شرين عرفة تكتب : هذا هو مشهد النهاية..لمن لا يعرفه

” فيلم البريء” ..لا يعرف أغلب الشعب المصري، مشهد النهاية لذلك الفيلم الحزين، والذي أخرجه رائد الواقعية المخرج “احمد الطيب” و يحكي ببراعة قصة مصر مع ثلة من عسكر  فاسدين، نهبوا خيرات الوطن واستعبدوا ابنائه،
 
لأنه ببساطة تم حذف مشهد النهاية ، بعد تشكيل لجنة رقابية من ثلاثة وزراء : وهم زير الدفاع السابق المشير “عبد الحليم أبو غزالة” ووزير الداخلية السابق “أحمد رشدي” ووزير الثقافة السابق “أحمد عبد المقصود هيكل” في عام 1986، حينها قرروا عرض الفيلم ،ولكن بعد حذف مشهد النهاية ، بالإضافة لحذف عدد كبير من الجمل المحورية داخل الفيلم!
 
عجيب… هكذا العسكر بكل أسلحتهم وقوتهم المزعومة، تهزمهم الحقيقة ، حتى لو جاءت كمشهد في فيلم ، أو جملة في كتاب ، أو هتاف صادق في مسيرة.
 
وقبل الموافقة على عرض الفيلم ، اشترطوا على صناعه ، كتابة لوحة افتتاحية في بدايته تقول : وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر!!
 
•يتنفس العسكر بالأكاذيب ،ويحيون بالتدليس،
 
كل طاغية يأتي ، يسمح للشعب بصنع افلام ، تصور ظلم من قبله ؛
انتقد الماضي كما شئت ،لكن إياك ان تتفوه بكلمة تجاه حاضرك البئيس!!
 
ستون عاما، ونحن في ربقة سلسلة جهنمية من عصابة مجرمة ،تدفع بمصر نحو قاع سحيق..
 
يحكي الفيلم بإختصار قصة “أحمد سبع الليل” وهي الشخصية التي يؤديها بإقتدار بالغ الفنان الراحل “احمد زكي”، وهو شاب ريفي فقير أمي جاهل ،لا يقرأ ولا يكتب كحال ما يقرب من 40% من سكان مصر طبقا للإحصائيات والتقارير، يعيش مع أمه وأخوه عبد الصبور المتخلف عقليًّاً. 
 
لا يعرف من دنياه ،سوى قريته الفقيرة التي ولد بها ، وحقله الذي يزرعه ، والترعة التي يستحم فيها،
الترفيه الوحيد الذي يعرفه بعد عناء يوم شاق وطويل ، هو محل البقالة الذي يتجمع عنده شبان القرية لقضاء الوقت بالحديث ، أو بالتسلي بالسخرية من السذج أمثال أحمد سبع الليل.
 
“حسين وهدان” والذي يقوم بدوره (ممدوح عبد العليم) هو الشاب الجامعي الوحيد في القرية ، مثال للشاب الخلوق المثقف ،والذي يعرف من الحقائق الكثير ،
 
 يتعاطف “حسين” مع “أحمد سبع الليل” ويمنع الشباب الآخرين من السخرية منه ،
 
كان حسين بالنسبة لسبع الليل، هو القدوة والنموذج، هو الجانب المشرق من الحياة
 
حينما تم استدعاء سبع الليل للتجنيد الإجباري ولأنه لا يعرف شيئا على الإطلاق ، يقوم حسين وهدان بتوضيح معنى التجنيد له ، فيقول : إن الجيش هو من يحمي الوطن من الأعداء ،
 
وهنا يرد أحمد بسذاجته،وقد فهم أن المقصود بالوطن هي قريته : “بس بلدنا ما لهاش أعداء”. 
 
يتم تجنيده ضمن قوات حراسة أحد المعتقلات الخاصة بالمسجونين السياسيين في منطقة صحراوية معزولة، 
 
وهناك يتم تدريبه على طاعة الأوامر طاعة عمياء ،بدون مناقشه أو تفكير، كان الجنود جميعهم في الوحدة يتم إختيارهم من الجهلة والأميين، ليسهل على قادة العسكر قيادتهم وإستعبادهم،
 
ينصهر سبع الليل في تلك المنظومة العسكرية ويصبح أداة في يد قادة ظلمة وطغاة يستخدمونه للتنكيل بالمعارضين وسحلهم داخل السجن الحربي،
كان المعتقلون داخل اسوار السجن هم خيرة ابناء مصر ،فمنهم الكاتب رشاد عويس (ويقوم بدوره صلاح قابيل) وأستاذ الجيولوجيا (ويقوم بدوره جميل راتب)،
 
لكن سبع الليل قد أفهموه ان هؤلاء هم اعداء الوطن ،
 
فكان يبالغ في تعذيبهم والتنكيل بهم، حتى أنه قتل الكاتب “رشاد عويس” حينما حاول الهروب ، وهو يعتقد : أنه بذلك يطهر الوطن من الأعداء، 
 
فكانت مكافأته إجازة يذهب فيها إلى قريته ،وترقيته إلى رتبة العريف،
 
بينما كانت الجملة الأخيرة التي قالها الكاتب المعتقل لسبع الليل قبل أن يموت : “أنت حمار ومش فاهم حاجة”
 
لا يستطيع قادة العسكر أن يسيطروا على بلد ما وينهبوا خيراتها ويسجنوا ويقتلوا خيرة ابنائها بدون آلاف وملايين من هؤلاء الجهلة اشباه الحمير ،الذين يستعبدونهم بالجهل والفقر والقهر والجوع.
 
