عبد (النت)!!

كتبه عامر شماخ

 

لو أن لك ابنًا فى سن المراهقة تتوافر له خدمة الاتصال بشبكة (الإنترنت) ولديه جهاز (أندرويد) – فقد صار لديك (روبوت) يحمل اسم ابنك وصفاته الوراثية، لكنه يتحرك ويسلك سلوك (الروبوت). لنفترض أن هذا الابن اسمه (وليد). فإذا ناديته باسمه وبصوت عال فلن يسمعك؛ لأن على أذنيه سماعة، وإذا سمعك فستكون استجابته بطيئة؛ لأن عقله وسائر حواسه منشغلة بالمادة التى يراها. وليد فاقد التركيز، وليد أدمن الجلوس أمام تليفونه الذى يحرص دائمًا أن يكون حديثًا. قد ينسى وليد طعامه وشرابه وقضاء حاجته لكنه لا ينسى تجديد الباقة، ولا ينسى تسديد فاتورة (الواى فاى) فى موعدها. باختصار: وليد صار عبدًا لـ (النت)..

إنه (جيل الإنترنت) كما يسميه علماء النفس والاجتماع؛ ذلك الجيل ضحية هذه الآلة الجبارة، والشبكة الدولية العملاقة وسيل المعلومات الذى أغراه باللهث وراءه حتى أدمنه، والإدمان هنا: (اضطراب يؤدى إلى ظهور حاجة سيكولوجية قسرية تظهر من عدم إشباع الفرد من استخدام الإنترنت). هى إذًا حالة مرضية تولَد اضطرابات سلوكية مزعجة.

وهذا الاضطراب السلوكى جعل وليد وضرباءه قليلى الجهد، عصبيين، منطوين، مهملين فى صلواتهم، وفى أداء واجباتهم المدرسية والاجتماعية، غير مقدّرين لقيم الدين والمجتمع، محبطين يبحثون عن الثراء السريع، يهدرون أوقاتهم فيما لا طائل من ورائه سوى اللهو والترفيه ومزيد المتعة.

ماذا فعلنا لأولادنا على المستويين الخاص والعام لإنقاذهم من هذا الوباء الذى استشرى حتى صارت المحروسة على رأس الدول التى تستخدم (النت) فى الأغراض الصبيانية؟ وحتى أكد المختصون الراصدون للظاهرة أن آثارها باتت تهدد بيوتنا وأمننا القومى؟ ولا فائدة من هذا الاستخدام سوى الجرى وراء المعرفة غير المنتجة، أو الدردشة، أو الألعاب، أو المال، أو الشهرة، أو الجنس.. وكلها مغريات لأصحابها ليس من السهل التخلى عنها إلا إذا خلفت إعاقة أو جريمة.

فى الحقيقة لم نقدم لأبنائنا شيئًا ناجعًا لترشيد استخدام هذه الوسائل وحصد نفعها واجتناب إثمها. كل ما نفعله هو النصيحة أو الحرمان التأديبى، ومعلوم أن الحرمان قد يزيد الاحتياج لهذا الأمر، ومعلوم كذلك أن الممنوع مرغوب. إذًا لا بد من توليد قناعة لدى الشاب بمضار هذه الوسائل، وذلك لا يتأتى إلا بتعاون مخلص بين الأسرة والدولة والمجتمع فيما يُعرف بمصادر التوجيه والتربية؛ إذ لا بد من تضافر جهود الأسرة والمدرسة والمسجد والشارع والإعلام والنوادى وجماعات الرفاق إلخ للتنفير من الإدمان على (النت)، وفى المقابل لا بد من جهد رسمى لسن التشريعات والقوانين لحظر المواد الخطرة، ووضع الخطط والبرامج الإرشادية، ومنع ما يُبث من برامج ومواد تشجع الممارسات الخاطئة..

وبما أن دور الدولة غائب، وكأننى أنادى ميتًا فلا مفر من أن يحمل أولياء الأمور على عاتقهم هذا العبء، تعاونهم المؤسسات والجهات الوطنية الحرة المهمومة بأزمات الوطن، وليكن باب الدخول الأوّلى: أضرار ومخاطر (النت) وأثرها على المفرط فى التعاطى معها، وهى أكثر من أن تُحصى إذ تسبب الاكتئاب والعزلة، وقلة التركيز، والسمنة وما يستتبعها من أمراض قاتلة، ومشكلات البصر، وآلام الظهر والرقبة والذراعين، والصداع المزمن وفى بعض الحالات الصرع. فضلا عن تحول الشاب إلى (روبوت) –كما أسلفت- فلا ممارسة للرياضة، ولا قراءة للكتب المفيدة، بل يظل متلقيًا دائمًا؛ كالصنم يسمع للآخرين ولا يسمعه الآخرون، ما يقتل فيه الإبداع ويجعله سطحيًا قليل الخبرة منعدم الوعى.

قد يقول قائل: لكن هناك فوائد كثيرة لـ (النت) ونقول له: صدقت، وكذا كل شىء: له منافعه ومضاره؛ إن أحسنّا استخدامه حصّلنا فوائده، والعكس صحيح. لكن هل تعلم أن هناك شبابًا صغارًا ونظرًا لأنهم تُركوا من دون رقابة فقد تورطوا فى الجريمة؛ فمنهم من يعيش يومه وليله على صفحات المواد الإباحية، أو فى مواقع (الهاكرز) وقد سمعنا عمن قتلوا أنفسهم بسبب ألعاب مثل (الحوت الأزرق) وغيرها. وساحة (النت) مليئة بالجرائم، وربما كان أكثرها انتشارًا هو الاختلاط الافتراضى الذى يعقبه غالبًا اختلاط حقيقى؛ من ثم انتشرت الخيانة وعمّ الزنى، وتفككت الأسر، وزادت نسب الطلاق إلخ تلك المآسى الاجتماعية.

أقول: ليس التحدى المقبل أن يكون لنا أعداء يقاتلوننا ونقاتلهم، إنما التحدى الأكبر فى هؤلاء (العبيد الجدد) الذين يمثلون جيلًا جديدًا منزوع الإرادة، مثقلًا بالعجز والكسل، لا يستطيع خوض دروب الحياة العسرة بما فيها من تدشين بيت وتأسيس أسرة؛ بله تربية أطفال.