قضية السكان فى مصر: محنة أم منحة؟

قضية السكان فى مصر: محنة أم منحة؟

د. مصطفي جاويش

 

مهيد

المشكلة السكانية هي عدم التوازن بين عدد السكان من ناحية والموارد والتنمية والخدمات من ناحية أخرى ؛ وهي زيادة عدد السكان دون ان تزايد فرص التعليم والمرافق الصحية وفرص العمل وارتفاع المستوى الاقتصادي فتظهر المشكلة بشكل واضح وتتمثل بمعدلات زيادة سكانية مرتفعة ومعدلات تنمية لا تتماشى مع معدلات الزيادة السكانية وانخفاض مستوى المعيشة، أي أنه لا ينظر إلى الزيادة السكانية كمشكلة فى حد ذاتها وإنما ينظر إليها فى ضوء التوازن بين السكان والموارد والتنمية  فهناك كثير من الدول ترتفع فيها الكثافة السكانية ولكنها لا تعانى من مشكلة سكانية لأنها حققت توازنًا بين السكان والموارد والتنمية. والمشكلة السكانية لا تتمثل فقط بالزيادة السكانية إنما قد تتمثل أيضاً بالنقصان السكاني، وبالتالي فإن الأزمات والمشكلات المرتبطة بالمشكلة السكانية تعرب عن نفسها من خلال نقص الأيدي العاملة وتدني مستوى الانتاجية ومشاكل مرتبطة بالأسرة، والعادات المجتمعية وغيرها،، بهذا المعنى نجد أن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية.. الخ هي التي تحدد طبيعة هذه المشكلة السكانية.1

 

أولا: مفهوم علم السكان وخصائصه:

الدّيموغرافيا : ( Demography  ) المعروفة ” بعلم السكّان “:هي عبارة عن دراسة لمجموعة من خصائص السكّان، وهي الخصائص الكميّة، ومنها الكثافة السكانيّة، والتّوزيع، والنموّ، والحجم، وهيكليّة السكّان، بالإضافة إلى الخصائص النوعيّة، ومنها العوامل الاجتماعيّة، مثل: التّنمية، والتّعليم، والتّغذية، والثّروة. وتُعرَّف الدّيموغرافيا بأنّها الإحصاءات التي تشمل الدّخل، والمواليد، والوفيات، وغيرها ممّا يُساهم في توضيح التغيُّرات البشريّة، ومن التّعريفات الأخرى لها: هي علم إحصائيّ اجتماعيّ وحيويّ، يعتمد على دراسة مجموعة من الإحصاءات حول الأفراد.

وتتميّز الدّيموغرافيا بمجموعة من الخصائص، من أهمّها: متابعة النموّ والتغيُّر الخاصّ في الهيكليّة السكانيّة . مراقبة الاختلافات في حجم السكّان، وتشمل: متابعة معدّلات المواليد والوفيات، والهجرة، ومعرفة أسباب الانتقال الجغرافيّ . وضع الأبحاث الديموغرافيّة حول الناس، مثل: معرفة عدد الأطفال المناسب لكلّ عائلة . شرح التّركيبة السكانيّة للمجتمع، ممّا يُساهم في تحديد الحاجات العامّة الحاليّة والمُستقبليّة.

وتعتمد الدّيموغرافيا على مجموعة من النظريّات من أهمّها:

1-نظرية مالتوس : Malthus Demographic Theory)  ) 2

يرى المختصون في علم السكان أن روبرت مالتس أول من أصّل لمشكلات الموارد الغذائية والتزايد السكاني، وذلك في مقاله الشهير سنة 1798م بعنوان: (مقال عن مبدأ السكان) ثم نشر مقالات أخرى نحو نفس المفهوم مع بعض التعديلات، وكان مفهوم نظريته المطروحة أن سكان العالم سيواجهون موقفا صعبا تكثر فيه المجاعات والتخلف؛ وذلك لأن التزايد السكاني أكبر بكثير وبغير حدود من قدرة الأرض على إنتاج وسائل العيش. وذكر مقولته المشهورة بأن الزيادة السكانية تتبع متوالية هندسية، بينما زيادة الغذاء تتبع متوالية عددية أو حسابية. ولتوضيح المتواليتين يضرب مالتس هذا المثال: إذا أخذنا الأرض كلها.. وفرضنا أن السكان الحاليين يعادلون ألف مليون فإن الأنواع البشرية سوف تتزايد حسب الأرقام: 1، 2، 4، 8،….بينما يزداد القُوت حسب الأرقام: 1، 2، 3، 4،….. وعلى ذلك فخلال قرنين يكون عدد السكان بالنسبة للمواد الغذائية كنسبة 256 إلى 9، وبعد ثلاثة قرون كنسبة 4096 إلى 13.

وفي مرحلة متقدمة تصبح الموارد إلى تناقص؛ فالطبيعة لها حدّ في العطاء تبدأ بعده في تناقص الموارد وهذا ما سُمّي بـ (تناقص الغلة) وعدّ مالتس زيادة السكان سببا في تخلف ما سُمي بـ (البلاد المتخلفة)، وأكد أن كل محاولة للخلاص من التخلف والمجاعة ستبوء بالفشل ما لم يُحدّ تزايد السكان ” . وقد أثبتت البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية بعد مالتس أن السكان في أي مجتمع هم متغير تابع ولا يجوز معالجته بمعزل عن سائر المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن هذه الظروف قد تختلف من بلد لآخر من جوانب كثيرة كنسبة الذكور إلى الإناث في كل بلد والنسبة المئوية لكبار السن ولصغار السن وللمتزوجين والعزاب وللريفيين والحضريين ولمن يستعمل موانع الحمل. ثم الحروب وأثرها في نقص عدد السكان،  وغير ذلك من تقدم الطب الذي يقلل من نسبة الوفيات وقلة الزواج الذي يقلل من نسبة المواليد. ؛ ومن سوء حظ مالتس أن نظريته كانت في بدء الثورة الصناعية في إنجلترا وبدء استغلال السهول العظمى بأمريكا الشمالية في الزراعة فقد صحب زيادة الثروة نمو سريع للسكان، وهذا لم يحل دون ارتفاع عام في مستوى المعيشة استمر بلا انقطاع تقريبا حتى الوقت الحاضر، وذلك يناقض ما يمكن أن نتوقعه إذا سلمنا بنظرية مالتس، فمنذ الثورة الصناعية تضاعف حجم الإنتاج الصناعي في دول أوربا وأمريكا الشمالية بمقدار يتراوح ما بين ثلاثين وأربعين مرة خلال الفترة ما بين 1850-1950م … بينما عدد السكان – خلال نفس الفترة – قد تضاعف 25 مرة فقط. وهذا على نقيض نظرية مالتس.

ومن هنا يمكن أن نفهم ما قاله د. عبد الحميد لطفي: أما المتتالية الحسابية فلم يكن لها أساس استقرائي ولم يدعمها مالتس بأي دليل، ومن السهل أن نبرهن على أن وسائل المعيشة تتزايد بدورها حسب متتالية هندسية. ويقول د. علي عبد الرازق جلبي: لقد كشف الإيكولوجيا (الإنسان والبيئة) البشرية أن الإنسان كان يستعين في حفظ التوازن بين الزيادة في نمو السكان ووسائل العيش في كل مجتمع عبر مراحل تاريخ البشرية بتطور بيئته التكنولوجية والتنظيمية … وهذا معناه أن إنتاج الغذاء لم يكن أقل عن الزيادة في نمو السكان على خلاف ما كان يتوقع مالتس. هذا فيما مضى من تاريخ. فكيف ونحن الآن في عصر التقدم والتكنولوجي وأثره الكبير على الزراعة، واكتشاف موارد البحار والجبال وغزو الفضاء الخارجي؟ لاشك أن هذا على عكس قانون مالتس في ” الغلة المتناقصة”.

2ـ نظريّة التحوُّل الديموغرافيّ : Demographic Transition Theory)  )

ولها عدة تفسيرات من أشهرها تفسير ” فرانك نوتسين “: يقول إنّ كلّ دولة تمرّ بثلاث مراحل من النموّ والتطوّر السكّاني، وهي:

(أ) ارتفاع مُعدّل الولادة، يُقابله ارتفاع مُعدّل الوفاة.

