اتهم بعض ببغاوات الإعلام الأزهر بأنه وراء هذه التفجيرات….
وبعيدا عن الخلاف السياسي مع الأزهر منصبا وشيخا فأقول:
1. ينبغي أن نفرق بين الأزهر كمؤسسة، وبين شيخه وبعض المترأسين فيه، فالخلاف مع شيخ الأزهر ينبغي أن ينحى جانبا، فالأمر الآن يتعلق بحماقات يرددها العلمانيون والشيعة، بل والملحدون، لا يراد من وائه الأزهر، وإنما يراد الدين والشرع؛ عقيدة وشريعة.
2. الهجوم على الأزهر هو حالة من حالات الهرج التي تسود مصر الآن، فحين يكون علي عبد العال رئيسا لمجلس شعب، ويكون أحمد موسى وجها إعلاميا، فلا تتعجب من مثل هذه الحملات على الأزهر ومناهجه، وقد قال أحمد موسى وهو المعروف بتوجهاته الأمنية والاستخباراتية (إن مناهج الأزهر تحتاج إلى نسف).
3. هذا الهجوم – والحق يقال- ليس لمصلحة مصر وإنما هو لمصلحة فئة معينة، تريد أن يكون كل شيء بيدها، ولا تريد من أحد أن يخالفها في قول أو فعل، إنها السلطة المستبدة التي تريد أن تجعل من خصائص الحاكم المستبد: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].
4. أن جرأة الأزهر في رفضه لاقتراح السيسي بعدم وقوع الطلاق الشفوي، والذي كان يريد من وراءه تمييع بعض أحكام الطلاق، قلل من هيبة السيسي، فسلط وقتها بعض المتطفلين على العلم لينالوا من الأزهر ورجاله، فلما لم تنجح الحملة كان لا بد من حملة جديدة يقودها إعلام (عباس كامل) بفكر (إلهام، ويسرا، وناعوت….).
5. السلطة في مصر دائما وأبدا تبحث عن جناحين: الأول: مادي (قوة) وهذا متمثل في العسكر، والثاني: معنوي (روحي) وهو الأزهر، والمستبد الآن يبحث في جعل الأزهر (بيادة) تُساق، لا (عمامة) تفكر…
6. هناك صراع بين الأزهر والأوقاف، والتي كانت في فترة من الفترات هي والإفتاء تابعة للأزهر، لكن الأوقاف وبعد أن فصلت عن الأزهر، وبعد أن أضحى وزيرها بمثابة (مخبر) في وزارة الداخلية، لذا فأن السلطة المستبدة تريد من الأزهر أن يكون (مخبرا) بكل مؤسساته، أو يجعلون منه (أضحوكة)…
7. المقصود من هذه الهجمة ليس أحد الطيب، وإنما المقصود إيجاد شماعة يلقى عليها باللوم، وهنا تكون السلطة المستبدة قد ضربت عصفورين بحجر واحد، فهي تحمل الأزهر سبب التطرف، وتقلل من هيبته، وهذا ما يخفف الحمل عن الداخلية والعسكر اللذان فشلا في حماية الشعب لانشغالهم بحماية الحاكم.
8. لم يجرؤ أحد أن ينال من الكنيسة أو رأسها (ابابا) لا في هذا الحادث ولا في غيره، وكأن الذي فجر الكنيسة شيخا معمما أو إماما مشهورا، أو خطيبا أزهريا مشهورا…
9. إن شيخ الأزهر يوم أن رضي بالانقلاب، وصمت عن الاستبداد الحاصل، والذي نال من أساتذة جامعة الأزهر وطلابها ذكورا وإناثا، كان ولا بد أن يناله بعض ظلم هذا المستبد لأن سنة الله تقتضي : أن من أعان ظالما سلط عليه..
10. أن على شيخ الأزهر أن يركن إلى الله لا إلى السيسي، فالله مانعه من السيسي، وليس السيسي بمانعه من الله، وعليه أن يتحصن بطلاب الأزهر وعلمائه ودعاته، لا بالعسكر وسلاحه، فالشرع خير حصن، والعلم رحم بين أهله….
وأخيرا: فهذه ليست بالحملة الأولى على الأزهر بل هي سابقة أولى وثانية وثالثة و….. وعاشرة… وسيهلك الطغاة المستبدون، وسيبقى الأزهر شامخا بعلمائه المخلصين، ودعاته الربانيين، {أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].