كثيرًا ما نتساءل وتتملّكنَا الحيرة عن شباب ناشئةٍ في الدّعوة، امتلأت قلوبهم أول مقدمهم إليها إيمانًا ومحبّة وأخوّة وحماسة، فما لبثوا فيها بضع سنين، حتّى انطفأ فتيلُ شُعلتهم وبردت حماستهم وتحوّل اختلافهم إلى تعصّب فرّق بينهم، وهذا ما يُترجمُ الانقسامات الحاصلة في الجماعاتِ الإسلاميّة والتشتّتات الحزبيّة في بلدانٍ شتّى وفي فتراتٍ متعاقبة.
وقد يرجِعٌ ذلكَ إلى أنّ القلب الإنسانيّ يشعر بلذة عند تنفيذ ما يعتقده صوابًا، فيشتعلُ حماسُه ويتّقد طمعُه في الأكثر ويشعرُ برغبةٍ جامحةٍ في أن يزيدَ تلك اللذة سريعًا. فينطلِقُ مدفوعًا بجشعِه وعجلته إلى إفراط في تشغيل نفسِه بما يعود باللذة على القلب، تجِدهُ نَهومًا، لا توقِفُه مشقَّة ولا عراقيل، فيبذُل كلّ طاقتِه وجُهده من أجلِ ذلكَ حتّى ينتكسَ وتتعبَ جوارحُه، وينعكس ذلكَ على القلب في صورة مللٍ وسَقم، فيضيق صدرهُ، فلا يتّسعُ لحِلم ولا لرأي مخالفٍ له قد يكون صائبًا ولا لمصلحة غيره في أن تأخذ حقها. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-للأشج -رضي الله عنه-: “إن فيكَ لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة”، فالحلم يحمي الإنسان من الانتصار للنّفس، فيلزم العدل وأما التأني فيمنحه فرصةً للتأمّل، فيزول الالتباس.