(ب) ارتفاع مُعدّل الولادة، يُقابله انخفاض مُعدّل الوفاة، ويعنى زيادة سريعة فى النمو السكانى ويُطلَق عليه (الانفجار السكانيّ)

(ج) انخفاض مُعدّل الولادة، يقابله انخفاض مُعدّل الوفاة . يُوافق هذا التّفسير الدُّول الغربيّة؛ إذ أدّى السّعي للحصول على مستويات مرتفعة من الرفاهيّة المعيشيّة إلى تقليل معدّلات الولادة في هذه الدُّول، ونتج عن ذلك تحقيق توازن بين معدّلات الوفيات والمواليد، فانخفض النموّ السكانيّ انخفاضاً كبيراً، وتُفسّر نظريّة التحوُّل الجغرافيّ ذلك؛ فهي تقول: إنّ التّنمية التجاريّة والصناعيّة تؤدّيان إلى تخفيض معدّلات الوفاة، وتُشجّعان على تأسيس عائلات صغيرة الحجم؛ بالاعتماد على تقليل معدّل الولادة..3

وهناك فترة تأخير بين انخفاض معدلات الخصوبة وانخفاض معدلات الوفيات فعندما ينخفض معدل الخصوبة من مستوى يفوق مستوى الإحلال إلى مستوى الإحلال أو دونه، يحافظ الزخم السكاني (Population Momentum ) على النمو السكاني لبعض الوقت إلى أن يتراجع عدد الأمهات بما فيه الكفاية 4 ، (المرحلة الرابعة)  وأن هذه الفترة تستمر الى الحد الذى تتغير فيه الظروف الاجتماعية التقليدية وكذلك الظروف الاقتصادية وتتغير المؤسسات التى تشجع المستويات المرتفعة من الخصوبة.

ثانياً: وسائل جمع البيانات السكانية:

تنقسم وسائل جمع البيانات السكانية إلى ثلاث وسائل رئيسية وهى:

  1. التعدادات السكانية: تعرف بأنها أكبرعملية إحصائية وتتميز بالحصر الشامل لكل أفراد المجتمع، وخصائصهم المختلفة، ويجرى بإنتظام كل عشر سنوات فى معظم الدول، وكان آخرها تعداد مصر 2017.
  2. المسوحات السكانية: فكل منها عبارة عن مسح متخصص فى حالة معينة من الأحوال الإجتماعية والإقتصادية للمجتمع السكانى، ويجرى بالعينة فى مناطق جغرافية يتم إختيارها لتمثل باقى المجتمع، لجمع معلومات مفصلة عن موضوع المسح، وكان اهمها المسح السكانى الصحى مصر 2016.
  3. السجلات المدنية للسكان: هى سجلات ترصد الواقعات الحيوية مثل ( المواليد، الوفيات، الزواج، والطلاق ) وتتم عملية التسجيل فيها بصفة مستمرة، للحصول على معلومات وإحصاءات عن فترات مختلفة ( يوم / أسبوع / شهر / سنة ) ويستفاد من تلك السجلات إذا كانت مكتملة وبدرجة عالية من الدقة.5

 

ثالثا: النمو السكاني والتنمية الاقتصادية:

من الأمور الملفتة للنظر أنه حينما عقد المؤتمر العالمي للسكان في بوخارست عام 1974، أنتهي المؤتمر الى خطة عمل تدعو الدول المتقدمة الى أعطاء أولوية أساسية لبرامج تنظيم الاسرة للسيطرة على الخطر الاكبر الذي يهدد التنمية الاقتصادية فى هذه الدول وهو النمو السكاني. وفي عام 1984 حينما عقد في المكسيك المؤتمر العالمي للسكان خرجت الولايات المتحدة بفكرة جديدة مخالفة لتلك التي تبنتها في مؤتمر بوخارست عام 1974.  فقد رأت الولايات المتحدة أن النمو السكاني ليس بالضرورة أمرا سيئا، وأن المناخ الاقتصادي الحر هو المكون السحري لكل من التنمية الاقتصادية والتحكم في الخصوبة. فبالرغم من أن العالم كان متفقا على وجهه النظر القائلة بأن النمو السكاني يعد عاملا مقيدا للتنمية الاقتصادية عام 1974، فانه في عام 1984 كان هناك شبه انفاق حول وجهه النظر الامريكية بأن القضيتان (التنمية والسكان) ليستا متناقضتان بهذه الصورة .

وهكذا فمن الواضح أنه توجد  ثلاث  وجهات للنظر متعلقة بالعلاقة بين النمو السكاني والتنمية:

1ـ أن النمو السكانى  عاملا مقيدا للتنمية الاقتصادية. (المالثاسيون الجدد ) ولابد من وضع موانع لزيادة السكان  تشمل موانع إيجابية وهى  تلك العوائق التي من شأنها زيادة معدل الوفيات كالحروب والمجاعات والأوبئة. وموانع سلبية: فتتمثل بتخفيض معدل المواليد عن طريق تأخير سن الزواج وكبح الشهوة الجنسية ومنع الفقراء من الزواج وكثرة الإنجاب.و وصل الحد ببعض المالتسيين الجدد إلى أن اقترح: تعقيم الرجال والنساء بشكل إجباري . – التعقيم الجماعي بغير علم الناس عن طريق وضع مواد كيماوية في الماء والطعام  –  قانون بإباحة الإجهاض . –  إلغاء قوانين إغاثة الفقراء حتى يمنع من تكاثرهم –  وضع قوانين تعقد عملية الزواج . – وضع ضرائب على الأطفال وزيادة تكاليف الزواج  والرسوم المتعلقة به وبالأطفال.

2ـ أن النمو السكاني ليس عاملا ذو أهمية لعملية التنمية الاقتصادية . : الماركسيين يومنون بأن عدم العدالة الاقتصادية والاجتماعية تنشأ أساسا من عدم وجود جهود تنموية أصلا، والاعتقاد الخاطئ بأن السكان يشكلون مشكلة.  أن الماركسيين يؤمنون بأنه ليس هناك أى علاقة سببية بين السكان والتنمية الاقتصادية وان الفقر والجوع والأمراض الاجتماعية الأخرى المصاحبة للتنمية الاقتصادية هي نتيجة لطبيعة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة وليس بسبب النمو السكاني .

3ـ أن النمو السكاني عامل مشجع للتنمية الاقتصادية. القوميين Nationalists يرون أن النمو السكاني سوف يشجع على التنمية.  فالقوميون يسعون نحو تحرير بلادهم من الاستغلال والسيطرة الاقتصادية من خلال تكوين دول قوية فمن الافكار الاساسية للايدلوجية القومية هي أن المزيد من السكان سوف يؤدي الى المزيد من الانتاجية ومن ثم مزيد من القوة الاقتصادية.  وربما أقتربت وجهه النظر الامريكية في موتمر السكان العالم عا 1984 في المكسيك من هذا الاتجاه حينما انخصرت وجهه النظر الامريكية الرسمية في أنه في أى مجتمع حر من الناحية الاقتصادية سوف يؤدي النمو السكاني الى زيادة الطلب ومن ثم تشجيع الاقتصاد.

 

رابعاً: أثر الهيكل العمري على التنمية الاقتصادية

إن المجتمع الذي ينمو فيه السكان بصورة سريعة سوف يعني تكوني هيكل عمري يتصف بصغر السن، بمعنى أن نسبة كبيرة من السكان سوف تكون عند سن صغيرة، وسوف يترتب على ذلك نتيجتان مهمتان لهذا الهيكل، الأولى على معدل الاعالة، والثانية هي أنه سوف يضع ضغوطا حادة على الاقتصاد لتوليد المدخرات للقيام بالاستثمارات اللازمة للصناعة ولكي يتم توفير الوظائف لهؤلاء الجدد في سوف العمل .

