يدرك السفيه عبد الفتاح السيسي تمامًا عواقب ما فعله خلال سنوات الانقلاب الماضية بمنظومة الاقتصاد المصري، ويدرك كذلك أثر إجراءاته على ملايين المصريين، لكنه يعلم تماما أن الدعم المالي لجنرالاته عامل مهم من عوامل استمرار انقلابه المشئوم، ولو كلفه ذلك سخط الناس.
السفيه السيسي زاد من المجالات الاقتصادية المحتكرة من قبل الجيش؛ فدخل به مجال الصناعة والتجارة والسمسرة وإنشاء الطرق، وجعله كفيلا لمجال العقارات يبني المشروعات بنفسه أو يكفل شركات العقارات المدنية ليتربح من السمسرة.
وفي العام الماضي 2017 فقط، فشلت البنية التحتية التي شيدها العسكر في احتواء يومين من سقوط الأمطار فقط، تساقطت خلالهما الأمطار لسويعات قليلة على العاصمة القاهرة وبعض المحافظات الأخرى، وغمرت المياه الشوارع والمنازل، وحاصرت السكان خاصة في بعض أحياء المدن الجديدة، والطرق السريعة.
وكان السفيه السيسي قد وعد في بداية فترة رئاسته الأولى في 2014 بإنشاء ما يسمى بشبكة الطرق القومية، بتكلفة مائة مليار جنيه، وتعهد في 2016 بتحسين شبكة الطرق خلال عام واحد من خلال تخصيص مليارات الجنيهات، وفي ديسمبر 2017، قال السفيه السيسي إنه تم إنجاز الكثير على مستوى البنية التحتية في إطار خطة شاملة لتحسين شبكة الطرق، موجها حديثه للمواطن المصري: “أنا بقول لك هعملك شبكة طرق في خلال سنة، تمسك مصر كده، آه أنا بقول”.
غرق في شبر مياه
وفي فبراير الماضي، أعلن وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة في حكومة الانقلاب عن أن موازنة الهيئة خلال العام المالي 2015 – 2016 ستكون الأكبر في تاريخها، حيث تم رفعها بمقدار 14 مليار جنيه، لتصبح 28 مليار جنيه، وفي أبريل الجاري أعلن عن رصد أعلى ميزانية في تاريخ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بقيمة 85 مليار جنيه مصري.
وحصد مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من مليون مشاهدة، يظهر امرأة علقت مع أمها وبنتها على الطريق الدائري بالقاهرة بسبب الأمطار وسوء الأحوال الجوية، وأرجع أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية العلاقات الدولية، أحمد ذكر الله، فشل البنية التحتية إلى أن “نظام السيسي كان يبحث عن مجموعة من المشروعات قصيرة الأجل وتنفيذها على عجل باعتبارها إنجازات، وتساعده على إحداث نوع من الرواج والانتعاش الاقتصادي حتى لو كان محدود الأثر، وكلف الدولة الكثير من الديون”.
وأضاف “عند مراجعة المشروعات التي تمت طوال الأربع سنوات الماضية نجدها تفتقر للتسكين داخل الخطة الاقتصادية والاجتماعية؛ فبعضها عديم الجدوى الاقتصادية في المرحلة الحالية، وكان يمكن تأجيله لسنوات قادمة، والبعض الآخر كان يمكن الاكتفاء بمرحلة واحدة منه أو الاستغناء عنه كلية خاصة في ظل أزمة عجز الموازنة، وتراكم خدمة الدين التي تبتلع ثلث نفقات الدولة”.
ودلل على افتقار مشروعات البنية التحتية للتخطيط بالقول: “إن الكباري الكثيرة التي أقيمت في الفترة الماضية هي الشاهد على هذا السفه في الإنفاق والتخطيط؛ فالكثير منها لم تكن الدولة بحاجة ملحة لها، وكان يمكن استبدالها بمشروعات أكثر احتياجا، خاصة أنها تكلفت مليارات الجنيهات بالاقتراض”.
عسكر فاشلون
بينما حمًل أستاذ التخطيط الاستراتيجي والخبير الدولي، صفي الدين حامد، القوات المسلحة المسئولية في استمرار فشل منظومة البنية التحتية، قائلا: “مثل هذه الأعمال الإنشائية لا يمكن أن تكون تحت رحمة (شركة القوات المسلحة)، فمن غير المعقول أن تناط كل المشاريع في مجالات الإنشاء والتعمير والمقاولات للهيئة الهندسية للقوات المسلحة”، متوقعا أن “يفشلوا مرة ثانية وثالثة ليس فقط في الطرق إنما في كل المشروعات التي يتصدوا لها”.
وأوضح أن “دخول الجيش على خط المقاولات العامة، وإحلال نفسه محل شركات كبرى أسهمت في بناء مصر والدول العربية من الخليج للمحيط، من خلال إرساء المشروعات بالأمر المباشر ينذر بوقوع كوارث جديدة، وما حدث يُضعف مصر اقتصاديا دون جدال؛ لأن تهميش تلك الشركات سيقزم تواجدها، ويقلص قوتها، ويُضعف خبراتها، ويمحو تاريخها”.
وقال إن أحد أهم الأسباب في تكرار الفشل هو عدم وجود رقابة على الجيش، سواء كان يخسر حربا أو يفشل في مشروع؛ بسبب القوانين المعيبة التي لا تسمح بمساءلة هؤلاء أو محاسبتهم، أو توجيه اللوم لهم، أو معاقبة المقصر منهم.
وتوقع أستاذ التخطيط الدولي، أن تمر المشكلة مرور الكرام، مضيفا: “لدينا برلمان مزيف، قد ترى منه مسرحية هزلية عن المطالبة بمحاسبة المقصرين، وينتهي الأمر بتقرير بائس وتعيس، وربما تحميل المسئولية لبعض الموظفين الصغار، والمقاولين من الباطن”.