شيء واحد كان يبقي قليلا من إنسانية سبع الليل داخل جسده “كما يصور لنا الفيلم” وهو حبه للناي والعزف عليه، 
 
لم يعد سبع الليل إنسانا إلا عندما عاد إليه وعيه ،وأنارت ذهنه حادثة هي محور الأحداث في هذا الفيلم ،
حيث شاهد ابن قريته “حسين وهدان” وهو في السجن الحربي ،ومطلوب منه انه يعذبه وينكل به ، 
 
لم يكن الإعلام الداعر وقتها بتلك القوة ، والتي يستطع معها قلب الحق باطل ، والباطل حق ، ويقنع الجهلة و السذج والحمير ، أن من كانوا يساعدونهم بالأمس ،ويعلمون ابنائهم ويحفظونهم القرآن ، صاروا إرهابيين، فيبلغون الشرطة لإعتقالهم، أو يشمتون بموتهم.
 
رفض سبع الليل تعذيب ابن قريته ودافع عنه بكل قوة، أخيرا… قد فهم الحقيقة ، وانتقل حينها من طائفة العبيد و الأنعام ، إلى طائفة البشر الأحرار.
 
والأحرار.. لا مكان لهم في عزبة العسكر والطغاة إلا السجون ، يموت الشاب الخلوق المثقف ، أمل مصر في غد أفضل ، ليعيش فوق دمائه ،ويرفل في النعيم “توفيق شركس” (ويقوم بدوره محمود عبد العزيز) ذلك القائد العسكري المتجبر السادي الذي يتلذذ بتعذيب البشر ، وسماع صرخاتهم ،ورؤية جراحهم. 
 
يعود سبع الليل لمكان حراسته، يعزف أحزانه على “الناي” ، حتى يصل أذنيه صوت ، يعرفه جيدا ،ويعرف ما يأتي بعده ، إنه صوت سارينة عربة الترحيلات ، 
 
يصرخ حاملا سلاحه ، يفرغ زخيرته في صدور الجميع ،طغاة العسكر وعبيدهم من الجنود ، الجميع ظالمون..
 
قال تعالى [ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَ جُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ] “القصص 8”  لا فرق بين مجند جاهل ساذج، ببطن فارغة ، ينفذ أوامر قادته ، ويقتل إخوته من المصريين ، وبين قائد مستبد ، يعاني من التخمة ، ويسير بحذائه فوق رؤوس هؤلاء الجنود المغفلين.
 
 
لكن يوما ما ..حتما سيأتي ؛ سيستيقظ النائم ،ويفيق الغافل ، ويخرج الجائع، ويصرخ المظلوم ، يوما ما سيعلم الجاهل ويفهم الساذج ويتبين المخدوع، حينها سيسحق الشعب المصري طغاته ، ويدهسونهم بالأحذية ، وستأتي نهاية المستبد على يد أقرب الناس إليه.
 
وسيعرف السيسي أن رؤياه للرئيس المقتول في المنام “محمد انور السادات” وهو يبشره بذات المصير ،أنها رؤيا حق ،وسيأتي امر الله إليه وهو في قمة زهوه وجبروته ،وبين جنوده واتباعه ،ووسط مخلصيه ،ستأتيه نهايته وهو بكامل زينته ،غارقا في غيه ، مستغرقا في ضلاله ، تسكره نشوة انتصاره على معارضيه،
 
اعدم من تشاء يا سيسي ، و اسجن من تشاء ، اقتل من تشاء واظلم من تشاء ، لن تستطع رد نهايتك المحتومة عند الله..
 
فدولة الباطل ساعة ، مهما طالت أو ثقلت على نفوس المظلومين،
 
والرئيس الذي تريد إعدامه ،و نتمسك نحن بعودته لآخر نفس في أجسادنا، يتمنى هو الشهادة في سبيل الله ،ونعرف جيدا … أنه ليس إلا رمزا لوطن منهوب ، راية عالية يجتمع عليها الأحرار في معركتها معكم ،لكنه ليس المعركة،
 
وسترى مشهد النهاية يا سيسي ..إن آجلا أو عاجلا..
 
ولمن يتعجل عليها ، ويتعحب من تأخرها ،ويتساءل  : إذا كنا على الحق ؛فلماذا لم ينصرنا الله؟! وإذا كان السيسي وأتباعه على الباطل فلماذا لم يخزهم الله؟!
 
 
فنقول له كما قال الله تعالى لرسوله الكريم :
 
[ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)] (سورة مريم)
 
فانتظر يا سيسي ..إنا منتظرون