أ – معدل الاعالة: إن نمو السكان بمعدلات مرتفعة سوف يؤدي الى جعل نسبة العمال (أو السكان في سن العمل) الى المحالين (أى السكان صغار السن وكبار السن) صغيرا، وهو ما يعني أنه في حالة نمو السكان بمعدلات مرتفعة فانه على كل عامل أن يقوم بانتاج عددا أكبر من السلع (أى أن يعمل أكثر) فقط لمجرد الحفاظ على مستوى المعيشة لكل فرد من أفراد المجتمع.

ب- الدخول الى قوة العمل في المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات النمو السكاني سنجد أن أعداد الداخلين الجدد الى سوق العمل سوف يتزايد كل عام حينما يبلغ السكان في المجموعات العمرية المختلفة سن العمل،  ولكي تحدث التنمية الاقتصادية فلابد وأن يكون عدد الوظائف الجديدة على الاقل مساويا لعدد السكان الذين يبحثون عنها.  وعملية خلق الوظائف ترتبط بالطبع بالنمو الاقتصادي والذي يعتمد على الاستثمار، وحينما يكون الهيكل العمري صغيرا يصبح من الصعب توليد القدر اللازم من الاستثمارات . وحينما تنمو قوة العمل بمعدلات منخفضة فان الداخلين الجدد لسوق العمل سوف يشغلون الوظائف التي خلت بوفاة شاغليها أو أحالتهم الى التقاعد، أما إذا كان معدل نمو قوة العمل كبيرا فإن نسبة الذين يبحثون عن العمل الى تاركي الوظائف سوف تكون كبيرة.6

 

خامساً: المشكلة السكانية فى مصر:

يـجب ألا ينظر إلى الزيادة السكانية كمشكلة فى حد ذاتها ولكن ينظر إليها فى ضـوء عـدم التوازن بين السكان من ناحية والموارد ومعدلات التنمية الاقتصادية من ناحـية أخـرى, ومن المعروف أن المحافظة على مستويات المعيشة تتطلب أن يكون معدل النمو الاقتصادى ثلاثة أضعاف معدل النمو السكانى حتى تتحقق التنمية التى يشعر بها المواطن.. ولكن الواقع فى مصر غير ذلك حيث تشير الإحصاءات إلى أن معدل النمو الاقتصادى بلغ 3,9 % ،  مقابل 2.4 % لمعدل النمو السكانى عام 2016.

يمكن بلورة المشكلة السكانية فى ثلاثة أبعاد رئيسية متداخلة ومترابطة، وهى:

البعد الأول: النمو السكانى السريع:

تشير المؤشـرات السكانية أن عدد السكان فى مصر بلغ حوالى 92 مليون نسمة فى بداية عام 2017 بالإضافة إلى حوالى 7,5 مليون نسمة يعيشون بالخــارج طبقـا لتقديرات وزارة الخارجية( اجمالى حوالى 100 مليون نسمة ) , وبلــغ معـدل المواليد 20,2 لكـل ألف من السكان ومعـدل الوفيــات 6,5 لكل ألف من السكان  وبلـغ معدل الزيادة الطبيعية 22,7 لكـل ألـف من السكـان. وبلغ معدل النمو الطبيعى 2.6%  سنويا، 7 ، ومن المعروف   أن معدل النمو السكانى هو محصلة تفاعل ثلاث عمليات رئيسية هى المواليد، والوفيات، والهجرة الخارجية.

البعد الثانى: التوزيع الجغرافى غير المتوازن للسكان:

رغم أن المساحة الكلية لمصر تزید قليلا عن مليون كيلو متر مربع، إلا أن السكان یتركزون فى الشریط الضيق لوادى النيل والدلتا، بالإضافة إلى الواحات القليلة فى وسط الصحراء. وتمثل المساحة المأهولة بالسكان نسبة ضئيلة،(  حوالى 5.3 % )   من جملة المساحة، وقد ترتب على ذلك أن مصر أصبحت تعانى من كثافة سكانية عالية، إذا ما قورنت بالكثافة السكانية فى كثير من دول العالم . وطبقا لبيانات السكان عام  2017  فقد بلغت الكثافة السكانية فى مصر ( على أساس المساحة المأهولة )   1162.9  نسمة فى الكيلو متر المربع، وتزداد هذه الكثافة بصورة كبيرة فى المدن الكبرى، حيث بلغت فى القاهرة مثلا حوالى 38.5 ألف نسمة فى الكيلو متر المربع،وقد انعكست الكثافة المتفاوتة للسكان فى المحافظات والمناطق المختلفة بمصر على اختلال توزیع السكان  بين الریف 57.3% والحضر42.8 % ،

( وفيما يلى بيانات مصر 2017  بحسب الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء )

( النمو السكانى والكثافة السكانية فى مصر – المصدر: الامم المتحدة / السكان فى العالم )8

البعد الثالث : تدنى الخصائص السكانية:

لعل من أهم مظاهر انخفاض مستوى الخصائص السكانية:

1-اختلال التركيب العمرى للسكان وارتفاع نسبة الأطفال:

أوضح تقرير “مصر فى أرقام” 2015،  إن نصف سكان مصر أقل من 25 سنة و1.3% أعلى من 75 عاما، وهذا المؤشر السكانى يظهر بوضوح من مناظرة الهرم السكانى.لمصر مع دول العالم. (الهرم السكانى هو التوزيع النسبى للسكان حسب العمر والنوع، حيث تكون القاعدة هى صغار السن الذين يمثلون السكان الذين تتم اعالتهم، وكلما اتسعت قاعدة الهرم السكانى كلما ارتفع معدل الاعالة، وهذا يرتبط بمعدل المواليد ومعدل الوفيات )، ( المصدر د.طارق توفيق مقرر المجلس القومى للسكان / مصر 2016 )

وفى احتفالية تعداد مصر 2017 تم الاعلان عن تم الإعلان عن أن نسبة الذكور من إجمالى عدد سكان مصر 51.6%، مقابل 48.4% نسبة الإناث، فيما بلغت نسبة النوع 106 ذكر لكل 100 أنثى،  ويعتبر المجتمع المصري شابًا و«فتيًا» على حد تعبير التقرير الذي أفاد بأن الفئة العمرية الأقل من 15 سنة تبلغ نحو ثلث السكان بنسبة 34.2 %.

 

2- ارتفاع نسبة الأمية:

وفقاً لبيانات بحث القوى العاملة عام 2015، فان 20.9%  معدل الأمية (للأفراد 10 سنوات فأكثر) عام 2015 وأن عدد الأميين (10 سنوات فأكثر) بحوالى 14.5 مليون نسمة عام 2015، منهم 9.3 مليون نسمة من الإناث، أى أن هناك حوالى فردا أميا بين كل 5 أفراد من السكان (10 سنوات  فأكثر)، وتبلغ نسبة الذكور 14.7% مقابل 27.3% للإناث، فى حين بلغ معدل الأمية للسكان (15 سنة فأكثر) 23.7%، (للذكور 16.6% مقابل 30.9% للإناث)9

وفى تعداد مصر 2017، تم الاعلان ان عدد الأميين في مصر قد بلغ  العدد  18.4 مليون نسمة،( بالمقارنة ب 17 مليون فى التعداد السابق )، بنسبة 25.8 % وانخفضت النسبة عن التعداد السابق بسبب الزيادة السكانية. 10

3- انهيار منظومة التعليم:

بلغت نسبة التسرب من التعليم لما هم فوق 4 سنوات، في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية 7.3%، فيما بلغت نسبة الذين لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا 26.8%، وهي نسبة لا يُستهان بها فأكثر من ربع المصريين لم يلتحقوا بالتعليم من الأساس . ( تعداد مصر 2017 )11

أعلنت وزارة التربية والتعليم عن مؤشرات التعليم فى مصر بتقارير التنافسية الدولية في عام 2016/2017، لتحصل على المرتبة رقم 134 من إجمالي 139 دولة في مؤشر جودة التعليم الابتدائى، والمركز 28 ضمن 139 دولة فى نسب الالتحاق بالتعليم الابتدائى، وجاءت فى المركز 85 ضمن 139 دولة فى نسب الالتحاق بالتعليم الثانوى، والمركز 135 ضمن 139 دولة فى جودة التعليم العام والعالى، والمركز 130 ضمن 139 دولة فى جودة العلوم والرياضيات.12

وهذا التدنى سبق وأن برره  الدكتور حسين كمال بهاء الدين، والذى شغل منصب وزير التعليم لأربعة عشر عاما، فى كلامه أمام رئيس الجمهورية بتاريخ 20 مايو 2004: (لسنا وحدنا نحن وزراء التعليم المسئولين عن انهيار العملية التعليمية من الابتدائى حتى الجامعة، خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، فهناك شريك فى تحمل هذه المسئولية، وهو السيستم – يقصد النظام – الذى حكم مسيرتنا )، والأمر لا يحتاج الى كثير من الذكاء لفهمه وادراك أبعاده، فالتعليم الجيد هو سر قوة المجتمعات، وسبب تقدمها، والعامل الرئيسى فى نهضتها، والاستثمار الحقيقى لمواردها البشرية، وبدونه تفسد العقول والضمائر والأذواق، وينتشر الفساد والفوضى، ويدب الوهن والضعف فى مناحى الحياة المختلفة.13

4- انخفاض نسبة مساهمة الإناث فى القوى العاملة:

تشير نتائج سلسلة بحوث القوى العاملة بالعينة التى یقوم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بإجرائها إلى أن نسبة مساهمة الإناث فى الفئة العمریة 15 / 64 سنة في قوة العمل 22.5% من إجمالي قوة العمل وهى تمثل ما يقرب من ثلث مساهمة الرجال التي تبلـغ 70.5%، فيما بلغ معدل البطالة 24.2% للإناث مقابل 9.4% للذكور عام 2015 . وبلغت نسبة الإناث اللاتي يعملن عمل دائم 84.7% مقابل 60.7% للذكور، و بلغت نسبة النساء العاملات بأجر فى الأنشطة غير الزراعية 18.2% عام 2015 . الأمر الذى یتطلب مزیداً من الجهد  نحو الاهتمام بتعليم الإناث وخلق فرص العمل المناسبة لهن.14

5ـ ارتفاع معدل البطالة:

المقصود بالبطالة عدم وجود فرص عمل مشروعة لمن توافرت له القدرة على العمل والرغبة فيه. ويمكن أن تكون البطالة كاملة أو جزئية ؛ البطالة الكاملة : هي فقد الكسب بسبب عجز شخصي عن الحصول على عمل مناسب رغم كونه قادراً على العمل ومستعداً له باحثاً بالفعل عن عمل .البطالة الجزئية :هي تخفيض مؤقت في ساعات العمل العادية أو القانونية وكذلك توقف أو نقص الكسب بسبب وقف مؤقت للعمل دون إنهاء علاقة العمل وبوجه خاص لأسباب اقتصادية وتكنولوجية أو هيكلية مماثلة .

وقد ورد فى  تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة 2016، أن معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15- 29 سنة) بلغ 27.3% من إجمالى قوة العمل فى نفس الفئة العمرية، حيث فى حين بلغ معدل البطالة بين الشباب الذكور 21.0%، وبين الشباب الإناث 46.8% من إجمالى قوة العمل فى نفس الفئة العمرية و19.9% معدل البطالة للفئة العمرية (15- 19 سنة) و25.7% معدل البطالة للفئة العمـرية (20- 24 سنة و31.3% معدل البطالة للفئة العمـرية ( 25- 29 سنة) و36.1% معدل البطالة بين حملة المؤهلات من الشباب (15-29 سنة).15

6- ارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع:

أعلن الجهازالمركزى للتعبئة العامو والاحصاء  فى بيان له عن النشرة السنوية لإحصاءات المواليد والوفيات، أنه بلغ معدل الوفيات الخام 6.5 فى الألف عام 2015 مقـــابل 6.1 فى الألـــف عام 2014 . ويعنى مصطلح “الوفيات الخام” معدل الوفيات لكل 1000 من السكان.16

7- انخفاض معدل وفيات الامهات:

إلى 45.9 سيدة لكل مائة ألف مولود حتى عام 2016 مقارنة ب 49 سيدة لكل مائة ألف مولود حتى عام 2015 أى بنسبة انخفاض 3.1 % عن العام السابق. 17

8- ارتفاع معدل الخصوبة:

تعرف الخصوبة بنسبة عدد الاطفال المولودين الى عدد النساء ؛ ( يتم قياس معدل الخصوبة العام من خلال قسمة عدد المواليد خلال عام على عدد النساء في سن 15 الى 49 عاما في منتصف تلك السنة ) ؛ وأعلن رئيس قطاع السكان بوزارة الصحة إن معدل الخصوبة فى مصر وصل إلي ٣.٥  طفل/ سيدة  خلال  عام 2015.18 ، وبتاريخ 13/8/2016 اعلن وزير الصحة عن خطة لخفض الخصوبة الى 2.4 طفل/ سيدة مصرية بحلول عام 2030.19

9- انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي:

تتزايد معدلات الفقر وأصبحت 27,8 % عام 2015.20

10- عمالة الأطفال:

طبقا للمسح  القومي لظاهرة عمل الأطفال في مصر 2015 والصادر عن المجلس القومي للطفولة والأمومة فإن  هناك ٢.٧٦ مليون طفل عامل في مصر، يمثلون حوالي ٢٦% أي أكثر من خمس الأطفال في الشريحة العمرية من ١٦:١٤ سنة.21

11- تدنى مؤشرات الخدمات بالريف المصري :

تحت عنوان ” التعبئة والإحصاء يكشف : قرى مصر تعيش فى العصور الوسطى، نشرموقع ” الشروق ” بحثا بتاريخ 9/1/2016 تناول تقريرا  للجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عن مسح ميدانى بعنوان «أهم الخدمات التى تحتاجها القرى»، ذكر التقرير أن  عدد القرى فى مصر 4655 قرية، تبين  إن نحو 60% من القرى تحتاج إلى إنشاء مدارس و37% يحتاج إلى مركز ثقافى .. وأظهر المسح أن 74.3% من قرى مصر لا يوجد بها صرف صحى، فى حين أن 21% من القرى بها صرف صحى متصل لمعظم المنازل . ورغم ضآلة النسبة التى يوجد بها صرف صحى فى قرى مصر، فإن 52.6% من القرى التى يوجد بها صرف تعانى من انسداد فى شبكاتها . 22

 

سادساً: اجراءات خفض معدل الزيادة السكانية  فى مصر :

ظهرت البوادر الاولي للاهتمام بالمشكلة السكانية فى مصر عام 1936 في كتاب العالم المصري الدكتور محمد عوض بعنوان “سكان هذا الكوكب ” . وفي عام 1937 عقدت الجمعية الطبية المصرية مؤتمرا عن اهمية تنظيم الاسرة من الناحية الصحية، وقتها صدرت فتوى من الازهر عن جواز تأجيل الحمل لأسباب تتعلق بصحة الأم، وفى شهر مايو عام 1962 تم اعلان الميثاق الوطني الذي نبه الي مخاطر الزيادة السكانية السريعه، وبدأت مصر فى تبنى سياسة سكانية مرجعيتها الاساسية هى نظرية مالتوس الخاصة بخطورة زيادة السكان، وتم اعلان المبادرة من اجل تنظيم الاسرة وتم تأسيس الجمعية المصرية لتنظيم الاسرة وتخضع الي وزارة الشئون الاجتماعية، وفي عام 1965 قامت الحكوميه المصرية بأنشاء المجلس الاعلي لتنظيم الاسرة برئاسة رئيس الوزراء لتخطيط وتنسيق الانشطة لتقديم خدمات تنظيم الاسرة، وفي عام 1972 أعيد تشكيل هذا المجلس بأسم المجلس الاعلي لتنظيم الاسرة والسكان واعلنت الحكومة سياسة قومية جديدة للسكان لمدة عشر سنوات عرفت بالمدخل الاجتماعي والاقتصادي لخفض الانجاب، وفي عام 1984 انعقد مؤتمر لتقويم السياسة القومية للسكان عن فترة من 1972ـ1982 وقد انتهي المؤتمر بأصدار توجيه بانشاء المجلس القومي للسكان، وفي عام 1985 صدر القرار الجمهوري رقم 19 بإنشاء المجلس القومى للسكان برئاسة رئيس الجمهورية ليكون مسئول عن مواجهة المشكلة السكانية جنباً إلى جنب مع بعض الأجهزة الحكومية والأهلية التى تعاونه في تحمل هذه المسئول، وقد عدل هذا القرار بالقرار الجمهورى رقم 32 لعام 1996 ليصبح المجلس برئاسة رئيس الوزراء، ثم عدل هذا القرار بالقرار رقم 218 لسنة 2002 ليصبح برئاسة وزير الصحة والسكان،(  وعضوية كل من وزيرالشئون الإجتماعية / الأعلام / الثقافة / الإدارة المحلية / التعليم / الأوقاف / الأقتصاد والتعاون الدولى / أربع من الشخصيات العامة ممن لهم خبرة في مجال السكان / مقرر المجلس القومى للسكان).

ويمول من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالإضافة إلى مساهمة الحكومة المصرية ويهدف إلى:   1- :المسح السكانى الصحى والذى يتم كل أربع سنوات على مستوى الجمهورية وفي المرحلة الحالية يتم كل عامين،، 2- .تنمية مهارات القائمين على العمل السكانى،3 -.تمويل وإجراء البحوث في مجال السكان وتنظيم الأسرة. ومن ناحية أخرى وتمهيدا لعقد ” مؤتمر القاهرة الدولى للسكان ” 1994 فقد تم استحداث منصب “وزير الدولة للسكان وتنظيم الاسرة”.

ومع بداية عام 1996 تم دمجها مع وزارة الصحة تحت اسم ” وزارة الصحة والسكان ” ليكون وزير الصحة والسكان هو المسئول الأول عن محور النمو السكانى فى المشكلة السكانية، وتكررت تجربة وزارة السكان مرة اخرى عام 2015 ولكنها لم تستمر طويلا .

وعلى جانب النشاط الجماهيرى وتقديم الخدمات للمواطنين فقد انقسمت الى مجالين اساسيين:  الأول: هو تقديم خدمات التسويق الاجتماعى للوسائل خاصة مثل اقراص منع الحمل والوسائل الموضعية ( للجنسين) من خلال وزارة الشئون الاجتماعية والجمعيات الاهلية بمراكزها بالمدن وعواصم المحافظات ، وتولت وزارة الصحة  الجانب الرئيسى من تقديم الخدمات لجميع وسائل منع الحمل على امتداد مصر كلها من خلال جميع الوحدات الصحية المنتشرة بجميع القرى بالاضافة الى المستشفيات بأنواعها ومستوياتها المختلفة. ومارست وزارة الصحة دورا هاما  منذ عام 1987 من خلال مشروع لتنظيم الاسرة باسم مشروع تنمية النظم  ( System Development Project ) وتم فيه التركيز على تطوير الوحدات وتجهيزها وتدريب الفريق الصحى، و فى عام 1994 تم الامتداد تحت اسم  برنامج  تحسين الجودة   (  Quality Improvement  Program ) ليشمل  نظام التحكم فى منع انتشار العدوى وتقديم وسائل منع الحمل للسيدات حسب معايير الجودة للخدمات الصحية ، تحت مظلة اعلامية شعارها ” وحدات النجمة الذهبية “، وتعنى تحقيق معايير الجودة فى وحدات تقديم الخدمة التابعة لوزارة الصحة والسكان ومنحها شعار “النجمة الذهبية ” وسط احتفالات وترويج اعلامى بالتلفزيون لأماكن تلك الوحدات.

وشمل برنامج الزيارات المنزلية من نشاط الرائدات الريفيات لنشر الوعى السكانى ومفاهيم الصحة الانجابية بالاتصال الشخصى بين السيدات فى المنازل والتجمعات ( جلسات المشورة ) ، والعمل على مواجهة الشائعات بأسلوب علمى بسيط يتناسب مع جميع المستويات، وعن انجازات عام 2016: فقد أعلنت وزارة الصحة والسكان عن تنفيذ 10 ملايين زيارة منزلية وعقد 400 ألف ندوة بمعرفة الرائدات الريفيات ( 13.5 الف رائدة )  لزيادة معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة بين السيدات.23

ومن خلال المسوح السكانية تبين ان 98% من السيدات لديهن فكرة عن تنظيم الاسرة فى حين معدلات الاستخدام لوسائل منع الحمل فى مستويات اقل بكثير، وهذا يعنى انه قد توجد سيدات لديهن الرغبة ولكن لايعرفن كيف السبيل، وهذا يعرف بمصطلح ” الحاجات الغير ملباة ” للسيدات، وتنفيذا لاستراتيجية نشر الخدمة على اوسع نطاق بحيث يتم الوصول الى جميع التجمعات السكانية  وتلبية الحاجات الغير ملباة للسيدات ؛ فقد تم بدء برنامج ” العيادات المتنقلة لتنظيم الاسرة ” عام 1997، ويشمل سيارات مجهزة تجوب جميع انحاء مصر لتقديم خدمات مجانية بهدف خفض  معدل الخصوبة عند السيدات  تحت مظلة صحية اجتماعية توعوية اطارها العام هو تنظيم الاسرة والصحة الانجابية من خلال 650 عيادة متنقلة .

وبتاريخ 29 يوليو 2017 صرح المتحدث باسم وزارة الصحة، أن 42% من السيدات يحصلن على وسائل تنظيم الأسرة من القطاع الخاص، و57% يحصلن عليها من مستشفيات وزارة الصحة، وأن 94% من مستشفيات الحكومة تتوافر بها وسائل وخدمات تنظيم الأسرة، وأن معدل الخصوبة لدى السيدات حاليًا 3.5 طفل لكل سيدة، وأن الخطة الاستراتيجية لخفض معدلات المواليد تستهدف خفضها إلى 2.5 طفل لكل سيدة. ( فيما يلى أهم المؤشرات السكانية من البحث الصحى السكانى DHS 2014  )24

 

سابعاً: التوجهات السياسية نحو المشكلة السكانية:

ظهرت بداية اهتمام عبدالناصر بالقضية السكانية  فى اعلان “ميثاق العمل الوطنى” عام 1962، وبعدها تم انشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة عام 1965. وفى خطابه فى الذكرى الرابعة عشرة للثورة  ( عام 1966 ) أكد أن الزيادة السكانية أصبحت قضية ملحة وقال: «إذا كنا وصلنا فى زيادة السكان إلى أكبر نسبة فى العالم – الباكستان أكبر نسبة وإحنا نمرة ٢ – والزيادة ٢،٧، والإحصاء الأخير قال إن مصر زاد تعدادها على ٣٠ مليونا، ومعنى هذا إن إحنا كل سنة حنزيد مليون. طب حنوكل المليون دول منين إذا لم نعمل؟ يعنى لازم نعتمد على نفسنا».

وتبنت الدولة وقتها مشروعات «تنظيم الأسرة»، بعد اعتراض الأزهر على مصطلح «تحديد النسل» ؛؛  لكن الحملات الاعلامية روجت للاكتفاء بطفلين أو ثلاثة من أجل أسرة سعيدة. أما السادات فحاول الخروج عن الاكتفاء بالترويج لقضية تنظيم النسل، وحاول تخفيف الضغط عن القاهرة، من خلال إنشاء عاصمة جديدة وجد فيها حلا لمشكلة التكدس السكانى فى العاصمة. فوقع الاختيار على منطقة صحراوية قريبة من مسقط رأس السادات فى المنوفية، لتقام عليها «مدينة السادات» التى كان ينوى الرئيس الراحل جعلها عاصمة إدارية جديدة،وبدأ فى انشاء المدن الجديدة بجميع المحافظات.

وقال فى أحد خطاباته: «زيادة السكان عندنا مازالت تسجل معدلا شديد الارتفاع، وحين نقول إننا نستقبل كل سنة مليون نسمة زيادة، فإننا نستقبل تلك الزيادة بالطبع فى استخدام المرافق، وفى مصاريف الدراسة، وفى تشغيل الخريجين من المدارس والمعاهد والجامعات». أما مبارك طالب بالمزيد من نشر الوعى بالقضية السكانية وانعكاساتها خاصة من جانب رجال الدين والدعاة والمفكرين والمثقفين والكتاب. وقال مبارك: «لابد أن تستمر الوقفة المصرية المصيرية إزاء هذه القضية المهمة التى تمثل التحدى الأكبر لمسيرة العمل الوطنى».

فى حين اعتبر د. محمد مرسى أن ارتفاع عدد السكان فى مصر «قيمة مضافة». وأضاف فى لقائه بالجالية المصرية بروما خلال زيارة رسمية لإيطاليا، أنه يشترط للاستفادة من الزيادة فى عدد السكان: «حسن توجيهها مثلما يحدث فى دول العالم المتقدم». وفى لقائه مع الإعلامى الراحل طارق حبيب بالتليفزيون المصرى أثناء الحملة الانتخابية قال إنه يرحب بالزيادة السكانية، معتبرا إياها ثروة قومية، مؤكداً أن العالم «يفرح» بزيادة عدد السكان، وأن الله موكل بالرزق للجميع، «وعليه فسيطعم هذه الزيادات، هكذا إلى ما لا نهاية». ثم نقل حديثه لارتباط الرزق بالتقوى، وذكر الآية القرآنية «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء».

ولكن المفاهيم عادت الى سابق عهدها بعد الانقلاب العسكرى عام 2013 ، حيث قال السيسى خلال كلمته فى الندوة التثقيفية بمسرح الجلاء، التابع للقوات المسلحة ( فبراير 2015 ):  « ان المؤسسات تعمل بجد، ولكنها ليست على القدر المطلوب للنهوض بالدولة ومجابهة التحديات، وأنا بمفردى لن أستطيع العمل دون معاونة من 90 مليون مواطن، ولا بد أن نفتش فى أنفسنا ونرى أين نحن مما يدور حولنا دون الهجوم على الدولة ومؤسساتها دون علم».

وعاتب السيسى الإعلاميين «عدم القيام بدورهم فى توعية المواطنين بحجم المخاطر والتحديات الحقيقية التى تواجه الوطن»، قائلا: «لم أر إعلاميا يناقش مشكلة الزيادة السكانية خلال الفترة الماضية، رغم أنها مشكلة على درجة كبيرة من الخطورة». ووجه السيسى  سؤالا إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عن مدى جواز مطالبة الشعب بتأجيل الإنجاب لفترة والاكتفاء بثلاثة اطفال، فرد شيخ الأزهر بسرعة  قائلا « حلال.. حلال.. حلال».25 وكان هذا المفهوم هو مضمون مداخلات السيسى خلال مشاركته في الجلسة الثانية بالمؤتمر الدوري الرابع للشباب  “رؤية مصرالسكانية 2030″،  حيث قال:”أنا بسمع واحد مخلف 44 عيال ومش عارف يصرف عليهم منين، طب أنت مسئول أمام الله عن الاولاد اللى هتجبهم، انت بتضيع اولادك لانك مش قادر تنفق عليه ومينفعش تقول نجيبهم وبعدين يجى رزقهم ومتجيش تطالب الدولة بمصاريفهم إحنا عاوزين نقفز”. ، وجاءت الكلمة الصادمة للسيسى بأن مصر تواجه تحدى السكان والارهاب  لتفتح المجال واسعا أمام الاعلام للحديث حول ” القنبلة السكانية ” وبالتالى عن ” الانفجار السكانى “.

 

ثامناً: السياسة الاعلامية فى تناول المشكلة السكانية فى مصر:

شاهدنا  الرسالة الاعلامية  تركز على الزيادة العددية للسكان فقط وهو ما يجافى الحقيقة ويتناسى عنصر الكثافة السكانية والاهم من ذلك اهمال عنصر الجودة متمثلا فى الخصائص السكانية.26 وبدا ذلك واضحا طريق حملات اعلانية خاصة بـتنظيم الأسرة فى التسعينات،كان أبرزها إعلان «أسأل استشير» الذي أطلفته وزارة الصحة والسكان كحملة لتنظيم الأسرة وتشجيع المصريين على استخدام وسائل منع الحمل وكان الأعلان بمثابة الإجابة عن الأسئلة التي تتردد فى أذهان الناس عن خطورة واضرار وسائل منع الحمل على رضاعة الأطفال أو الانجاب مرة أخرى . وشهدت هذة الحقبة إعلان «الراجل مش بس بكلمته»،ومن اهم الاعلانات «السؤال ما يخسرش» وكان عن فيلم انتشر جماهيريا وقتها واسمه “أفواه وأرانب” للفنانة فاتن حمامة حيث يظهر بعض لقطات من الفيلم مع صوت مذيع الإعلان قائلا: ” الخلفة دى رزق محدش قال منخلفش بس على أكتر من اتنين يمكن منقدرش”، وجاء ايضا ضمن حملة تنظيم الأسرة إعلان «حسنين ومحمدين، وهناك ايضا اعلانات بالخلفة الكتير…” بتهد حيلك وجوزك يروح لغيرك”، والاعلانات التي كانت بطلتها الفنانة كريمة مختار عن كيفية إستخدام حبوب منع الحمل واعلان « اولادنا زرعة عمرنا وعلشان تصح زرعتك قلل خلفتك» وكان يخاطب المجتمع الريفي .27 فى حين جاءت شعارات أخرى مثل ” أنظر حولك ” لتلفت النظر الزحام فى التعليم والشوارع  بالمدن.؛

وعن مدى تأثير تلك الحملات الاعلامية على المواطنين، ووفى رسالة دكتوراة بعنوان ” انعكاس التليفزيون علي الاتجاهات السائده نحو تنظيم الاسره في مصر( 2002 )، أثبتت نتائج البحث اهمية  دور الحملات الإعلامية في التأثير على السلوك حيث يتضح أن التعرض المتكرر قد يحفز السلوك وطلب وسيلة وقد تفسر هذه العلاقة بأن الإلحاح في دفع المشاهد إلى السؤال عن طلب الوسائل المعلن عنها بصورة متكررة قد يدفع المتلقي لسؤال المختص عن هذه الوسائل وهو الأمر الذي لا يرتبط بمحتوى رسالة التنويه، إلا أنه قد يرتبط بالتكرار والإلحاح على طلب الخدمة، خاصة إذا ما علمنا أن تذكر حملة “”إسأل إستشير”” (وهي حملة تدعو إلى التوجه إلى مراكز معينة) كان الأعلى مقارنة بغيرها، كما أن تذكر الرسائل الخاصة بالخدمات كان بصفة عامة الأعلى حيث تبين أن نسبة 48% ممن طلبن وسيلة كن من بين مستخدمات الحقن وهي أحدث الوسائل ترويجاً ( وقتها ) من خلال الحملات وهو ما قد يوحي أن هذه النسبة أردن طلب هذه الوسيلة أثر مشاهدتهن لهذه التنويهات كرد فعل للتعرض المتكرر.28

وفى حوار مع مجلة ” روزاليوسف بتاريخ 24 فبراير 2014 ؛ اعلن د. عاطف الشيتانى مقرر المجلس القومى للسكان (وقتها ) عن قصور دور الاعلام بعد ثورة 25 يناير 2011 حيث قال ” الثورة أظهرت مشكلة تدني الخصائص السكانية التي كنا نتحدث عنها قبل الثورة، كارتفاع نسب الأمية والتسرب من التعليم وإرتفاع نسب الفقر وغياب العدالة الإجتماعية، والارتفاع بهذه الخصائص وتحقيق العدالة الاجتماعية هو مهمة الجميع الأن، وعلى الاعلام دعم هذه القضية بالتعاون مع الشباب، وقد قال جمال حمدان في السبعينيات، “كلنا نفكر في سد احتياجات المواليد الكثيرة، دون التفكير في السيطرة على سبب زيادة المواليد”، فقضية السكان لاينبغي حصرها فقط في تنظيم الأسرة، ولكن في التنمية مع تنظيم الأسرة . وأضاف قائلا ” أن الاعلام عليه أن يتحمل مسئوليته تجاه المجتمع بشكل أكبر، فالإعلام له دور قيادى لم يلعبه بعد ولا يجب أن ينتظر توجيهات من الحكومة ولكنه شريك اساسى لها خاصة انه أكثر تاثيرا على وجدان وعقل الشعب المصرى من اى جهة أخرى.” 29

 

تاسعاً: دور الخطاب الدينى فى مواجهة المشكلة السكانية فى مصر

لغويًا تأتي لفظة «تحديد» من «الحد»، ومعناها «حاجز بين شيئين أو أنهاه أو منعه»، أما معنى لفظة «تنظيم» هي «ترتيب الشيء وتدبيره ليأخذ طريقة معينة ». عبر مسؤولون بالمؤسسة الدينية الإسلامية عن تأييدهم لـ «تنظيم» النسل، كما قال وزير الأوقاف مختار جمعة، في ديسمبر 2016، خلال اللقاء المشترك بين قيادات الوزارة والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء للتوعية بمخاطر الانفجار السكاني، حيث أكد على ضرورة العمل على «تنظيم» العملية الإنجابية بما يحقق للطفل وللأسرة وللمجتمع الحياة الكريمة التي نتطلع إليها جميعًا، دون أن يتطرق إلى مفهوم «تحديد» النسل30 .

ومن نفس المصدر قالت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب وأستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، لـ«مدى مصر»: « يجب التفريق بين لفظتي تنظيم النسل، وتحديد النسل، لأن التنظيم هو جزء أصيل من تفكير المسلم بمعنى أنه ينظم فترات الحمل، وعليه إعمال العقل في هذا التنظيم، ولكن لا نؤيد التحديد، وهو أن يتخذ الإنسان قرارًا مسبقًا بأنه لن يُنجب سوى عدد معين من الأطفال، ويتصرف على هذا الأساس منذ البداية بمنع الحمل».

والرأي الفقهي للمؤسسة الدينية الإسلامية حول مفهوم «التحديد»، كما يفصح عنه العديد من الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء، اوضحه الدكتور أحمد خليفة شرقاوي أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بطنطا فى حوار مع “المصريون” حيث  استشهد بقول الله تعالى قال “وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ”، معتبرًا أن بناءً على ذلك فإن “ما قدر لنطفة أن تخلق أن يمنعها شيء”.وأضاف لـ “المصريون”، أن “الفقر لا يرتبط بزيادة النسل فكل نفس خلقها الله وتكفل برزقها”، مؤكدًا أن “هناك فرقًا بين تحديد النسل وتنظيمه، فتنظيم النسل لا شيء فيه من الناحية الشرعية ولو طالت مدته، أما تحديد النسل فلا يجوز”.

وتابع: “الدولة التي تعاني من الجهل وقلة التعليم هي ما تعتقد أن زيادة النسل هي السبب في تردي أوضاعها، إنما الدول المتقدمة التي تعرف قيمة الموارد البشرية هي ما تستغلها الاستغلال الأمثل”.31 ، وأضاف مفتى الجمهورية فى كلمته يوم الأحد  30يوليو 2017 فى  الاحتفال باليوم القومى للسكان:”  أن رأى الدين يدعو دائما للتوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر .

وأوضح مفتى الجمهورية أن دار الإفتاء المصرية قد استقرت فى فتواها على أن تنظيم الأسرة هو من الأمور المشروعة والجائزة شرعا، مضيفا: وهذه المنظومة التى نسير عليها، هى أيضا متسقة مع منظومة التشريعات المصرية، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس الفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة”.32   .

ولا يختلف موقف الكنيسة الأرثوذكسية كثيرًا عن الموقف الإسلامي الرسمي بخصوص تنظيم/تحديد النسل. في المؤتمر المنعقد بمقر المجلس القومى للسكان في منتصف التسعينيات لتشجيع سياسات مبارك في تحديد النسل، قال بابا الكنيسة المصرية الراحل: «الدين يترك موضوع تنظيم الأسرة للحرية الشخصية، يعني لا يجبر الناس على ولادة البنين ولا يمنعهم إذا كان هذا في صالحهم ومقدورهم ومسؤوليتهم، وكما يقول صديقي الدكتور [محمد] محجوب [وزير الأوقاف وقتها] إنه لا يوجد نص في القرآن يمنع تنظيم الأسرة، كذلك لا يوجد نص في الإنجيل يمنع تنظيم الأسرة، نحن متفقون في هذه النقطة، وسعيد إننا نكون رأي واحد أمام المجتمع وأمام الوطن، فما ننادي به من جهة المسيحية هو ما ينادي من جهة الإسلام، ومن جهة العلم وجهة الفكر وجهة السياسة ومصلحة البلد».

لكن للأنبا فنتيوس، أسقف سمالوط، رأي مختلف أورده في كتابه الصادر حديثًا تحت عنوان «المرأة في المسيحية»، حيث يرى أن وسائل منع الحمل جميعها تسبب الإجهاض الذي تحاربه الكنيسة، ويُفضل اتباع الوسائل الطبيعية، إلا أنه يعود ويقول: «مما سبق تبين أن كل وسائل منع الحمل تُسبب إجهاض بنسب مختلفة. ولكن نظرًا للاحتياج الضروري لاستخدام هذه الوسائل اجتماعيًا واقتصاديًا، وتجنبًا لإثارة بلبلة وشكوك وشعور بالذنب لدى من يستخدمون هذه الوسائل من الشعب المسيحي الحريص على أبديته، خاصة في عدم وجود بديل كفء لهذه الوسائل المتاحة حتى الآن، على الكنيسة أن تسمح باستخدام هذه الوسائل مؤقتًا بمبدأ الرحمة فوق العدل لحين وجود بديل كفء لها لا يسبب إجهاضًا».33

 

عاشراً: المسارات المستقبلية لمواجهة المشكلة السكانية :

تبرز مجموعة من المسارات الأساسية:

الأول: استمرار نفس السياسات السكانية الحالية  بالتركيز على زيادة عدد السكان وطرق مواجهاتها لحين استقرار الامر للمشير السيسى فى الاستمرار على رأس السلطة فى مصر.

وقد أطلق وزير الصحة والسكان، مبادرة “تنمية بلدنا فى تنظيم أسرتنا”، للحد من الزيادة السكانية، وخفض عدد المواليد. وقال وزير الصحة، فى تصريحاتٍ لـ”اليوم السابع” إن الفترة  المقبلة ستشهد استخدام كبير لآليات حل المشكلة السكانية التى تلتهم أى زيادة فى معدلات التنمية، لافتا إلى أنها على رأس أولويات الحكومة . فيما أوضح الدكتور طارق توفيق، مقرر المجلس القومى للسكان، أن وزارة الصحة لديها توجهات وبرامج حديثة لحل مشكلة الزيادة السكانية، مشيرًا إلى أن الوزير مهتم بضرورة الوصول إلى معدل منضبط، ومن المقرر إطلاق حملات أخرى للحد من الزيادة السكانية فى المحافظات التى تعانى من زيادة سكانية كبيرة.34 وهذا السيناريو يوفر حالة من الهدوء النسبى حول المشكلة بصورة مؤقتة  لحين تمرير استمرارية السيسى على رأس الدولة لفترة اربع سنوات جديدة.

السيناريو الثاني: طرح مشروع قانون ” تحديد النسل وفرض عقوبات بعد المولود الثالث ” للتصويت فى اولى جلسات البرلمان لفصل الانعقاد القادم وسرعة اصدار القانون ونشره بالجريدة الرسمية للتنفيذ.

ويشمل استصدار قانون بتجريم ميلاد الطفل الرابع وحرمانه من كافة الحقوق المدنية مثل التعليم المجانى والحصة فى المواد التموينية ؛ وهذا من خلال متابعة ماتم خلال جلسات مجلس النواب شهرمايو الماضى حيث ارتفع شعار “عايز تخلف.. خلف بعيد عننا” وهو التعبير الذى جاء على لسان احدى عضوات مجلس النواب المصري في تصريحات صحفية خلال شهر مايو 2017 عن مشروع قانون تعتزم تقديمه للبرلمان يهدف لدفع الأسر المصرية إلى تحديد الإنجاب. ، وهذا الحراك البرلمانى نرى انه قد جاء متوافقا مع التوجهات السياسية فى مصر بقصر الانجاب على ثلاثة أطفال فقط بمعنى ” تحديد النسل ” ؛  ولكن يبدو انه ليس من السهولة استصدار القانون فى المرحلة الراهنة حيث اعلن د. طارق توفيق، مقرر المجلس القومي للسكان، إن فكرة سن قانون لتحريم الإنجاب أو لتحديد النسل لا يمكن تطبيقها في مصر، مشيرًا إلى أن تجربة الصين في تحديد طفل واحد لكل أسرة لم تكن إيجابية.35

.وإن كان تأجيل هذا السيناريو لايمنع من تناوله اعلاميا لاحداث حالة من الزخم المجتمعى للفكرة وتهيئة المناخ العام لتقبلها .

السيناريو الثالث: اعتماد تنفيذ رؤية وزارة الصحة والمجلس القومى للسكان 2030 بخصوص تبنى المحاور الثلاثة للمشكلة السكانية.

لكن من المستبعد تبنى الدولة تنفيذ استراتيجية طويلة المدى على جميع المحاور الثلاثة للمشكلة السكانية كما ورد فى  خطة 2030 التى اعلنها وزير الصحة ، وهذا من دراسة الاداء الحكومى على مدى اكثر من ثلاثين عاما ومنذ بدأ المجلس القومى للسكان فى اصدار خطط استراتيجية ولكن لم تلق اى اهتمام من الدولة وأجهزتها التنفيذية .

 

خاتمة:

تعتبر ثنائية السكان والتنمية من أهم القضايا التى تشغل العالم منذ عقود طويلة، ومن دراسة حالة الكثير من دول العالم يتضح ان العنصر البشرى هو عماد التنمية الاقتصادية ولكن الأمر يحتاج الى نظام حاكم  له رؤية شاملة لجميع الجوانب التنموية الاجتماعية والسياسية والثقافية وليس الجانب الاقتصادى فقط، بحيث يكون بناء الانسان بخصائصه المتميزة هو محور الارتكاز لبناء المستقبل، وكانت التجارب الحديثة للكثير من الدول حول حسن الاستفادة من الايكولوجيا وتوظيف الطاقات البشرية ضمن منظومة البيئة الطبيعية  هى الحل لتحقيق التنمية المستدامة.

وفى مصر بدأ الحديث عن التنمية مبكرا منذ اكثر من ستين عاما، ولكنه كان وفق رؤية قاصرة على جانب واحد وهو تقليص عدد السكان دون السعى نحو الارتقاء بالخصائص البشرية وتنميتها ، ومازالت مصر تعانى من تراجع جميع مؤشرات التنمية بدون وجود رؤية واقعية للاصلاح .  إن اختزال المشكلة السكانية  فى مصر باعتبارها  زيادة سكانية فقط يعد تهوينا للقضية، فقضية السكان يجب النظر لها بصورة أشمل تتضمن أبعادها الثلاثة  وهى تراجع خصائص السكان ( والتى تشمل التعليم والصحة والمشاركة فى قوة العمل ومتوسط دخل الفرد) ، وسوء توزيع السكان وتركزهم فى مساحة ضيقة لا تتجاوز 5.3% من إجمالى مساحة مصر، ووجود فجوات كبيرة بين مناطق الجمهورية المختلفة حيث تتراجع جميع المؤشرات بصورة واضحة فى الوجه القبلى وخاصةً فى الريف، وكذلك وجود فجوات بين الذكور والإناث فى معظم المؤشرات التنموية، بالاضافة الى عدم التوازن بين النمو السكانى والنمو الاقتصادى. ومن ثم فإن الاستمرار فى اعتبار القضية السكانية هى مسئولية وزارة الصحة والسكان أو المجلس القومى للسكان الذى يتبع الوزارة منفردين يصل بقضية السكان إلى طريق مسدود،. وبالتالى فإنه من الضرورى الاهتمام بجميع محاور المشكلة بالتوازى وبنفس القدر من الاهتمام مع التركيز على مواجهة  ثلاثية الفقر والجهل والمرض، وبناء مواطن سليم معافى عنده القدرة على دخول سوق العمل والانتاج باعتباره ثروة بشرية قادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادى، ومن ثم نشر التنمية على جميع أرجاء  ارض الوطن(36 )

———————–

الهامش

1 – د.صابر عبد الباقى /كلية الاداب –جامعة المنيا ( كنانة اون لاين )

2 –  نظرة قرآنية فى نظرية مالتوس للسكان ( مصدر)

3 – تعريف الديموجرافيا  ( موضوع .كوم )

4 – Population Momentum Across the Demographic Transition (مصدر )

5الجهاز المركزى للتعبئة العامة  والاحصاء

6 – السكان والتنمية ( ازمة الموارد )

7 – ( صوت الامة ) 11 ابريل 2017.

8 – البيانات والاحصائيات السكانية  ( U N   )

9 – نسبة الامية فى مصر 2015 ( اليوم السابع )

10  – نتائح التعداد السكانى مصر 2017 على مستوى الجمهورية ( فيديو )

11  – تعداد مصر 2017 النتائج النهائية ( الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء )

12 – ترتيب مصر فى مؤشر التنافسية فى التعليم ( مصدر)

13 – بحث عن التعليم فى مصر ( مصدر )

14 – نسبة مساهمة المراة فى قوة العمل بمصر ( اضاءة ) بتاريخ 8/3/2017

15  – نتائج بحث القوى العاملة 2016  الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء ( اليوم السابع )

16 – ارتفاع  معدل الوفاة بين الاطفال الرضع ( اليوم السابع ) 21/6/2016

17 – معدل وفيات الامهات 2016 ( مصرس )16/7/2017

18 – معدل الخصوبة ( الاهرام  ) 12/1/2016

19 – خطة مصرية لخفض الانجاب ( الجزيرة ) 13/8/2016

20 – اللواء ابوبكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء 2015( حواء )

21 – ظاهرة عمالة الاطفال فى مصر 2015  ( بوابة الشرق العربية )

22 – التعبئة والإحصاء يكشف: قرى مصر تعيش فى العصور الوسطى ، ” الشروق ” بحثا بتاريخ 9/1/2016

23 – الزيارات المنزلية عام 2016 (المصرى اليوم )

24 – البحث الصحى السكانى مصر 2014 (  DHS 2014 )

25 – الزيادة السكانية فى كلمات الرؤساء ( المصرى اليوم )

26 – أيمن زهيرى، “هل مازالت مصر تعانى من انفجار سكانى”، كتاب “دفتر أحوال المجتمع المصرى”، مطابع الولاء الحديثة، شبين الكوم 2006 (مصدر)

27 – ” نوستالجيا “التسعينيات عن تنظيم الاسرة وتحديد النسل ” الدستور

28 – سحر محمد فوزي حسن حجازي عين شمس الآداب علوم الإتصال والإعلام دكتوراة 2002″ انعكاس التليفزيون علي الاتجاهات السائده نحو تنظيم الاسره في مصر ( مركز النظم للدراسات )

29 – المجلس القومى للسكان ” سكانيات ” 24  فبراير 2015 ( صفحة رسمية  )

30 – كارولين كامل “فتوى للرئيس وفتوى للشعب ” 29مارس 2017 ( مدى مصر )

31 – ” تحديد النسل فى مصر بين الفتاوى والسياسات ” ( اسلام اون لاين ) 27مايو 2017

32 – كلمة مفتى الجمهورية فى اليوم القومى للسكان بمصر 30/7/2017 ( اليوم السابع )

33 – ” مدى مصر ” مصدر سابق .

34 – الصحة تطلق مبادرة سكانية جديدة ( اليوم السابع )

35 – مقرر القومى للسكان ” فكرة تحديد النسل لاتصلح فى مصر ” ( فيديو)

(36) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية “.